رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وكان الاحتشاد بروح 30 يونيو

بكل قوة وبوعى رائع بأبعاد وتداعيات أخطار منزلق تاريخى بشع، كان الحضور المصرى الجماهيرى والاحتشاد الوطنى العظيم فى كل ميادين وشوارع مصر المحروسة فى 30 يونيو 2013 بروح مصرية وعزيمة لا تلين، وقرار موحد والتمسك باستنارة إفاقة قام بدعمها نخبة وطنية مثقفة مشرفة، للدفاع عن هويتنا المصرية بكل استبسال، وبدعم وقيادة وحماية للقرار كان انضمام الجيش والشرطة لممارسة الدور التاريخى المستجيب لإرادة شعبنا العظيم فى إسقاط جماعة الفكر الشيطاني، التى لم يعرف عيالها يعنى إيه كلمة وطن، وكان الانتصار المشهود وبداية السير بسرعة هائلة مع قائد أدرك أن للوطن حقوقًا على أبنائه من حماة الوطن، تتمثل بعطائهم المخلص وتضحياتهم الكبيرة، وبذلهم المستمر وسعيهم الحثيث للعمل والمشاركة فى بنائه وتحقيق نهضته وازدهاره، واستكمال مسيرة من سبق من أجياله.


وإذا كان المشهد «اليونيوي» العظيم قد احتشد لتشكيله فى البداية أكثر من 30 مليون مصرى ومصرية، فقد احتشد فى المشهد الانتخابى الأخير أكثر من 40 مليون مصرى ومصرية لم تغادرهم روح 30 يونيو للتصدى بقوة عن مكتسبات ثورتهم على مدى حقبة زمنية كانت عامرة بالإنجازات الوطنية، التى انحازت فى معظمها للبسطاء وأهل التميز والعاملين بحماس لإعلاء وتعظيم شأن الوطن فى كل المجالات.
وكان القرار بمد ولاية الرئاسة بمدة جديدة وبغالبية هائلة هو تجديد الثقة بحاكم رشيد قادر على مواجهة التحديات الهائلة وغير المسبوقة فى تاريخ البلاد والعباد.


وعليه، ونحن قادمون بحماس للبناء والعيش فى عصر التحديات الصعبة والشروع فى الولوج إلى دنيا جمهورية جديدة، أرى أن على المثقف العصرى أن يواكب سير عجلة الحياة، ليؤسس ركيزة رؤاه، ومنظومة قناعاته صوب الانطلاق منها باتجاه التفاعل مع قضايا وهموم مجتمعه، فالمثقف والثقافة كلغة مشتقان من مادة «ثقف»، وتدل وفق ما جاء فى معاجم اللغة العربية على عدة معانٍ، منها: الحذق، وسرعة الفهم، والفطنة، والذكاء، وسرعة التعلم، وتسوية المعوج من الأشياء، والظفر بالشىء.
لذلك، من غير الصحيح أن يتعامل المثقف مع ما يثبت وجوده بوصفه ذاتًا مفكرة سوى قلمه فقط، لينزوى به فى برجه العاجى، ويخط كلمات لا يقرأها إلا بعض أفراد المجتمع الخاص، وهنا ينبغى أن يعى المثقف بأهمية دوره فى خوض معركة إعادة دوره المعرفى والتنويرى والإصلاحى.


ومعلوم، أن فى حياة الدول التى تشرع فى تنفيذ خطط إعادة البناء بشكل عام، وبناء الإنسان بشكل خاص، تتوجه أنظار الناس والمجتمع بشغف نحو مواطنهم المثقف والرمز، وتشرئب الأعناق بأمل وطنى حالم لمن يثقون به من الرموز الثقافية الواعية، وهذه مسئولية كبيرة وفرصة عظيمة لمن يحسن توظيفها من المثقفين والمؤثرين، وأن يقف المثقف بلا حياد مع وطنه ومجتمعه فى كل مراحل تأسيس وإعادة البناء، فمساندته لتلك الجهود بوطنية وولاء تعنى ممارسته دورًا توعويًا يسهم فى توضيح حقيقة ملابسات تلك المرحلة، وما يمكن أن يترتب عليها وكيفية الاستعداد لها، ومواجهتها أو التأقلم معها لوجود بذور النجاح، ولا يجدر بالمثقف أن يتخذ دورًا حياديًا فى مواجهة التحديات الخارجية والداخلية، وبشكل خاص عندما يكون التحدى متمثلًا فى مواجهة من باتوا يستهدفون الوطن، ولا يعنى ذلك ذهابه إلى الانخراط العبيط فى الحملات الاستهلاكية الاستعراضية، الذى يجهل مدبرها والداعى إليها بخطورة ضياع الوقت، وما تدعمه تلك الحملات من رسائل سلبية بشكل خطير ودون وعى لإذكاء روح الخلاف بين التيارات المختلفة، فضلًا عن التسبب فى زيادة الاحتقان المجتمعى والتأليب ضد فكرة التعدد والتنوع الفكرى المتفاعل فى قبول ورضا من الجميع، بل عليه أن يحمل مشعل التنوير ويحسن إدارة ذاته أولًا ليسهم فى إخراج المجتمع من عتمة نفق التغييب عن الحضور فى ضياء دنيا ونعيم من سبقونا، للتحرر من أغلال التبلد والفكر الرجعى بوصايا حملت أختام القداسة الكاذبة، وهو أكثر وعيًا بالمرحلة التى يعيشها مواطنوه، وأكثر قدرة على تحويل التحديات السلبية إلى فرص.
ولا ريب فى أن المجتمع، وهو يعيش مراحل التحول التى نخوض غمارها منذ قيام ثورة 30 يونيو، فى حاجة لتزود المثقف بكل أدوات المعرفة الجديدة، وقد بتنا ندرس وظيفة المثقف، ونبحث عنه لوضعه تحت المجهر، وذلك فى ظل بروز الحاجة إلى دوره، لا سيما أن تقييم دوره ووجوده الإنسانى صار ينطلق من مدى تفاعله مع اللحظة التاريخية التى يمر بها مجتمعه، تحت مظلة معايير ذات تفاصيل معروفة، تتعلق بدرجة وعى هذا المثقف، وتموقعه، وكيفية تواصله مع البعض، ضمن المجريات الجديدة التى تكاد تكون مختلفة عما دأبت عليه التقويمات السابقة.


