رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تقرير: تحديد سعر الصرف وفقا لآليات السوق «خطوة إيجابية» للعمل على خفض معدلات التضخم

سعر الصرف
سعر الصرف

اتخذت الحكومة المصرية خلال الفترة الماضية العديد من الإجراءات الاقتصادية والجهود للقضاء علي أزمة شح النقد الأجنبي، في ظل تراجع عائدات إيرادات قناة السويس، بسبب الأوضاع المتوترة في البحر الأحمر نتيجة الحرب الإسرائيلية على غزة، وهي الحرب التي أثرت أيضًا علي عائدات السياحة وسلاسل الإمداد، إلى جانب تراجع عائدات المصريين بالخارج والتي تسبب فيها الدولرة والمضاربات في السوق الموازية.

 ومن أبرز الإجراءات التي اتخذتها الدولة بجانب ترشيد الإنفاق الحكومي وتخفيض الواردات، والعمل على زيادة حجم الصادرات، هو العمل على المزيد من جذب الاستثمار الأجنبي للسوق المصرية، ومن أبرزها صفقة الاستثمار في رأس الحكمة،  وذلك لزيادة حجم الاحتياطي من النقد الأجنبي لدي البنك المركزي، وإتاحة تدابير العملة بالجهاز المصرفي الرسمي للدولة، هذا إلى جانب العائدات الايجابية المتعددة لهذه الصفقات علي الاقتصاد المصري. 

وانطلاقا من القيادة المصرية، التي تضع نصب أعينها وفي أولى أولوياتها تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين، ورفع قدرته الشرائية على تلبية احتياجاته اليومية، وفي ظل ارتفاع الأسعار وتأثر المواطنين بارتفاع معدلات التضخم، ومع توفير مصر لجزء من تدابير العملة تتخذ مصر قرارًا بتحديد سعر الصرف وفقا لآليات السوق، بناء علي مستجدات الأوضاع الاقتصادية؛ والتي تأتي انعكاسا للأزمات العالمية المستمرة التي أثرت على الأسواق الناشئة ومنها السوق المصري بداية من أزمة كورونا وتداعياتها ومنها تعطيل سلاسل الإمداد.

إلى جانب تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، علي الاقتصاد العالمي والضغوط التضخمية التي ضربت الأسواق العالمية وأدت لخروج الأموال الساخنة من الاسواق الناشئة، ومنها مصر، وكذلك ارتفاع الفائدة الأمريكية التي كانت سببًا في انخفاض عملات ٥٤ دولة إفريقية، وأدت لخروج نحو 30 مليار دولار.

وفي سياق متصل قال الدكتور وليد جاب الله عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء وخبير التشريعات الاقتصادية والمالية العامة، إن هذا القرار يأتي بعد أن تم تهيئة أدوات النجاح له حيث يمتلك البنك المركزي المصري أسهم كبيرة في السيولة الدولارية، مشيرًا إلى أن قرار المركزي يعد بمثابة ضربة قاضية للسوق السوداء لأن رفع الفائدة 600 نقطة أساس سيساعد في تقييد الأوضاع النقدية.

وأضاف  الدكتور وليد جاب في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أنه تم خلال الفترة الماضية مواجهة كبار السوق السوداء كما يأتي رفع أسعار الفائدة بمعدل 6% لتصل 27.25% لعائد الإيداع و28.25% للإقراض.

وأكد أن التسعير العادل للجنيه يعد من أهم القرارات الهامة التي تفتح الباب أمام إصدار شهادات ادخارية تتجاوز فائدة الـ30% وربما تتجاوز أكثر  في  بعض البنوك مما يشجع العديد من المواطنين على التنازل عن العملة الأجنبية واللجوء إلى تلك الشهادات الادخارية والتي ستكون أكثر ربحية. 

