رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إسرائيل إلى أين؟

إسرائيل رغم تفوقها العسكرى، وبما تملكه من قوة وأسلحة ومال واقتصاد، والمساعدات المادية والمعنوية التى تتلقاها من دول الغرب وأمريكا- وقفت عاجزة أمام صمود حركة حماس، التى تحكم غزة، وبعد حرب امتدت أكثر من ٨٥ يومًا عجزت عن القضاء عليها، أو حتى إخضاعها، مع أن حملتها العسكرية كانت مخصصة للقضاء على حماس، وها هى حماس بعد مضى تلك الأيام العصيبة، تقاوم، وتطلق الرصاص، وتقتل جنود إسرائيل.
فى ستينيات القرن العشرين، نشر ناحوم جولدمان، الذى يعتبر واحدًا من المؤسسين لإسرائيل وكبار رجال الدولة فيها، كتابًا بعنوان «إسرائيل إلى أين»، جاء فيه: عندما أتمعن فى السنين الماضية أتساءل: إسرائيل إلى أين، ولا أستطيع- بالرغم من الغبطة والفخر اللذين أشعر بهما حيال عدد كبير من الإنجازات الإيجابية- إلا أن أشعر بخيبة أمل عميقة.
خيبة الأمل التى عبر عنها ناحوم جولدمان تعد تعبيرًا حقيقيًا عن اهتزاز ثقة الإسرائيليين في مستقبلهم فى إسرائيل.
كما طرح جولدمان سؤالين عما يراود النخبة الإسرائيلية من شكوك وهما:
- أى نوع من الدول نأمل أن تكون دولة إسرائيل؟
- وأى نوع من الدول سوف تصبح إسرائيل؟
ويحذر جولدمان من أنه ما لم يقم سلام حقيقى بين العرب وإسرائيل، فإن الحالة ستصبح أكثر سوءًا، وأن الدعم الذى تتلقاه إسرائيل من مجمع الشتات لإسرائيل سيتضاءل يومًا بعد يوم، فبعد 75 عامًا من إعلان قيام دولة إسرائيل تعيش فى قلق دائم من الخطر الذى يهدد كيانها، كونها أصبحت دولة دينية خالصة. 
كما أن نسبة المواليد لأبناء العرب الفلسطينيين من عرب 48 الذين بقوا فى إسرائيل بعد احتلالها- ضعف المواليد لدى اليهود فى إسرائيل.
وبفضل نضال الشعب الفلسطينى، اعترفت هيئة الأمم المتحدة فى سبتمر عام 1974 بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلًا شرعيًا وحيدًا له، وأعطتها الأمم المتحدة مكانة مراقب دائم فى الأمم المتحدة، كما اعترف معظم دول العالم بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها كيانًا سياسيًا وممثلًا شرعيًا وحيدًا للفلسطينيين.
تتصرف إسرائيل كنظام تمييز عنصرى، سيجلب عليها فى الوقت القريب انتقادات المجتمع الدولى، وربما أدى ذلك إلى فرض عقوبات دولية. فهى تمارس كل أشكال التفرقة العنصرية ضد مواطنيها من العرب أصحاب الأرض الأصليين، وتحرمهم من حقوق المواطنة باعتبارهم مواطنين غير يهود، وأقل مرتبة من مواطنيها اليهود، وفى هذا الصدد أعلن المؤرخ الإسرائيلى «إيلان بابه» فى مايو 2007، قراره بمغادرة إسرائيل احتجاجًا على عنصريتها وممارسة التطهير العرقى.
الحالة الراهنة التى تعيشها إسرائيل، تشكل خطرًا حقيقيًا على المدى البعيد، وينبئ عن مصير إسرائيل. 
الحرب الأخيرة التى بدأت فى 7 أكتوبر عام 2023 بين حماس وإسرائيل، أكدت شكوك الإسرائيليين فى مدى قوة دولتهم، وشككت فيما يطرحه قادة إسرائيل من قدرتهم على تحقيق الأمن للمواطنين، ولا شك أن تشددهم فى التمسك بالأرض المحتلة الواقعة تحت سيطرتهم يجعل تحقيق الأمن للمواطنين أمرًا صعبًا. 
فإذا أراد قادة إسرائيل ضمان مستقبل شعبهم على المدى البعيد فى المنطقة، فإن عليهم أن يبتعدوا عن مبدأ السيادة اليهودية، وأن ينتقلوا إلى ديمقراطية متعددة الأعراق، وبناء دولة إسرائيلية- فلسطينية، وأن يدرسوا جيدًا فكرة التعايش الإسرائيلى الفلسطينى فى دولة واحدة. 
يقول عزرا وايزمان «أصبح من الواضح، أنه يجب علينا أن نخضع لنوع من التحول النفسى قبل أن نستطيع اعتناق الإيمان بالسلام والتحرك للأمام، لقد أنشأنا نحن العسكريين جيلًا كاملًا من المقاتلين، وعلى الأجيال القادمة أن تُعلم شعب إسرائيل بطريقة ذكية وعقلانية أن يؤمن بضرورة عقد اتفاقيات سلام مع العرب». 
ولكن: هل إسرائيل جادة فى السلام؟
وهل هى جادة فى تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، بما يكفل تخليها عن كل الأراضى العربية المحتلة، وإخلاء المستوطنات، وهدم جدار الفصل العنصرى، وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وكاملة السيادة، عاصمتها القدس، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التى طردوا منها عام 1948.
.. إن ما يتمتع به قادة إسرائيل الحاليون والحكومة المتطرفة من غطرسة القوة، أعمى بصيرتهم، وعليهم أن يستعيدوا جيدًا الحروب الصليبية السابقة التى حاولت احتلال المنطقة بما فيها القدس، لكنها فشلت أمام إصرار العرب على تحرير أرضهم.