رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى مديح الشاى


هو المشروب القومى لكل المواطنين فى مصر، ولا يخلو مقهى أو كوفى شوب من هذا المشروب اللذيذ. الذى يشربه كل الناس، وهو المشروب الوحيد الذى لم يحرمه الأطباء على المرضى. وإن كان بعضهم يحرّمونه على المرضى بداء المعدة. وإذا شُرب بكميات كثيرة على معدة خالية وكان ثقيلًا يسبب ضررًا للمعدة. 
الشاى منبه مفيد منعش. وأشهر الأمم عناية بشرب الشاى، والاهتمام بأدواته، هم مواطنو إيران وتركيا وأهل الحجاز، ويفضلون الشاى الأخضر مع النعناع، ويسمونه السعوديون الشاهى. ويكثرون من شربه على الدوام.
أول من عرف الشاى هم سكان الصين القدماء، واسم الشاى لفظ صينى أطلقوه على شجرة أو شجيرة وعلى أوراقها وعلى المشروب الذى يُصنع من الأوراق، ونباته دائم الخضرة. ينسب إلى نبتة الكاميليا الصينية، ثم انتقل من الصين إلى الهند، ومنها إلى البلاد الأوروبية، وأكثر بلاد الغرب شربًا للشاى هم البريطانيون، وكان لا يشربه إلا الخاصة، وكان ملك بريطانيا جورج الخامس يصنع الشاى بنفسه، ولا يجعل الخدم يصنعونه. 
يذكر أن متوسط استهلاك الفرد سنويًا من الشاى فى مصر يبلغ 0.9 كيلوجرام وفقًا لإحصائيات دولية؛ حيث تحتل مصر المرتبة الثالثة بين الدول العربية استهلاكًا للقهوة بكمية 273 مليار لتر من الشاى والقهوة خلال 2021 بقيمة تجاوزت 5 مليارات جنيه، وتتزايد المخاوف لدى أصحاب مزاج الشاى والقهوة من نقص فى السلعتين مع الارتباك فى حركة الاستيراد.
لا يُزرع الشاى فى مصر إنما يتم جلبه من الخارج، من كينيا وسيريلانكا وكذلك من الهند والصين وإندونيسيا. فى عام 2021 احتلت مصر المركز السابع عالميًا والأول عربيًا ضمن قائمة الدول الأعلى استيرادًا للشاى بحصة تمثل 3.4% من الإجمالى العالمى. وحسب تقديرات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فإن قيمة فاتورة استيراد الشاى، سجلت نحو 231 مليون دولار فى الأشهر التسعة من يناير حتى سبتمبر 2021.
استخدمه الرئيس جمال عبدالناصر كسلاح، عندما وقف يرد على تهديدات أمريكية بقطع المعونة عن مصر عام 1962بسبب عدم رضاها عن السياسات المصرية آنذاك، وقال فى خطابه: «اللى سلوكنا مش عاقبه يشرب من البحر، واللى ميكفهوش البحر الأبيض، نديله البحر الأحمر يشربه كمان إذا كنا النهاردة بنشرب شاى 7 أيام، نشرب 5 أيام، لغاية ما نبنى بلدنا».
تنمو شجيرات الشاى على مدرجات فى الأراضى المنحدرة فى المناطق الإستوائية وشبه الإستوائية. ومن أجل الحصول على أنواع بعينها من الشاى الأخضر من الشجيرات، مثل شاى الماتشا، يتوخى المزارعون الحرص عند تظليل الشجيرات بشباك وحُصُر.
فإذا تعرضت الشجيرات لضوء الشمس أقل مما هو مطلوب ستنتج نسبًا أعلى من الكلوروفيل ونسبًا أقل من بوليفينول، وهى فئة من الجزيئات المسئولة عن إكساب الشاى هذه المرارة التى يتميز بها عن سائر المشروبات.
لا شك أن البعض يستسيغ هذا المذاق المُرّ، الذى قد تزيد طريقة معالجة الشاى من حدّته. وبعد قطف الأوراق الحديثة الصغيرة والبراعم من الشجيرة، تُفرد لتجف.
ويتوقف طول الفترة التى تُترك فيها الأوراق والبراعم لتجف على نوع الشاى المطلوب. فمن أجل الحصول على الشاى الأخضر، توضع الأوراق على الفور تقريبًا فى قِدر ساخن أو تُعالج بالبخار، وعلى الرغم من أن الشاى سيبدو فى هذه المرحلة وكأنه غير معالج على الإطلاق، إلا أنه فى واقع الأمر مطهو، أو على الأقل معالج بالحرارة.
وقد طالته جنون الأسعار فارتفع سعره، وأُجبرنا، بفعل الغلاء، على ترك مشروبنا المفضل من الشاى الليبتون المستورد، إلى استعمال أنواع أرخص وأقل قدرًا مثل شاى العروسة وأنواع أخرى حديثه لا تحضرنى أسماؤها. 
وكنا، ونحن أطفال، نرى أمهاتنا وهن تغلى الشاى فوق راكية النار، فتعطى الجد والجدة والأعمام والأخوال الكبار أكواب الشاى الصغيرة من أول غلوة، وكان شكله أحمر كثيف يقترب من الأسود. ثم تضيف الماء إلى ما تبقى فى إناء الغلى وتغليه مرة ثانية، ثم تعطى للشباب والأطفال. ومع ذلك كنت لا أستلطفه. 
وقد عثرت بين كتبى على كتاب قديم، اشتريته وأهملته، عنوانه «رسالة فى الشاى. والقهوة، والدخان» تأليف العالم النحرير الشيخ جمال الدين القاسمى الدمشقى، ويقول فى مقدمة الكتاب: «أما بعد، فهذه رسالة فى الشاى والقهوة والدخان، جمعت فيها مما قيل فى شأنها ما وصلت إليه يد الإمكان، ولم يكن الباعث على جمعها الشغف بها، فإن شرب الدخان أكرهه فى كل آن، ولم أتناوله بحمد الله المنان، والشاى والقهوة، ليس لى فيهما صبوة، ولكن وجدت عندى فى ذلك منثور أوراق، فأحببت أن أنظمها منتخبًا منها مارق أوراق. إذا لا تخلو من فوائد يعترف بفضلها، ويغترف من عذب منهلها».
يسير المؤلف اللطيف فى شرح اسم ومادة الشاى، جاء فى الباب الأول من الكتاب بعنوان، فى الشاى، وفيه عشرة فصول. والفصل الثانى فى انتشاره بين الناس، والثالث فى صفته النباتية. حتى الفصل العاشر، وعنوانه فى مديح الشاى، وفيه قصيدة مطولة منسوبة إلى بهجة الأدباء الشيخ محمد المبارك الجزائرى ثم الدمشقى من أربعين بيتًا، أول بيت فيها:
قهوة الشاى وهى ألطف قهوة  لم تدع لى فى قهوة البن شهوة.
وإلى المقال الآخر فى مديح القهوة