وكذلك ارتفاع الفائدة الأمريكية التي كانت سببًا في انخفاض عملات ٥٤ دولة إفريقية، وأدت لخروج نحو ٣٠ مليار دولار من الأموال الساخنة من مصر إثر رفع الفائدة الأمريكية، بما شكل ضغوط متضاعفة علي العملة الأجنبية في مصر، كما أدت إلى ظهور السوق الموازية والمضاربات علي الدولار بالمخالفة للقانون، ليصل سعر الدولار في هذا السوق الأسعار غير حقيقية نتيجة المضاربة عليه، والتي سعت الدولة المصرية والجهات الأمنية للعمل علي مواجهة هذه الظاهرة

وتلك الممارسات بكل قوة وحزم، حيث تم ضبط العديد من قضايا الاتجار في الدولار والعديد من المحتكرين والمضاربين في السوق السوداء، مما أدي بجانب عقد الدولة لعدد من الصفقات الاستثمارية إلى انخفاض كبير لسعر الدولار في هذا السوق الموازي، حتي قبل ضخ عائدات الاستثمار في السوق المصري مما يعكس السعر الوهمي للدولار في السوق الموازية، حيث أدت جهود الدولة سواء بالمواجهات الأمنية مع المخالفين للقانون، أو جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، لتراجع المضاربات علي الدولار في السوق السوداء، لما يتراوح ما بين ۲۵ ۳۰ جنيه، مما يؤكد السعر الوهمي نتيجة الدولرة والمضاربات علي الدولار، لذا سمح تقليل الفجوة بين السعر الرسمي للدولار في البنوك وبين السعر الوهمي بالسوق السوداء، هذا إلى جانب جهود الدولة لتوفير تدابير النقد الأجنبي من خلال الاستثمار، لإتاحة الفرصة للدولة المصرية لاتخاذ قرار تحديد سعر الصرف وفقا لآليات السوق، الآن ليكون معبرا عن القيمة الحقيقية للجنيه المصري.

وتجدر الإشارة هنا إلي أن تحديد سعر الصرف وفقا لآليات السوق، يأتي متوازيا مع منظومة الإصلاحات الهيكلية المالية والنقدية المتكاملة التي تتخذها الحكومة لتعافي الاقتصادي المصري، هذا إلى جانب الحوار الاقتصادي المهم الدائر بالحوار الوطني، بهدف تمكين الاقتصاد المصري من مواجهة التحديات الراهنة، وإطلاق قدراته لتحقيق معدلات نمو وتشغيل أفضل، لذا اتخذت الدولة المصرية هذا القرار بما يصب في صالح تعزيز ونمو الاقتصاد المصري ووفقا لبرنامج الإصلاح الوطني الذي يهدف لتحسين معيشة المواطن المصري، لذا جاء هذا القرار بإرادة مصرية وطنية وليس بناء علي إملاءات من صندوق النقد الدولي، والذي يقدم فقط نصائح اقتصادية يمكن لمصر الأخذ بها أو تجاهلها.

تحديد سعر الصرف وفقا لآليات السوق بناء علي طلب من صندوق النقد الدولي

رفضت القيادة السياسية منذ 9 أشهر تحديد سعر الصرف وفقا لآليات السوق، بناء علي طلب من صندوق النقد الدولي، وكان ذلك وفق قناعة تامة أن الاقتصاد المصري وقتها غير مؤهل لاتخاذ هذه الخطوة في ظل أزمة شح النقد الأجنبي، لذا تم تغيير وجهة نظر صندوق النقد الدولي بشرح أضرار تحريك سعر الصرف آنذاك، وتوضيح أن ترك الدولار للعرض والطلب دون توفيره بالبنك المركزي سيلحق ضررًا بشرائح كثيرة من المواطنين مما يخالف توجهات القيادة السياسية والدولة

المصرية التي تعلي مصلحة المواطن المصري ولا تألوا جهدًا لمحاولة رفع عبء الأزمة الاقتصادية من علي كاهله. وأتى الآن قرار تحريك سعر الصرف وفقا لآليات السوق  في التوقيت المناسب، في ظل توافر المدخلات الدولارية مؤخرا بنسبة آمنة، ومع تقارب سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في السوق السوداء مع سعر الصرف الرسمي ومع التراجع الملحوظ الذي بدئنا نشهده في أسعار المنتجات.

