رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"2 كفاية".. أسر مصرية غيرت قناعاتها وتقود معركة تنظيم النسل

2 كفاية
2 كفاية

تشهد مصر حاليًا تطورًا ديموغرافيًا مهمًا، إذ سجل معدل المواليد انخفاضًا ملحوظًا بنسبة 8% في الفترة الأخيرة، في خطوة تقرب البلاد أكثر نحو تحقيق هدفها بالوصول إلى معدل الإحلال، والذي يعني أن يكون لكل سيدة طفلان فقط.

ويُعد هذا الانخفاض بمثابة أنباء سارة للحكومة، إذ سيساعد على تخفيف العبء على الخدمات والبنى التحتية، وسيمكّن من تحسين خصائص السكان من حيث الصحة والتعليم ومستوى المعيشة.

بحسب أحدث إحصائيات صندوق الأمم المتحدة للسكان، في 2022م، تحتل مصر المرتبة الأولى على مستوى الدول العربية من حيث عدد السكان، والثالثة أفريقيًا، والرابعة عشرة عالميًا.

وبحسب الدكتور طارق توفيق، نائب وزير الصحة لشئون السكان، فإن دلالات الأرقام الحالية جيدة، فالزيادة السكانية حمل على الدولة، ويجب الاستثمار في العناصر البشرية وتحسين خصائص السكان. 

د. طارق توفيق

"الدستور" في السطور التالية تحدثت مع عدد من الأسر التي قررت أن تحذو حذو الحكومة في الاكتفاء بطفلين على الأكثر، لضمان حصول أطفالهم على حياة كريمة تتناسب مع الظروف المعيشية الحالية، كما أوردنا آراء المتخصصين حول فكرة تنظيم النسل ووعي المواطنين بأهمية هذه الخطوة للنهضة بالبلاد.

سارة: طفلين بحياة كريمة خيرٌ من أطفال بلا مستقبل

"سارة"، وهي مهندسة ثلاثينية، اتخذت قرارًا شخصيًا وجريئًا بالاكتفاء بولادة طفلين فقط، على خلاف العادات السائدة في المجتمع المصري التي تشجع المرأة على الإنجاب المتكرر.

وتروي "سارة" لـ"الدستور"، أن قرارها جاء انطلاقًا من رغبتها في توفير حياة كريمة ومستقرة لأطفالها، حيث إن الحمل والولادة المتكررين يشكلان عبئًا صحيًا ونفسيًا كبيرًا على المرأة، خاصة في ظل العصر الحالي واضطرار بعض السيدات للعمل، للمساهمة في الأعباء الاقتصادية التي تواجه الأسر المصرية.

وأضافت: "لطالما حلمت بأسرة صغيرة مكونة من طفلين فقط، أستطيع تربيتهما تربية صالحة وأوفر لهما كل متطلبات الرعاية والتعليم، وأعتقد أن هذا أفضل من إنجاب عدد كبير من الأطفال قد لا أستطيع تلبية احتياجاتهم".

ورغم تفهم بعض الأهل والأصدقاء لقرار "سارة" إلا أنها واجهت انتقادات من البعض الآخر، الذين اعتبروا قرارها منافيًا للتقاليد، لكنها مصممة على المضي قدمًا في تنفيذ قرارها مهما كانت الظروف، مشددة على حق المرأة في اتخاذ ما يناسبها.

أرشيفية

أحمد ونورا: للأسرة الحق في اتخاذ ما يناسبها من قرارات

أيضًا الزوجان أحمد ونورا، يعملان موظفان في إحدى شركات الأدوية، في الأربعينيات من العمر، اتخذا قرارًا مشتركًا بالاكتفاء بإنجاب طفلين فقط، الأولى في عمر 5 سنوات، والثاني في عمر 3 سنوات، رغم تشجيع من حولهما على عدم اعتماد هذا القرار، مستعينين بمقولة "كل عيل بيجي برزقه".

ويقول الزوجان إن قرارهما جاء انطلاقًا من رغبتهما في تربية الأبناء تربية سليمة وتوفير حياة كريمة لهم، دون الإرهاق النفسي والمادي الذي قد ينتج عن إنجاب عدد كبير من الأطفال.

