رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لبنان فى عام 2023.. بين الفراغ الدستوري والانهيار الاقتصادى والاحتجاجات الشعبية

لبنان
لبنان

شهد لبنان عام 2023 أحداثًا مهمة وبارزة، كان أبرزها استمرار الأزمة السياسية، حيث لم تتمكن القوى السياسية من الاتفاق على انتخاب رئيس جديد بعد انتهاء ولاية ميشال عون في 30 أكتوبر 2022، الأمر الذي أدى لتعطيل عمل العديد من المؤسسات الحكومية، بما في ذلك مجلس الوزراء والبرلمان.

 قيمة الليرة اللبنانية إلى أدنى مستوياتها في التاريخ

كما شهد لبنان استمرار الأزمة الاقتصادية، التي أدت إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتضخم، ووصلت قيمة الليرة اللبنانية إلى أدنى مستوياتها في التاريخ، وأصبح الحصول على السلع الأساسية صعبًا للغاية بالنسبة للعديد من اللبنانيين، وذلك إلى جانب استمرار الاحتجاجات الشعبية، المطالبة بتغيير النظام السياسي والاقتصادي، وزادت التحديات صعوبة مع بداية عملية “طوفان الأقصى” وتأثيرها المباشر على الاقتصاد اللبناني، خاصة مع اشتباك حزب الله وجنوب لبنان في الحرب الإسرائيلية على غزة.

الأزمات السياسية مسلسل مستمر

كان استمرار الأزمة السياسية في عام 2023 أكثر الأزمات صعوبة، ولم تتمكن القوى السياسية من الاتفاق على اسم مرشح للرئاسة، بسبب الخلافات العميقة بينها، تمثل هذه الخلافات في الأساس في التناقض بين القوى النيابية التي تدعو إلى تغيير النظام السياسي، والقوى التي ترغب في الإبقاء عليه كما هو.

أدى الفراغ الدستوري إلى تعطيل عمل العديد من المؤسسات الحكومية، بما في ذلك مجلس الوزراء والبرلمان، و لم يتمكن مجلس الوزراء من عقد جلسات منتظمة، مما أدى إلى تأخر اتخاذ القرارات اللازمة لمعالجة الأزمة الاقتصادية. كما لم يتمكن البرلمان من عقد جلسات تشريعية، مما أدى إلى تعطيل التشريعات اللازمة لإصلاح النظام السياسي والاقتصادي.

وفي ظل هذا الوضع، تزايدت الضغوط الدولية على لبنان لحل الأزمة السياسية وتشكيل حكومة جديدة تكون قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لاستعادة الثقة الدولية والحصول على المساعدات المالية.

 خارطة الطريق الفرنسية للخروج من أزمة الفراغ الدستوري

ومن بين هذه الضغوط، كانت المبادرة الفرنسية، التي طرحتها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته لبنان في سبتمبر 2022، التي تضمنت خارطة طريق للخروج من الأزمة، تشمل تشكيل حكومة من الخبراء في مهلة أقصاها 15 يومًا، والتزام بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية وقضائية وإدارية. 

ولكن هذه المبادرة لم تجد تجاوبًا من القوى السياسية اللبنانية، مما أدى إلى توتر العلاقات بين لبنان وفرنسا، وتهديد الأخيرة بفرض عقوبات على المعرقلين.

الأزمة الاقتصادية ومخاوف لا تنتهي والتضخم يصل 300%

واصلت الأزمة الاقتصادية في لبنان تفاقمها في عام 2023، وصلت قيمة الليرة اللبنانية إلى أدنى مستوياتها في التاريخ، وأصبح الحصول على السلع الأساسية صعبًا للغاية بالنسبة للعديد من اللبنانيين.

وبلغ معدل التضخم في لبنان 300% في عام 2023، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأدوية والكهرباء بشكل كبير. وتسبب ذلك في تفاقم معاناة اللبنانيين، الذين يعيشون بالفعل في فقر مدقع.