فضلا عن تنفيذ الدولة لأكبر حزمة اجتماعية عاجلة للحماية الاجتماعية، بقيمة ۱۸۰ مليار جنيه، اعتبارًا من الأول من شهر مارس الجاري، والتي تعد حزمة اجتماعية عاجلة غير مسبوقة وهي الأكبر من نوعها لدعم المواطن المصري لمواجهة موجات الغلاء المتزايدة، مما يعكس إدراك الدولة بحجم الضغوط الاقتصادية علي المواطنين، وهو الأمر الذي يدفع القيادة السياسية باستمرار إلى إصدار قرارات تسهم في تخفيف العبء عن كاهل المصريين حيث تضع القيادة السياسية أوضاع المواطن المصري في أولي أولوياتها، وتقدر ما يتحمله المواطنون من أعباء نتيجة الإصلاحات الاقتصادية، وتقدر تحمل المواطنين المسئولية الحفاظ علي بلدهم والتفافهم خلف القيادة السياسية للعبور بالوطن بأي تحديات ليسير وطننا في طريق النمو والازدهار.

لذا وجّه الرئيس السيسي الحكومة ببذل أقصى الجهد لتخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين بشكل عاجل، واحتواء أكبر قدر من تداعيات الأزمات والاضطرابات الاقتصادية الخارجية وتأثيراتها الداخلية، وبذل قصار الجهد لتوفير

وأتاحه كافة السلع والمنتجات بأسعار مخفضة تلبي احتياجات المواطنين، وفي السياق نفسه لا يتوقع أن يكون لتحريك سعر الصرف وفقا لآليات السوق آثار سلبية على الأحوال المعيشية للمواطن المصري، حيث يعمل تحديد سعر الصرف وفقا لآليات السوق، في كشف العرض والطلب الحقيقيان علي الدولار، بعكس الصورة الوهمية التي يحاول تجار العملة والمضاربين على الدولار تصديرها في السوق المصري ليتمكنوا من رفع سعر صرف الدولار الذي وصل الأسعار غير واقعية، بسبب المضاربات عليه، وليس بسبب الطلب الحقيقي على الدولار، مما أدي لموجات من ارتفاع أسعار السلع بشكل كبير وغير واقعي لتسعير المنتجين والتجار للمنتجات والسلع والخدمات على أساس السعر الوهمي للدولار بالسوق الموازية، لذا سيؤدي تحديد سعر الصرف وفقا لآليات السوق، لخفض معدلات التضخم في المستوي المتوسط وطويل الأجل وستبدأ الأسعار في العودة لمعدلاتها الطبيعية بعد استقرار السوق، بما يصب في مصلحة المواطن المصري وخاصة محدود الدخل الذي تضعه الدولة المصرية في أولي أولياتها. كما يعمل تحديد سعر الصرف وفقا لآليات السوق علي وجود سعر عادل وحقيقي للجنيه المصري بالجهاز المصرفي الرسمي مما سيؤدي للقضاء علي السوق الموازية كما حدث عام ۲۰۱٦، وهو ما سيؤدي لخفض أسعار السلع التي تسعر بسعر غير حقيقي وفق للدولار بالسوق السوداء، وهو مما يصب في صالح المواطنين بتحسين قدرتهم الشرائية، هذا إلى جانب أن القضاء علي ظاهرة الدولرة والمضاربة علي الدولار في السوق الموازية التي يوجد بها نسبة كبيرة من الدولار يتم تداولها بها، سيعمل علي دخول هذه الكمية الضخمة من الدولار إلى الجهاز المصرفي الرسمي،  وفي السياق نفسه سيؤدي القضاء علي السوق الموازية وتحديد سعر الصرف وفقا لآليات السوق إلي ثبات سعر الصرف ووضوحه للمستثمرين مما سيعمل علي المزيد من جذب الاستثمار المحلي والأجنبي للسوق المصري، خاصة مع صعوبة عمل الاستثمار في السوق المصرية في ظل وجود سعرين للدولار في السوق، ووصول الفجوة بين السعر الرسمي للدولار وسعره في السوق السوداء لنسبة كبيرة وغير واقعية خلال الفترة الماضية، لذا سيعمل تحديد سعر الصرف وفقا لآليات السوق علي جذب المزيد من الاستثمار المحلي والأجنبي للسوق المصري مما سيعمل علي إنعاش الاقتصاد المصري وخاصة أن السوق المصري يتمتع بفرص هائلة للاستثمار في قطاعات مختلفة مربحة، ومنها القطاع الصناعي والإسكان والتجارة والسياحة وغيرها.