ورغم أن المثقف الحقيقى يدرك أن اختياراته الأخلاقية خلال الأزمات قد تعرضه للانتقاد السلبى الغبى من مخالفيه، الذين يجنحون للمواجهات غير النزيهة، لكنه الثمن الذى يدفعه المثقف وصاحب الدور التنويرى والإصلاحى فى أى مجتمع ينتسب إليه خلال رحلة النمو والتغيير، وعلى المثقف أن يتذكر رسالته الأسمى على أرض وطنه، ويكفيه شرفًا أن يقود عجلة الوعى التى إذا بدأت، فلن تتوقف بإذن الله عن الدوران.


أعتقد أن دور المثقف- خارج أطر المناسبات والمواسم السياسية والاجتماعية التى تزخر بها دهاليز ودروب السياسة الانتهازية المتقلبة كأجواء الخماسين التى كثيرًا ما تحجب الرؤية بزعابيب أمشير المجنونة، لديه رسالة وعليه دور إنسانى وفكرى ومجتمعى، والمفروض أنه يمتلك رؤية تتجدد ملامحها تمكنه الانطلاق بمشروعات إبداعه لخدمة ناسه وأهله، مستشرفًا المستقبل، طامحًا إلى أن تعكس إنجازاته الإبداعية كشف حقيقة وشكل الواقع، ومشكلاته وأسبابها، ناظرًا إلى الأمام، مبشرًا بحلم الإنسان فى العدل والسعادة وامتلاك حقوق «المواطنة الكاملة»، وأرى أن عليه:


• نبذ ومجابهة من يدعمون شيوع الروح الانهزامية الكسولة، وحالة فقدان الثقة التى تعانيها الجماهير فى مراحل الانكسار والتردى الحضارى.


• لا بد من تفهم أن التعامل مع الأمور السياسية لا بد من أن يكون بوعى وحصافة أصحاب الخبرات الميدانية، فكل أمورنا باتت تمر من أبواب ومنعطفات السياسة، فلا بد من الجاهزية الفاعلة للتفاوض مع كل الأطراف.


• الدفع فى اتجاه تعبئة الجمع الوطنى ضد محاولات الفرقة والتفرقة والتنابذ والخلاف، سواء من الداخل أو الخارج، وجذب النخب المثقفة للتفاعل الإيجابى مع متطلبات المرحلة من عقد اتفاقات مرحلية يمكن البناء عليها عبر إعادة قنوات الحوار الموضوعية بين فئاتها المختلفة.


• تفعيل قنوات الاتصال المباشر والتواصل الفكرى بين مثقفى كل القوى المحيطة، واستثمار فكر مثقفى أبناء الوطن فى الخارج على اختلاف توجهاتهم الأيديولوجية وتخصصاتهم العلمية والفنية.


• المواجهة الحازمة لكل من يعملون بشكل مؤامراتى أو نفعى فردى فى اتجاه إضعاف وإهدار العقل المصرى الوطنى بدءًا من الأمية وانتهاء بنزيف الأدمغة المتميزة، وما بينهما من فكر الخرافة والدجل باسم وتحت مظلة علمية وهمية، والانتهازية الفكرية والتجريم المستحق لمرتكبى السرقات العلمية، ومن يدفعون فى اتجاه الاستبعاد والتجهيل بالمعارف والعلوم الحديثة، وكل من يهدر تفعيل وتنمية إنتاجنا التعليمى والبحثى الجاد والحقيقى.


• التمسك بالحق فى توجيه سياسات مؤسسات التنشئة والتعليم والثقافة والإعلام ومواصلة عمليات رصد أدائها، ومدى تحقيق أهدافها المرحلية والعامة.