رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نتنياهو باع الوهم للإسرائيليين! (2)

يعزز المأزق فى التوصل إلى اتفاق مع حماس، لإطلاق سراح المزيد من الرهائن، وابتزاز رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من قِبل شركائه اليمينيين، أفكار عضوي حكومة حزب الوحدة الوطنية، جادى آيزنكوت وبينى جانتس، اللذين يهددان بمغادرة الائتلاف الحاكم فى تل أبيب.. ويأمل نتنياهو فى الاحتفاظ بهما فى حكومته لمدة شهرين آخرين، على الأقل، حتى نهاية الدورة الشتوية للكنيست.. ومن أجل تحقيق ذلك، يمكنه التعبير عن بعض الاستعداد للتوصل إلى اتفاق، وهو أمر لا تتعجل حماس عقده، دون الوصول إلى لحظة الحقيقة.. وسيتطلب ذلك إبرام صفقة تتضمن تنازلات، من شأنها أن تجعل بقاءه السياسى اللاحق صعبًا.
بعد أهوال عملية السابع من أكتوبر على إسرائيل، وعدم كفاءة الحكومة، كما يتضح من تعاملها مع الضحايا والأشخاص الذين تم إجلاؤهم من الجنوب ولاحقًا من الشمال اعتقد الكثير من الناس أنه بعد انحسار القتال فى قطاع غزة، ستندلع موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات فى جميع أنحاء البلاد، سواء بسبب استمرار الحرب، أو بسبب الإرهاق العام بعد عام مُضطرب، بدأ بمحاولة نتنياهو تمرير قوانين تشكل اضطرابًا قضائيًا.. إلا أن القضية التى يمكن أن تُشعل احتجاجات خطيرة وتُخرج جماهير الناس إلى الشوارع، هى القلق المتزايد على الرهائن.. وهذا مرتبط، كما يقول آيزنكوت مرارًا، بالالتزام الأخلاقى للدولة تجاه المواطنين الذين تم التخلى عنهم فى السابع من أكتوبر، فضلًا عن المخاوف المباشرة بشأن حياة الرهائن.
بعد أحداث أكتوبر مباشرة، كانت المهمة الأكثر إلحاحًا للجيش، هى تطهير المستوطنات الحدودية من مقاتلى المقاومة، وضمان عدم تمكن حماس من القيام بمزيد من الغارات، وكان هذا أحد أسباب التركيز على تدمير قدرات حماس العسكرية، من خلال عملية برية واسعة النطاق، والتى يعتقد الجيش الإسرائيلى أنها ستخدم هدف إعادة الرهائن.. وقد ساعدت هذه العملية فى التوصل إلى أول صفقة رهائن.. وبعد شهرين تقريبًا، ومع نفاد الوقت أمام الرهائن، حان الوقت لإعادة النظر فى الأولويات.. إلا أن الصعوبة الرئيسية تكمن فى الثمن الذى تطالب به حماس، والذى يهدف إلى ضمان بقاء المنظمة وقياداتها، مع عدم وجود عرض ملموس على الطاولة حاليًا.