سعر الصرف كخطوة إيجابية للعمل علي خفض معدلات التضخم

ومن جانب آخر جاء تحديد سعر الصرف وفقا لآليات السوق كخطوة إيجابية للعمل علي خفض معدلات التضخم وتلبية لمطالب العديد من الخبراء الاقتصاديين لحل الأزمة الاقتصادية الراهنة، حيث سيعمل تحديد سعر الصرف وفقا لآليات السوق علي خفض معدلات التضخم علي المدي المتوسط وطويل الاجل نتيجة استقرار سعر الصرف، مما سيؤدي لخفض الأسعار في الأسواق، كما سيعمل علي خفض أسعار الفائدة علي الاقتراض الشركات القطاع الخاص مما سيؤدي لانعاش القطاع الصناعي والتجاري والمساعدة في إقامة المشاريع الربحية ذات العائد الإيجابي علي الاقتصاد المصري.

هذا إلى جانب تحقيقه للتوازن المطلوب بين الاجراءات الترشيدية للدولة والاحتواء الكامل لآثارها علي المواطن المصري وخاصة محدود الدخل والطبقة المتوسطة، من خلال زيادة الحصيلة الدولارية للدولة، وما سيتبعه من تأثيرات علي خفض الاسعار في الاسواق بما يرفع العبء من علي كاهل المواطن المصري. وفي السياق نفسه سيؤدي تحديد سعر الصرف وفقا لآليات السوق إلى تمكين البنك المركزي من الالتزام بتوفير الدولار لسد الفجوات الاستيرادية في السلع الاساسية والاستراتيجية ومدخلات الصناعة، مما سيعمل علي المزيد من اتاحة هذه السلع وبأسعار مخفضة تتوافق مع السعر العادل للجنيه المصري مقابل الدولار، كما سينعكس بشكل ايجابي علي أنعاش البورصة المصرية، التي شهدت خروج جزء كبير من السيولة خلال الفترة الماضية بسبب المضاربات علي الدولار، هذا إلي جانب أثره الايجابي علي استقرار ميزان المدفوعات.

 توقيت مناسب يتلاءم مع مستجدات الوضع الاقتصادي

وختامًا يأتي توجه الدولة لضبط سعر الصرف في توقيت مناسب يتلاءم مع مستجدات الوضع الاقتصادي الحالي لتلافي أي آثار سلبية علي المواطن المصري قد تزيد من الأعباء علي كاهله، حيث تضع القيادة السياسية وكافة مؤسسات الدولة المصرية مصلحة المواطن المصري أولوية قصوي لديها، وتعمل جاهدة علي حل التحديات الاقتصادية الراهنة وتحمل جزءا كبيرًا من عبء هذه الأزمة للتخفيف من علي كاهل المواطن المصري، ويتضح شعور الرئيس السيسي بالمواطنين، ومتابعته المستمرة والدقيقة لأحوال المواطنين، واهتمامه الحثيث بمختلف فئات المجتمع، وحجم الضغوط الاقتصادية علي المواطنين في توجيهات الرئيس السيسي للحكومة لتنفيذ أكبر حزمة اجتماعية غير مسبوقة وعاجلة للحماية الاجتماعية، بقيمة ۱۸۰ مليار جنيه، اعتبارًا من الأول من شهر مارس الجاري، وهي الأكبر من نوعها لدعم المواطن المصري لمواجهة موجات الغلاء المتزايدة، وتخفيف الأعباء المعيشية على المواطنين.