رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيرة سليم حسن المصرية القديمة

اختيار سليم حسن شخصية معرض الكتاب لهذا العام كان موفقًا للغاية، لأننا من خلال تذكره نرد الاعتبار للعلم والعلماء الذين بذلوا أعمارهم من أجل بلدهم، وأيضًا الاحتفاء بالحضارة المصرية القديمة التى تم تجاهلها عن قصد لإرضاء أصحاب الثقافة الصحراوية الذين غطوا تاريخ مصر برمالهم وثقافتهم، كان الشاعر محمد جاد الرب صديقنا الكبير فى بركة السبع أول من دلنا ونحن فى مطلع العمر على سليم حسن، فى البداية كان يهدى كل من يلتقيه نسخة من كتاب فجر الضمير لجيمس هنرى بريستد ترجمة سليم حسن، وفى اللقاء الثانى يتناقش معك، وهو كتاب عظيم يجعلك تفخر بانتمائك لهذا التاريخ المحاصر، ومن هنا بدأنا الاهتمام بالرجل الذى لعب دورًا كبيرًا فى التعريف بالحضارة المصرية التى كانت دراستها حكرًا على الأجانب، وخصوصًا بعد حملة نابليون وظهور كتاب وصف مصر وأيضًا اكتشاف حجر رشيد، بمجرد أن نجح العالم الفرنسى «شامبليون» فى الكشف عن أصول الكتابة واللغة المصرية القديمة حتى أسرع العلماء فى قراءة الوثائق المصرية القديمة، وبدأ الغموض الذى كان يحيط بحياة المصريين القدماء يتلاشى ويتجلى تاريخهم وحضارتهم. وكان لاكتشاف أصول اللغة أثره فى اهتمام الجامعات والمؤسسات العلمية بمصر وآثارها، وبدأت مرحلة الكشف عن الآثار وفتح المقابر، وجمع أوراق البردى، على يد مجموعة من العلماء الذين شغفوا بالبحث والتنقيب، والتسجيل وترجمة الكتابات المصرية القديمة. وكان من بين علماء الجيل الأول العالم الألمانى «هنرى بروكش» «١٨٢٧- ١٨٩٤»، وهو يعد من رواد اللغة الهيروغليفية، والخبير فى تاريخ مصر وجغرافيتها القديمة، وأنشأ مدرسة للدراسات الأثرية بالقاهرة سنة ١٨٦٩، وكان من بين طلبتها أحمد كمال باشا، أول مؤرخ عربى يكتب فى تاريخ مصر وحضارتها القديمة كتابة علمية سليمة، وله الفضل فى إقناع أحمد حشمت باشا وزير المعارف، بإنشاء فرقة لدراسة علم الآثار المصرية بمدرسة المعلمين الخديوية، فأنشئت أول فرقة، التحق بها عدد من الطلاب صاروا بعد ذلك من كبار علماء التاريخ والآثار، نذكر منهم: أحمد عبدالوهاب باشا، وسليم حسن، ومحمود حمزة، ومحمد شفيق غربال. ولد سليم حسن بقرية ميت ناجى التابعة لمركز ميت غمر محافظة الدقهلية سنة ١٨٨٦، وقد توفى والده وهو صغير وأصرت أمه على أن يكمل تعليمه، بعد أن أنهى سليم حسن مرحلة التعليم الابتدائية والثانوية وحصل على شهادة البكالوريا عام ١٩٠٩ التحق بمدرسة المعلمين العليا، وكان أحد تلامذة أحمد كمال باشا. ثم اختير لإكمال دراسته بقسم الآثار الملحق بهذه المدرسة لتفوقه فى التاريخ وتخرج فيها فى عام ١٩١٣. حاول سليم حسن الالتحاق بالمتحف المصرى ليكون أمينًا مساعدًا بالمتحف ولكن مساعيه باءت بالفشل، حيث كانت وظائف المتحف المصرى من نصيب الأجانب فقط، فعمل مدرسًا للتاريخ بالمدارس الأميرية فى طنطا وأسيوط، فى عام ١٩٢١ عُين فى المتحف المصرى بعد ضغط من الحكومة المصرية ممثلة فى أحمد شفيق باشا وزير الأشغال، وفى المتحف المصرى تتلمذ سليم حسن على يد العالم الروسى جولنشيف، كانت ثورة ١٩١٩ أججت الشعور الوطنى، وأصبح الوزراء المصريون بعدها أكثر استقلالًا، وأوسع نفوذًا، فلاحت الفرصة لسليم حسن التى طال انتطاره لها، إذ انتهز «أحمد شفيق باشا» وزير الأشغال فرصة تعيين أمينين فرنسيين بالمتحف المصرى، وأصر على تعيين أمينين مصريين مساعدين لهما، فالتحق سليم حسن بالمتحف أمينًا مساعدًا سنة ١٩٢١، سافر إلى باريس بعد ذلك وحصل على دبلوم فى اللغة الشرقية، وثانٍ فى تاريخ الديانات، وثالث فى اللغات الشرقية، ثم عاد إلى مصر فى سنة ١٩٢٧، وعُين مرة أخرى فى المتحف المصرى، وأقنعه المسئولون بأن مكانه هو المكتبة وأن عمله الأساسى هو ترجمة دليل المتحف، وكان ذلك يعنى تجميدًا لنشاطه، لكن هذا لم يدم طويلًا، فاستدعته كلية الآداب بالجامعة المصرية للتدريس بها، وترقى فى المناصب العلمية إلى أن بلغ درجة الأستاذية مع الإشراف على حفائر الجامعة بمنطقة أهرامات الجيزة، عين وكيلًا لمصلحة الآثار المصرية كأول مصرى يشغل هذا المنصب، واسترجع مجموعة من القطع الأثرية كانت فى حوزة الملك فؤاد، ولم تطل إقامة سليم حسن فى منصبه، وتعرض لمضايقات كثيرة نجحت فى إجباره على ترك العمل بمصلحة الآثار سنة ١٩٤٠. جهود سليم حسن فى عمليات الحفر والتنقيب استمرت عشر سنوات وبلغت ١٧١ عملًا، وبعد أن ترك العمل الحكومى تفرغ للدراسة والتأليف، وأهم مؤلفاته بالطبع هو كتابه «مصر القديمة» الذى أخرجه فى ستة عشر جزءًا، تناول من خلاله تاريخ مصر وحضارتها من عصر ما قبل التاريخ، ومرورًا بالدولة القديمة والوسطى والرعامسة والعهد الفارسى، وانتهاءً بأواخر العصر البطلمى، وله إلى جانب ذلك «الأدب المصرى القديم» الذى نشره سنة ١٩٤٥ فى مجلدين، تناول فيهما الأدب فى مصر القديمة، وكتب فصلًا كبيرًا عن الحياة الدينية وأثرها على المجتمع فى المجلد الأول من تاريخ الحضارة المصرية الذى أخرجته وزارة الثقافة والإرشاد القومى. وأسهم فى ميدان الترجمة فنقل إلى العربية كتاب «ديانة قدماء المصرين» للعالم الألمانى «شتيدورف»، وكتاب «فجر الضمير»، الذى بدأنا الحديث به، وهذا بخلاف عشرات الكتب والترجمات التى بذل عمره فى إنجازها حتى رحيله سنة ١٩٦١.