رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيطرة كاملة

فى البداية يجب أن نتحدث عن بديهيات يتجاهلها الإسرائيليون، أولها أن الحدود الرسمية للدولة فكرة مصرية صميمة نبعت من خصوصية مصر الجغرافية والتاريخية، ولا يوجد بلد فى العالم تبدو فيه الحدود واضحة مثل مصر، ثانيًا: لا توجد حدود لإسرائيل إلا مع الدول التى اعترفت بها، وهى مصر والأردن "حسب اتفاقيات كامب ديفيد ووادى عربة، وفى 2022 اتفاقها البحرى مع لبنان"، ثالثًا: إسرائيل ليست لها حدود مع أراضى السلطة الفلسطينية، والأمم المتحدة لا تعترف بسيادتها على الأرض التى احتلتها فى 1967.

لذلك يجب النظر إلى تصريحات بنيامين نيتانياهو بوجوب سيطرة سلطة الاحتلال على منطقة محور صلاح الدين "فيلادلفيا" الحدودية بين قطاع غزة ومصر على أنها صفاقة غير مقبولة، وتعنى قرارًا بعودة الاحتلال الكامل للقطاع، وهذا لن تقبل به مصر، ولا المجتمع الدولى، "محور صلاح الدين"، منطقة عازلة تقع على امتداد الحدود بين غزة ومصر، بموجب اتفاقية السلام الموقعة عام 1979، ويبلغ طوله 14 كيلومترًا، واتفاقية السلام سمحت بنشر قوات محدودة ومحددة بالتنسيق بين البلدين، ووفق اتفاقية السلام أيضًا، يتعهد الطرفان، بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدام أحدهما لها ضد الآخر على نحو مباشر أو غير مباشر.

وبحل كل المنازعات التي تنشأ بينهما بالوسائل السلمية، كما يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل أراضيه، أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة على أراضيه، ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر، ولكن متى التزمت الدولة المغتصبة بأى اتفاق؟ فشلت فى النيل من مصر فى محكمة العدل الدولية وهى عاجزة عن الرد على جنوب إفريقيا وتبرير جرائمها التى ترتقى الى درجة الإبادة الجماعية ضد النساء والأطفال فى غزة.

وادعت أن مصر هى التى منعت وصول المساعدات الى أهلنا فى الجانب الآخر، والعالم شاهد بعينيه أن هذا لم يحدث، وتصريحات المسئولين الإسرائيليين نفسها تؤكد هذه الأكاذيب، نتنياهو الدموى الفاشل لا يعرف ماذا يفعل، حدد ثلاثة أهداف لحربه على غزة لم يحقق أيا منها حتى الآن، وهي القضاء على حماس، والثاني القضاء على القدرات العسكرية للحركة واعتقال قادتها، والثالث تحرير الأسرى عسكريًا، وفى الوقت نفسه غير قادر على احتواء الغضب الشعبى فى الداخل، ولا مواجهة التحول الذى حدث فى الرأى العام العالمى بسبب المجازر التى يرتكبها يوميا ضد المواطنين الأبرياء الذين يتشبثون بأرضهم، ويفضلون الموت ولا يتم تهجيرهم وتصفية قضيتهم النبيلة.

وأعتقد أن ما يقوله نتنياهو بخصوص محور "فيلادلفيا" هو كلام فارغ، ومحاولة منه للخروج من المأزق الذي وضع نفسه فيه، فضلًا عن أنه لا يستطيع تنفيذه قانونيًا، بالإضافة الى أن مصر لن تسمح بذلك طالما يوجد اتفاق ملزم، ينص أحد بنوده على أن يتعهد كل طرف بالامتناع عن التنظيم، أو التحريض، أو الإثارة، أو المساعدة، أو الاشتراك في فعل من أفعال الحرب العدوانية، أو النشاط الهدام، أو أفعال العنف الموجهة ضد الطرف الآخر في أي مكان.

كما يتعهد بأن يكفل تقديم مرتكبي مثل هذه الأفعال للمحاكمة، الرد الرسمى المصرى على هذيان رئيس الوزراء الإسرائيلى كان حاسمًا على لسان المتحدث باسم الخارجية الدكتور أحمد أبو زيد "مصر لا تزال تسيطر بشكل كامل على حدودها"، وهو رد كاف وحاسم ولا يحتاج تأويلا، نتنياهو فشل، ويطلق بين الحين والآخر تصريحات لكى يغطى على فشله أمام حكومته وأمام ناخبيه وأمام داعميه الغربيين الذى تلطخت أياديهم بدماء الشعب الفلسطينى وأصبحوا فى مأزق أخلاقى أمام شعوبهم، سبق له أن صرح تصريحًا غريبًا بأنه يعتزم تهجير الفلسطينيين إلى دول أخرى، سواء عربية أو أوروبية بواقع 10 آلاف فلسطيني في كل دولة، وهذا تصريح يؤكد أنه غير قادر على التفكير، مصر لم تتوقف عن القيام بدورها المتزن فى معالجة الأمور، أعلنت وتعلن وستعلن أنها ضد تصفية القضية الفلسطينية، وأنها ضد التهجير ولن تسمح به، وتعمل مع كل الأطراف لإنهاء الحرب، ودخول المساعدات إلى الفلسطينيين واستقبال وعلاج الجرحى، وحل المشكلة من جذورها، وعلى نتنياهو ومن على شاكلته معرفة أن مصر دائما ستظل سندا للفلسطينيين ولحقوقهم المشروعة فى أرضهم المحتلة.. وأنها تسيطر على حدودها.