وتضيف نورا: “توصلنا إلى هذا القرار بعد تفكير طويل ومناقشات مستفيضة، فنحن نؤمن بأهمية جودة التربية والمعيشة على العدد في تنشئة أبنائنا، والأحوال المعيشية لتوفير تلك الحياة أصبحت صعبة على عدد كبير من الأطفال”.

أما أحمد فيقول: "اتفقنا على أننا سنوفر كل سبل الراحة والتعليم الجيد لطفلينا، ولن نثقل كاهلنا بمسؤوليات قد لا نستطيع الوفاء بها لو أنجبنا المزيد".

ورغم تعرّض الزوجين لبعض النقد من المحيطين بهما، إلا أنهما صمما على تنفيذ قرارهما، مؤكدين أن للأسرة الحق الكامل في اتخاذ ما يناسبها من قرارات خاصة بحجمها وظروفها.

أرشيفية

أستاذ علم اجتماع: انخفاض المواليد نتيجة زيادة الوعي

وفي ذلك، قال الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، إن تراجع معدلات الزيادة السكانية في مصر يرجع لعدة عوامل، أبرزها انتقال المجتمع المصري إلى المرحلة الثالثة من نظرية التحول الديموغرافي، والتي تتسم بانخفاض معدلات الوفيات والمواليد معًا.

وأرجع "صادق"، في تصريحاته، ذلك إلى وعي المواطنين، وتداعيات الأزمة الاقتصادية، وما تبعها من ارتفاع أسعار المعيشة والسلع الأساسية، ما دفع الأسر المصرية إلى إعادة النظر في قرارات الإنجاب، كما ساهمت الحملات الإعلامية في توعية المواطنين بمخاطر الزيادة السكانية العشوائية.

د. سعيد صادق

رشا: إذا جئت بطفل ثالث لن يتلقَ الرعاية كإخوته

أما "رشا"، وهي ربة منزل خمسينية، حدثتنا عن ذكرياتها مع اتخاذ قرار الاكتفاء بطفلين فقط، فهما الآن بلغا من العمر 29 عامًا و24 عامًا (فتاة وفتى)، فقد كان القرار في البداية من زوجها، لاقتناعه أن هذا العدد الأمثل لتوفير حياة كريمة لهما، والاعتناء بكل متطلباتهما، ورغم أن لديها 6 أخوات، وقرار إنجاب أكثر من طفلين كان يراودها لكنها اقتنعت برأي الزوج في ظل الأحوال الاقتصادية التي مرّا بها خلال رحلة زواجهما، وهو عكس ما كانت عليه الأوضاع في السابق، فقد كانت الحياة أكثر بركة ورفاهية، وإنجاب عدد كبير من الأطفال كان متناسبًا مع الظروف المعيشية في السابق.

وترى أنها من الأمهات اللاتي تحرص على مشاركة كل تفصيلة بسيطة مع أبنائها، لذا فإنها وزعت مجهودها بالتساوي بينهما، وأن قرار الطفل الثالث سيكون ظلمًا له، فإذا جاء لن يتلقَ الرعاية الكافية، ولن تتمكن وزوجها من الوصول إلى المستوى المعيشي الذي عاشا فيه حتى الآن مع أبنائهما، فتوفير حياة كريمة بمتطلبات العصر الحالي أصبحت من الصعب تحقيقها في وجود أكثر من طفلين، و"اعقلها وتوكل"، هو المبدأ الذي اعتمدا عليه في اتخاذ قرار طفلين فقط.

أرشيفية

نادية: لم نجد أي تشجيع على الاكتفاء بطفل واحد

القصة الأخيرة كانت لـ"نادية"، وهي صحفية ثلاثينية، قالت إن قرار الاكتفاء بطفلة واحدة لم يكن وليد اللحظة، إنما كانت تخطط لإنجاب 3 أطفال، لكن مع طبيعة عملها التي تتأثر في الأغلب بالزواج والإنجاب، أيضًا مع خططها لتعليم ابنتها في مستوى معين يحتاج إلى ماديات مرتفعة، وعلى الجانب الآخر فإن دخلها وزوجها غير متوافق مع تلك الخطط في ظل وجود أكثر من طفل، ومن هنا جاء قرار الاكتفاء بطفلة واحد لتوفير حياة كريمة لها بكل ما تحتاجه من متطلبات الحياة.