فى الأسابيع الأخيرة، قام الجيش الإسرائيلى بتسريح عدد لا بأس به من جنود الاحتياط الذين قاتلوا فى غزة، بينما أرسلوا قوات نظامية إلى الداخل الإسرائيلى لقضاء فترات راحة قصيرة، وسيستمر هذا التخفيف من القوات فى الأسابيع المقبلة.. فى شمال غزة، الجيش بالفعل فى المرحلة الثالثة من عملياته، بينما يرسل الكتائب فى غارات محددة.. الاستثناء الرئيسي، هو (الفرقة 98) فى خان يونس فى الجنوب، حيث لا تزال سبعة ألوية نشطة، مع انتشار القتال إلى الغرب والجنوب من المدينة.. وفى الوقت نفسه، تتواصل الجهود لتحديد مواقع قادة حماس تحت الأرض، وجمع المزيد من المعلومات الاستخباراتية عن مكان وحالة الرهائن، الذين يعتقد أن العديد منهم موجودون فى هذه المنطقة.. إذا تم إحراز أى تقدم فى هاتين المسألتين، فإن الجيش لا يسارع إلى الإعلان عنه.. لذلك تكتفى وحدة الناطق بلسان الجيش الإسرائيلى كل يوم، بإعلانات عن مقتل عشرات المقاتلين من المقاومة، وتدمير مواقع تصنيع وتخزين الأسلحة، وهى إنجازات يبدو أن الجمهور الإسرائيلى فقد الاهتمام بها، طالما يتم قتل الجنود ولم يتم إطلاق سراح الرهائن.. وتواصل قوات لواء غزة إعادة إنشاء المحيط الأمني، وهى منطقة عازلة على عمق كيلومتر واحد تقريبًا غرب الحدود، ينوى الجيش الإسرائيلى فرضها بإطلاق النار إذا حاول أى فلسطينى دخولها.. وتنطوى هذه الخطوة على تدمير ممنهج لآلاف المنازل الفلسطينية فى أحياء مثل الشجاعية شرق مدينة غزة، وقرى مثل خربة خيزة شرق خان يونس.
بدورها، تستغل حماس، بشكل متزايد، تخفيض القوات فى شمال غزة، لإطلاق الصواريخ من هناك على النقب الغربي.. يدَّعى الجيش الإسرائيلى أنه يصل إلى مواقع الإطلاق ويدمر منصات الصواريخ، ولكنه لا يستطيع التخلص من الانطباع، بأن الجناح العسكرى لحماس لا يزال على قيد الحياة، حتى فى الشمال.. ومع ما يدعيه الجيش الإسرائيلى من إنجازات (مثيرة للإعجاب)!، مثل الوهم الذى طارده فى حرب لبنان عام 2006، وحرب غزة عام 2014، إلا أن الجيش، الذى ركز على إنجازاته، كما يقول عاموس هاريل، فى صحيفة (هآرتس)، لا يستوعب تمامًا خيبة الأمل والقلق والحزن التى انتشرت فى المجتمع المدنى الإسرائيلى منذ عملية أكتوبر الماضي.. حتى مكاسب الغارات الجوية والهجوم البري، الذى دمر غزة، وقتل عشرات آلاف الأبرياء فى قطاع غزة، لا يمكن أن تعوض الضرر النفسى الناجم عن عملية أكتوبر.. ويرى كبار الضباط الإسرائيليين، أن قواتهم (تظهر الشجاعة والتضحية والمهنية)!!، لكنهم يجدون صعوبة فى الاعتراف بأن كل هذه (السمات الجميلة)!! لم تنتج بعد تحولًا استراتيجيًا، ولا يفهمون دائمًا مدى كثافة الإسرائيليين فى إحصاء الخسائر، وسط مخاوفهم من المزيد من الأخبار السيئة عن الرهائن.
رئيس الأركان هاليفي، الذى شاهد تدريبات لقوات الاحتياط فى الشمال، قال للضباط هناك، إن (احتمال نشوب حرب فى الشمال، مع حزب الله، فى الأشهر المقبلة، أعلى بكثير مما كان عليه فى الماضي.. وعند الضرورة سنمضى قدمًا بكل ما أوتينا).. وقد فُسِرت تصريحاته فى وسائل الإعلام، على أن إسرائيل تعتقد أن الحرب مع حزب الله تلوح فى الأفق وتستعد وفقًا لذلك.. لكن هذا التحليل قد يغفل عنصرًا آخر: لا يحاول هاليفى إشعال حرب، بقدر ما يحاول منعها.. وقد أرسل رئيس الأركان رسالة إلى حزب الله، مفادها أن الجيش الإسرائيلى يستعد لمواجهة أوسع، ولن يتردد فى وضع خطته موضع التنفيذ إذا لزم الأمر.. ومع ذلك، تأمل هيئة الأركان العامة أن يساعد التهديد العسكرى الملموس جهود الولايات المتحدة للتوصل إلى حل وسط.. إلا أن حزب الله رفض اقتراح الوسيط الأمريكي، عاموس هوكستين، الذى تم إرساله إلى بيروت الأسبوع الماضي، لمحاولة تحقيق وقف مؤقت لإطلاق النار فى الشمال الإسرائيلي، مع استمرار القتال فى غزة.. ومع ذلك، قدَّم اقتراحًا لرسم خريطة للنقاط الخلافية على الحدود، من جبل دوف على طول الطريق غربًا إلى روش هانيكرا على البحر.
