رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحشاشون

الحشاشون من الحشيش، وهو المادة المستخرجة من نبات القات الشهير، والتي لعبت بعقول أغلب المفكرين والفلاسفة، على مر التاريخ. 
تخبرنا وسائل الإعلام، بأن القيم الإنسانية والرقي والحضارة الحديثة، آخذة في التلاشي مع ميل الإنسان إلى الهوس والإدمان وتغييب العقل، الذي ترافق مع إنتاج العقاقير المخدرة الحديثة وتسويقها السريع، ولا شك أن حالة الحرية التي ينعم بها العقل البشري في الإنسان قد تم انتهاكها بهذا المخدر اللعين.
الحشيش في مصر هو القنب الهندي أو الماريجوانا. القنب هو اسم النبات، أما الماريجوانا فهي الأوراق والأزهار والسيقان والبذور المجففة من نبات القنب، أما الحشيش فهو منتج آخر من نبات القنب يحتوي على صمغ ينتجه النبات.
الحشيش غير قانوني في مصر. حرمه الفقه الإسلامي ضمن المواد التي تحدث تغييبًا بالعقل، يعاقب على تهريب القنب الهندي على نطاق واسع بعقوبة الإعدام، في حين أن العقوبات المفروضة على حيازته أو تدخينه، ولو كانت كميات صغيرة، فهي السجن المشدد.
تدخين الحشيش، يعد جزءًا من الثقافة الشائعة في البلاد للعديد من الناس. ودخنه كثير من الشعراء والكتاب وظرفاء مصر وبعض السياسيين.
عرف الإنسان الحشيش منذ آلاف السنين، مع أنه يصعب تحديد الفترة التي بدأ فيها الإنسان بجمع وتكثيف راتينج الحشيش بالطريقة المعروفة لتدخين منتجات الحشيش، وهي الطريقة الأسرع والأكثر فاعلية للحصول على ما لها من تأثيرات. 
فقد عرف الحشيش في أوروبا في عصر متخلف نسبيًا. تدخين الحشيش لم يكن معروفًا في أوروبا حتى عودة كولومبوس من رحلته الثانية إلى العالم الجديد الذي حمل معه تبغ الدخان.
تأثيره يحدث عند الإنسان ما يعرف بالنشوة. 
ومن هؤلاء الفيلسوف الألماني، فالتر بنيامين في كتابه الرائع «عن الحشيش» الذي ترجمته المترجمة سماح جعفر، ونشرته الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية المصري عام 2016.وقال إن تدخين الحشيش، أو استعماله، يخلق مزاجًا خاصًا، عبارة عن رضا شيطاني، ومعرفة شيطانية وهدوء شيطاني، محفزًا على النشوة والحلم، ومن مميزات هذا المزاج النفور من الجو المفتوح والعيش في الداخل، وأن يغزل المرء ستارًا كثيفًا حول نفسه يشبه شبكة العنكبوت التي تتعلق في شراكها أحداث العالم مرتخية مثل أجساد الحشرات ثم امتصاصها حتى الجفاف، ولا تقبل التغيير أو التحول. 
لم نكن بحاجة لمسلسل يحمل اسم الحشاشين، وينشر فضائل الحشيش.
الحشاشون طائفة دينية ظهرت في بلاد فارس التي هي إيران الحالية. بعد وفاء الإمام جعفر الصادق، وبعدها نشب الصراع بين أولاده حول الزعامة والحكم، وأصبح لكل واحد منهم مؤيدوه ومريدوه، وكان من نتائج هذا الالتفاف ظهور الانقسام إلى عدد من الجماعات المنفصلة، ومن هؤلاء الإسماعيليون الأوائل. وهناك اتفاق عام بين الدارسين لشئون الإسماعيلية أن خطّا من القادة المركزيين المتحدّرين من جعفر الصادق قد عملوا فى تلك الفترة المبكرة من عدة مراكز قيادية، على تنظيم حركة شيعية مناوئة للحكم العباسي، باعتبارهم «مغتصبين» الحقوق الشرعية للأسرة العلوية في زعامة الأمة.
وكان من تلك الطوائف طائفة الحشَّاشين أو الحشيشية أو الدعوة الجديدة كما أسموا أنفسهم. هي طائفة اتخذت دولة الحشاشين من القلاع الحصينة في قمم الجبال معقلًا لنشر أفكارها. التي خدرت بها عقول الصبية والمراهقين، وكونت منهم جيشًا مغيبًا، لا فكر له، ويأتمر بأمر أميرهم.
وهي فكرة درامية جيدة، أخذها مخرج كبير، وقدمها في مسلسل باسم تلك الطائفة، وربما كان إحياء الفكرة بعد ظهور تأثير الحشاشين في أكثر من جماعة إرهابية، ظهرت في المنطقة العربية وبعض دول إفريقيا وآسيا، ومن تلك الجماعات جماعة داهش وجماعة جبهة النصرة في سوريا والإخوان المسلمون في مصر، وجماعات أخرى تفرعت عن تلك الجماعات، ومارست القتل عن طريق تغييب عقول الشباب. 
تدور فكرة المسلسل حول الدولة السلجوقية التي وصلت إلى قمة المجد والازدهار في عهد جلال الدولة ملك شاه، وسجل التاريخ اسمه كأول من تصدى لفرقة الحشاشين الإرهابية التي اغتالت عددًا من الشخصيات المهمة والأمراء بقيادة مؤسس الفرقة حسن الصباح.
وقد وقع اختيار المخرج بيتر ميمي الذي أخرج من قبل مسلسل الاختيار، وربما تم استغلال نجاح مسلسل الاختيار في تكليفه بإخراج هذا العمل الفني الضخم. 
وتم اختيار الفنان كريم عبدالعزيز للقيام بدور حسن الصباح، وفي السيناريو والحوار تم استخدام اللهجة العامية. ويري البعض أن استخدام اللغة العامية أضر بالمسلسل، باعتبار أن للمسلسل بعدًا زمنيًا وتاريخيًا، وأنه قد يهم بعض القوميات والشعوب التي لا تنطق اللهجة المصرية. فكان لا بد من استخدام اللغة العربية الفصحى، لتحقيق التواصل مع تلك القوميات والشعوب، إذا نحن بصدد عمل درامي كبير، لتقليد الدراما التركية والأجنبية كثيفة التكاليف، كما فعل الإيرانيون مع مسلسل يوسف الصديق، وترجموه باللغة العربية الفصحى. 
كما يري البعض أن استخدام العامية يقصد به الوصول إلى مستوى تفكير الشباب والمراهقين، فكان لا بد من استخدام لهجة قريبة لهم، وهي اللهجة العامية. أيًا كان السبب فإننا لا نشجع استخدام اللهجة العامية، خصوصًا في الأعمال المتميزة.  
ونرى أن اللغة العربية لغة رصينة تستوعب كل الأحداث التاريخية، كما أن المسلسل لم يخصص لفئة عمرية معينة، ولا لشعب معين، لأن الفكرة الأساسية تعتمد على توضيح خطورة الإرهاب، والمعروف أن الإرهاب لا وطن له، ولكن هناك عوامل دينية ومعيشية قد تتسبب في حدوث الإرهاب وظهوره، وتلك العوامل موجودة في وطننا العربي.
ونرى أن الممثلين يبذولون أقصى جهدهم لتقمص الشخصيات التاريخية، ولكن لا تكتمل الصورة إلا بانتهاء المسلسل، لنرى هل أفلح المخرج في إظهار الفكرة التي يريدها، أم أنه تاه في تفاصيل تلك الفكرة الجهنمية المعروفة بالحشاشين.