رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لكى تسلم القاهرة


لا ريب في أن حركة العاصمة المصرية تغيظ حاسديها.. ففي كل موقف إقليمي أو دولي يستدعي التدخل تكون القاهرة حاضرة، ليس حضورها كحضور غيرها طبعا؛ فلها ثقلها الحضاري الملهم ومكانتها الرفيعة عند الجميع، ومهما حاول أعداؤها النيل منها فإنهم ينالون من أنفسهم، والمعنى ينقصون كلما راموا إنقاص قدرها..
القاهرة في العلياء دائما أبدا، والمحزن حقا أن كثيرين من المصريين لا يعرفون رتبتها؛ لأنهم يغلبون مصالحهم على مصالحها، بكل أسف، ولأن مشكلاتهم الصغيرة، مهما كبرت، تطغى على مشكلاتها الكبيرة ولو رأتها العيون صغيرة..
ليست القاهرة بلدا مصريا بالغ العراقة فقط.. ليست أكبر مدينة مصرية وحسب.. إنها الوطن كله إذ هي رمزه الزاهي.. إنها مصر نفسها كما يقول الصعايدة والفلاحون الذين ينزلون بها مقيمين أو عابرين.. ما أبسط تعبيرهم وما أدقه، وما بقي سوى أن يعرفها كل مصري حق المعرفة ليكبرها أعظم الإكبار!
تحمل القاهرة هموم الجميع، ولا يساعدها أحد في حمل همها، لا تبالي على كل حال مهما ثقل الهم وتألمت وضجرت، ولا تشكو لغير ربها، إنما قد يجول بخاطرها أن يحرص الأبناء عليها كما تحرص عليهم، وأن يلمسوا عزمها كما يلمسه الغرباء، أولئك الذين يأتون إليها سياحا مبهورين، يودون أن تكون مأواهم وأن يحيوا فيها إلى ما شاء الله..
إن أغلبية السياسيين على خط الاختلاف والمشاجرة، هكذا دوما، وهي تريد لأعمالهم أن يتمم بعضها بعضا، وإن أكثر المثقفين ثاوون في مسار الفلسفات الفارغة، في حين أنها ترجو رجحان عقولهم وسداد آرائهم، وأما العاديون فغارقون غرقا في شئون معيشتهم الخاصة، ولو وعوا، أو وجدوا من يوعونهم بالأحرى، لكانت هي شأنهم الأهم وشغلهم الشاغل وتضاءلت بجانبها المشاغل والشئون.. يحيط بكل هؤلاء نفعيون ومتشددون وفاسدون وحقدة، يستغلون الظروف أيا كانت ليشعلوا نيران الفتن، ولو انتبه الوطنيون لاتحدوا ضد الخصوم، ولو جربوا مرة أن يكونوا صفا واحدا وصوتا واحدا في وجوه كارهي استقرار بلادهم ومن ثم استقرارهم لهزموهم وأحبوا الاستمرار على نفس المنوال دون
نكوص..
أريد للعلم المصري أن يبقى عاليا مرفرفا في سماء العالم، أن ننتمي صادقين إلى بلادنا كما ينتمي الناس إلى بلادهم، وكما يشتري الذين لا بلاد لهم بلادا ينتمون إليها.. وما الانتماء إلا أن نكون البلاد وتكوننا البلاد، وليس بكلمات رنانة ولا شعارات جوفاء.. 
نحن مستهدفون على الدوام.. هذه حقيقة لا كلام مرسل.. وجودنا مستهدف باستهداف حدودنا، الأحداث المعقدة القريبة والبعيدة تدل على ذلك، والواجب أن نكون سورا هائلا يحمي البلاد (الحجر، والبشر، والزروع، والمؤسسات، والثروة المادية والمعنوية) لا أن نكون حزاما ناسفا حولها (لا قدر الله).. أظننا في نعاس ما ولا بد أن نستيقظ سريعا.. أظن تعاضدنا وتساندنا فيهما غنانا وقوتنا وصلاحنا وفلاحنا، ولو جرت صعاب فكم تجري لكن أيدينا لا يصح إلا أن تكون متشابكة عند تخطيها لتمر بلا تبعات تؤرق الحاكم والمحكوم.. هذه بلادنا كلنا.. حياتها حياتنا وصون كرامتها صون كرامتنا..
لكي تسلم القاهرة شكلا وموضوعا، والقاهرة كما سبق وقلت بل أكثر بكثير، فعلى نفوسنا أن تسلم بإزائها من كل شر وسوء.. سلمت وسلم المصريون الأصلاء كلهم أجمعون!