وقالت مصادر، إن نافذة الفرصة للتوصل إلى اتفاق تضيق.. وعبر الأمريكيين، ورد أن إسرائيل نقلت طلبًا لحزب الله بالانسحاب من الحدود إلى شمال نهر الليطاني، الذى يبعد فى الغرب حوالى ثلاثين كيلومترا عن الحدود الإسرائيلية.. لكن هذا الطلب رُفِض، والآن تدور المحادثات حول الانسحاب إلى عشرة كيلومترات من الحدود.. كما نوقشت فكرة إرسال خمسة عشر ألف جنديًا لبنانيًا آخر إلى المنطقة الحدودية، حيث يتواجد فى الوقت الحاضر أقل من خمسة آلاف، وهى فائدة هامشية فقط فى الحفاظ على الهدوء.. ويبدو أن المواجهة بين الجيش الإسرائيلى وحزب الله تخضع الآن لسيطرة نسبية، وسط جهود الجانبين لتجنب حرب شاملة.. ومع ذلك، كانت الكثافة آخذة فى الارتفاع فى الأسابيع الأخيرة، مما يزيد من خطر سوء التقدير.. والواقع أن الدمار الشديد الذى يحدثه الجانبان قد يكون عاملًا مُقيدًا.. إسرائيل قادرة على إلحاق أضرار جسيمة بحزب الله، وقد اكتسب حزب الله قدرته الثقيلة على إلحاق الدمار بإسرائيل.
وإذا كان تبادل إطلاق النار يشير إلى ميزة معينة على الجانب الإسرائيلي. إذ يضرب الجيش الإسرائيلى قوات حزب الله وبنيتها التحتية القتالية، وكذلك المنظمات الفلسطينية فى جنوب لبنان، إلا أن حزب الله يتعلم الدروس ويبحث عن طرق لتصعيد هجماته على الجيش الإسرائيلي.. وتكمن نقطة ضعف إسرائيل، فى صعوبة إعادة ما يقرب من ثمانين ألف لاجئ داخلى من مواطنيها إلى مستوطناتهم، بعد أن تم إجلاء معظمهم بتوجيه من الجيش الإسرائيلي، وقرر آخرون، على بعد 3.5 كيلومترات من الحدود، المغادرة، دون أن تأمرهم قيادة الجبهة الداخلية.
عندما تم اتخاذ قرار إخلاء هذه المستوطنات، بعد وقت قصير من إطلاق حزب الله النار، كان القلق الرئيسى هو هجوم شنته قوة الرضوان التابعة للحزب، على غرار ما قامت به حماس فى الجنوب.. ويتمثل الخطر الرئيسى اليوم فى إطلاق صواريخ شديدة الانحدار، بل وأكثر من ذلك، إطلاق القذائف المضادة للدبابات، التى ألحقت أضرارًا جسيمة بالمجتمعات التى تم إخلاؤها.. ولإقناع السكان بالعودة، يحتاج الجيش الإسرائيلى إلى ترتيب مؤقت على الأقل: وقف إطلاق نار مدعوم بانتشار واسع النطاق بالقرب من الحدود، وكان مطلب رؤساء المجالس ورؤساء البلديات، هو الوعد بالهدوء المطلق، يعتقد الكثير منهم أن هذا لن يتحقق، إلا من خلال حرب كبرى تبادر إليها إسرائيل.. لكن الجيش غير مقتنع بأن هذا هو الحل، ولا يزال يعتقد أن هناك مساحة، يمكن فيها إدارة المواجهة دون الانزلاق إلى حرب شاملة.. لا يزال الوضع فى الشمال حساسًا وخطيرًا للغاية، لكن الحرب ليست حتمية بعد.. ويتوقف منعه على سلوك الجانب الإسرائيلي.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.