وتروي أنها حاولت أكثر من مرة التفكير في إنجاب طفل آخر على الأقل، لكن مع التأجيلات رغبة في تحسين الأحوال المادية والمعيشية بالشكل الذي يجعل الطفل الجديد غير مظلوم ويتلقى نفس الاهتمام الذي تمتعت به أخته، لكن في النهاية اكتشفت أن الفارق العمري بين الطفل الجديد وابنتها، ذات الإحدى عشرة عامًا، سيتخطى 10 سنوات، وسيكون من الصعب عليهما التأقلم سويًا، بالتالي كان القرار النهائي الاكتفاء بطفل واحد فقط.

وتتذكر أنها لم تجد أي تشجيع من الأهل والأصدقاء، باعتبار أنها تظلم ابنتها كونها وحيدة، لكنها حاولت تعويض ذلك بكثرة الأصدقاء والتقرب من الأهل، موضحة أنها متفهمة سبب عدم التشجيع، لكن في النهاية كل أسرة هي الوحيدة القادرة على التخطيط لحياتها سواء عدد الأبناء أو طريقة معيشتهم، خاصة في ظل الأحوال الاقتصادية التي نعيشها.

أرشيفية

أستاذ علم اجتماع سياسي: المواطن أدرك مسئولية الإنجاب

وهنا تحدثت الدكتورة هدى زكريا، أستاذة علم الاجتماع السياسي بجامعة الزقازيق، أن 60% من الشعب المصري تحت سن الأربعين عامًا، مما يزيد الحاجة إلى الخدمات والرعاية الصحية والتعليم.

وأشارت "زكريا"، في تصريحاتها، إلى أن المواطن بدأ يدرك المسؤوليات الكبيرة المترتبة على تكوين الأسرة وإنجاب الأطفال، مما جعل الإنجاب أمرًا ليس بالسهل، إلى جانب زيادة وعي المواطنين بآثار الزيادة السكانية من فقر وهجرة وعشوائيات، ما يساهم في التوافق مع سياسات الدولة للحد من هذه المشكلة.

د. هدى زكريا

أمين الفتوى: تنظيم النسل جائز

وفي رأي الشرع، قال الدكتور عمرو الوردانى أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن تنظيم النسل قديم من قدم التشريع ولا مانع فيه، مؤكدًا أن الزيادة السكانية قد تتسبب فى مجاعات وتغييب العقل وتهديد الدين.

وأوضح "الورداني"، في تصريحات متلفزة، أن دار الإفتاء أصدرت فتوى بجواز تنظيم النسل،  لأنه أصبح من الضرورات.

د. عمرو الورداني

حملات الدولة لتحديد النسل

وبالفعل، بدأت الدولة في حملات التوعية بأهمية تحديد النسل للنهضة بالبلاد، وتمثل ذلك في إطلاق وزارة التضامن الاجتماعي مشروع "2 كفاية" منذ عام 2018م، بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان وبتمويل جزئي من صندوق الأمم المتحدة للسكان.

وهدف المشروع ترسيخ مفهوم الأسرة الصغيرة بواقع طفلين لكل أسرة، وتعزيز المفاهيم المجتمعية الإيجابية للحد من ممارسات كثرة الإنجاب، إلى جانب توفير المعلومات الصحيحة حول تنظيم الأسرة، وذلك باستهداف نحو مليون سيدة في 10 محافظات تعاني من ارتفاع معدلات الخصوبة والفقر مثل سوهاج وأسيوط والأقصر، بالتنسيق مع 108 جمعية أهلية في 2257 قرية ونجع.

حملة 2 كفاية

وفي الإنفوجراف التالي، نوضح انخفاض عدد المواليد خلال الفترة من 2019م إلى 2023م: