رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فلسطين التى ألهتنا عن السودان!

العالم العربي ممزق إلى حد كبير، ومصر الغالية في مرمى الخطر على الدوام، على حدودها الشرقية نيران مستعرة بحرب طاحنة يشنها الإسرائيليون على الفلسطينيين الغزيين منذ أحداث السابع من أكتوبر، وهي حرب شغلت الجميع عما عداها، وفي هذا الانشغال نفسه خطر مضاعف إذ تجري أحداث فظيعة على الحدود الجنوبية للبلاد، ولكن طغيان الحرب في فلسطين يلهي عنها، وهذه غفلة قاتلة يجب أن نفيق منها بأقصى سرعة؛ فكما كنا مستهدفين بحرب إسرائيل على فلسطين (سيناء الحبيبة مستهدفة)، فإننا مستهدفون أيضا بالحرب الأهلية في السودان (جنوبنا الحبيب مستهدف)، هاهنا اختراق وهاهنا اختراق، وإن كان هذا قدر مصر وقدر موقعها، فإن يقظتها التامة، قيادة وجيشا وشعبا، هي المخرج الوحيد من متاهة، أريد لها أن تدخلها ولا تخرج منها البتة! 

فلسطين تواجه عدوا تقليديا تاريخيا، هو عدو مصر والعرب أيضا، تواجهه مواجهة تعد الأكبر والأكثر قسوة بأمداء الدهور؛ ولذا صرفنا حالها عن أحوال غيرها مخافة أن تمتد إلينا مطامعها اللا محدودة، وأما السودان فتواجه نفسها، الجيش السوداني يواجه قوات الدعم السريع، مواجهات جرت في أبريل الماضي، واتسعت فصارت حربا لاهبة، وباتساعها اتسعت الجرائم من تقتيل وتدمير والأوضاع المزرية المؤسفة من ضنك عام وأمراض والانهيارات الاجتماعية والاقتصادية، وقد يكون ظهر أن وراء الأكمة ما وراءها.

بين الحربين صلة بلا ريب، توقيتهما دال على ذلك، وتشابه أحداثهما دال على ذلك، ووجود مصرنا بينهما دال على ذلك، لا أفترض مؤامرة هنا، ولكن ما بين السطور يشير، بقوة، إلى كوننا في دائرة حصار، وإلى كون فلسطين والسودان بوابتين واسعتين تفضيان إلى دهم بلادنا المحروسة، حمى الله ما فيها ومن فيها من كل شر وسوء!
لا أدري لماذا يركز الكتاب، كما الإعلام، على فلسطين وحدها، ويتركون السودان للعدم، إن كان للإعلام غرض فما غرضهم هم؟ إن المصيبة واحدة، والمحرك يبدو واحدا، ما لم نقرأ الأمور هكذا ففي نباهتنا شك، بل إن الأحداث السودانية، في عمقها، تعكس شيئا جديدا أبلغ أسى في الحقيقة، تعكس تغيرا في أخلاق إخوتنا السودانيين المتحفظة بطبيعتها إذ انتشر بينهم ما لم يكن فيهم من انتهاك صارخ للحرمات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

كانت مصر والسودان دولة واحدة في يوم بعيد، وكانت مصر حاكمة لغزة في فترة قديمة، وصحيح أن ذلك انتهى بمرور الزمن، انتهى بالبساطة التي كان بدأ بها، لكن بقيت العلاقة الوطيدة بيننا وبين الفلسطينيين والسودانيين، بقيت وبعض أسباب بقائها ما كان من اشتراك في الحكم ومن صلات وثيقة نشأت من جراء ذلك الماضي بظروفه وتداعياته..
مصر في خواطر أعدائها، يتمنون أن يصبحوا فإذا هي بأيديهم، لكننا على أهبة الاستعداد!

[email protected]