رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حمار الديمقراطيين

سلالة الحمير المصرية هى الأفضل على مستوى العالم، وهذا ليس كلامى ولكنه كلام المتخصصين، لأنها تتمتع بقوة ومناعة عالية ضد الأمراض.

وقد راجت فى السنوات الأخيرة تجارة جلود الحمير، التى تستورد الصين معظمها، لأنها تحتوى على مادة «إيجياو» التى تعالج العديد من الأمراض، ابتداء من نزلات البرد حتى السرطان ومقاومة الشيخوخة، وتتخلص الصين من خمسة ملايين حمار سنويًا لاستخراج هذه المادة. ووصل سعر جلد الحمار المصرى إلى أرقام فلكية. تاجر مصرى فى الصين، يُدعى إبراهيم نجم، قال لإحدى الصحف، مؤخرًا، إن مصر تصدر جلود نحو ٨ آلاف حمار سنويًا، بينما توجد سوق تهريب أيضًا، خاصة مع قيمة الحمار المصرى الذى يصل سعره إلى ألف دولار تقريبًا، ما يجعله تجارة رائجة بالنسبة للمصريين خلال السنوات الماضية. تذكرت وأنا أتابع معاناة مليون و٨٠٠ ألف حمار مصرى، رسالة علمية فى جامعة القاهرة قبل ربع قرن، حصل بها صديقنا إلهامى فرج على الدكتوراه، التى كانت قدم السعد عليه، وطلبته بسببها جامعة كندية، ويعيش من ساعتها هناك، أذكر أنها كانت دكتوراه فلسفة، واسمها العلمى المضحك بالنسبة لمعظم أصدقاء الباحث من المثقفين كان «فلسفة دراسات مورفوبيولوجية حول ديدان استرونجيلويدس وستيرى التى تصيب العائلة الخيلية»، تم استدعاء صورة رشدى أباظة الكاريكاتيرية بمحقنه الشهير فى فيلم «آه من حواء» (المأخوذ بعبقرية عن رواية ترويض النمرة لشكسبير)، ونحن نتابع المناقشة العلمية التى لم نفهم منها شيئًا، ولكن الجدية والوقار أثناء المناقشة كانا يدعوان للاحترام، بسبب انحطاط مستوى الحيوان فى مجتمع لا يحترم الإنسان إلا إذا كان صاحب سلطة.

وأزعم أن الموقف الساخر من الحيوان هو جزء من الشخصية المصرية، رغم أنه جزء أساسى من السلسلة الغذائية ولا يمكن الاستغناء عنه، وله فضل على الإنسان فى أشياء كثيرة، ومع ذلك لا نذكره إلا مسبوقًا بكلمة «لا مؤاخذة».

كان عدد الحمير سنة ١٩٩٦ طبقًا لإحصائية هيئة الخدمات البيطرية مليونًا ونصف المليون، والحمار عنصر أساسى فى القرى وبعض المدن، من خلال طاقة العمل الضخمة التى يقدمها فى أعمال الحمل والجر، ولو أردنا استبداله بقوى ميكانيكية جديدة، كما طالب الأمريكان، لدفعنا أموالًا طائلة فى الاستيراد ولتمهيد الطرق للماكينات الأمريكية.

الدراسة كانت متخصصة ومن الصعب استيعابها، إلا أنها أتاحت لنا فرصة المقارنة بين كائنين بيولوجيين متلازمين، وهما الحمار والإنسان‏..‏ قد تبدو المقارنة غريبة؛ حيث إن الإنسان سيد الكائنات، لكننا نزعم أن المشتركات بينهما كبيرة والاختلافات أيضًا كبيرة‏..‏ لكن المحصلة النهائية ستكون لصالح الحمار‏..‏ فلنبدأ بالعوامل المشتركة، حيث إن غالبية المواطنين تعمل أعمالًا غير إنسانية، سنكتشف أن كليهما يعانى المعاناة نفسها ويعمل الأعمال نفسها حتى فى أكثر البلاد تحضرًا، وكلاهما يعانى تسلط من هو أعلى منه، وكلاهما يعيش داخل دائرة لا يستطيع الفكاك منها، ومع ذلك فإن رد فعل كلا الكائنين «الحمار والإنسان» مختلف تمامًا، فرد فعل الحمار أكثر نبلًا، فهو يقوم بعمله على أكمل وجه، ومع ذلك فإن التعبير الوحيد عن المعاناة هو ملامح الاكتئاب البادية على وجهه، ولم تتحول هذه المعاناة إلى مواقف عدوانية تجاه الآخرين، أما على الجانب الآخر فإن هذه المعاناة تحولت إلى مواقف عدوانية وعنصرية وأصبحت تأخذ صيغًا سياسية، مثل الفاشية والنازية والتطهير العرقى، وكلها صيغ اجتمعت فى كيان واحد مؤخرًا يُدعى إسرائيل، وهذه المسميات السياسية تعبر فى النهاية عن رفض الآخر والرغبة فى انتزاع ما لديه حتى روحه، وقد تكون المفارقات السابقة هى أمثلة بسيطة من مقارنات طويلة ستكون لصالح الحمار وليس لصالح الإنسان فى هذه اللحظة من تاريخ البشرية.

والحمار هو رمز صمود الديمقراطيين فى أمريكا الذين يدعون الاحتلال الإسرائيلى لقتل الأبرياء، والقصة بدأت عندما ترشح الديمقراطى أندرو جاكسون لخوض الانتخابات الرئاسية عام ١٨٢٨، كان يحاول الاقتراب من العامة ويتبنى همومهم حاملًا شعار «لنترك الشعب يحكم»، لكن هذا الشعار أثار سخرية منافسه الجمهورى الذى كان محسوبًا على النخبة واتهمه باستخدام أساليب رخيصة فى الدعاية إلى نفسه، كان رد جاكسون باختيار حمار وألصق على ظهره دعاية خاصة بحملته الانتخابية، وتجول به فى شوارع القرى والمناطق المجاورة مستخدمًا هجوم منافسه الجمهورى وسيلة لتحقيق حشد شعبى أكبر وكسب دعم الناس، ومنذ ذلك الحين بدأ الحزب الديمقراطى يستخدم هذا الشعار واعتمده شعارًا رسميًا له منذ عام ١٨٧٠، وأصبح الحمار رمزًا لصمود الديمقراطيين، لكن مسيرته فى مصر كانت على النقيض، فهو إلى جوار دوره كوسيلة نقل و«حمّال أسية» أصبح مستهدفًا من الصينيين ومن عديمى الضمير الذين يبيعون لحمه، أو يرمونه فى الشارع بعد انتزاع جلده.