وتعود أسباب الأزمة الاقتصادية في لبنان إلى عوامل عدة، منها، الفساد وسوء الإدارة، اللذان أدى إلى هدر المال العام وتراكم الديون والعجز في الموازنة والتوازنات الخارجية، بالإضافة إلى السياسة النقدية، التي أدت إلى تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولارالأمريكي عند 1507 ليرة لكل دولار منذ عام 1997، وهو ما أدى إلى تكوين فجوة كبيرة بين السعر الرسمي والسعر السوقي، وتشجيع الاقتراض بالعملة الأجنبية والاستهلاك المفرط والاستيراد المبالغ فيه، وتقليل الاحتياطيات النقدية الأجنبية لدى مصرف لبنان.

وتعرض النظام المصرفي لخطر الانهيار، الأمر الذي أنعكس على الأزمة الاجتماعية، التي أدت إلى تفاقم الاختلافات والتوترات بين الطوائف والمجموعات السياسية والاجتماعية في لبنان، وتهديد السلم الأهلي والوحدة الوطنية، وتضرر القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، وتزايد ظاهرة الهجرة واللجوء من لبنان إلى دول أخرى بحثًا عن حياة أفضل.

عملية طوفان الأقصى تزيد من معاناة الاقتصاد اللبناني

أضافت عملية طوفان الأقصى عبئا جديدا على الاقتصاد اللبناني، الذي يحتاج إلى إصلاحات جذرية ودعم دولي للخروج من الأزمة المستفحلة، ومنذ أن شنت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة عملية عسكرية ضخمة على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، تحت اسم "طوفان الأقصى"، أعكست آثار هذه العملية بشكل سلبي على اقتصاد لبنان، الذي كان يعاني بالفعل من أزمات متعددة، بما في ذلك أزمة اقتصادية ومالية، وجائحة كورونا، وتبعات انفجار مرفأ بيروت.

تزايد التوترات الأمنية على الحدود الجنوبية

شارك حزب الله اللبناني في دعم المقاومة الفلسطينية بإطلاق قذائف وصواريخ على الأهداف الإسرائيلية، مما أثار غضب الجيش الإسرائيلي، الذي قصف أهدافا في جنوب لبنان، مما تسبب في خسائر بشرية ومادية. وفي ظل هذا التصعيد، أعلنت الحكومة اللبنانية حالة الطوارئ في المناطق الحدودية، ونشرت القوات الأمنية والعسكرية لحفظ الأمن والاستقرار. وأدت هذه الأوضاع إلى تعطيل الحركة والنشاط الاقتصادي والتجاري في تلك المناطق، وتضرر القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية.

تراجع النشاط الاقتصادي والتجاري

بسبب الحالة السياسية والأمنية المضطربة، وانعدام الثقة في الحكومة والمؤسسات المالية، تراجع النشاط الاقتصادي والتجاري في لبنان، وانخفض معدل النمو الاقتصادي إلى مستويات سلبية. كما تأثرت القطاعات الحيوية مثل السياحة والزراعة والصناعة والخدمات بالانخفاض في الطلب والعرض والاستثمار. وفي ظل هذا الوضع، تزايدت معدلات البطالة والفقر والهجرة، وانخفضت مستويات المعيشة والدخل للمواطنين.

 شروط الخروج من الأزمة في 2024

من جانبهم، يرى مراقبون أن للخروج من الأزمة اللبنانية، يجب على القوى السياسية والاجتماعية والمدنية في لبنان العمل بروح الوطنية والمسؤولية والتضامن، والتوصل إلى حلول عاجلة وشاملة ودائمة للمشاكل التي تواجه البلاد، وذلك من خلال التالي. 

  • الإسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة من الخبراء تحظى بالثقة والدعم الداخلي والخارجي، والتزام بإجراء انتخابات نيابية مبكرة تعكس التمثيل الحقيقي للشعب اللبناني.
  • شرط وجود تعاون مع المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية، والالتزام بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية والقضائية والإدارية التي تهدف إلى استعادة الثقة والاستقرار والنمو والتنمية في لبنان.
  • ضرورة الاستماع إلى مطالب الاحتجاجات الشعبية، والحوار معها بشكل بناء وديمقراطي، والاستجابة لها بشكل فعال وشفاف، والحفاظ على حقوق الإنسان والحريات الأساسية للمواطنين.
  • العمل على تعزيز الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي والتسامح الديني والثقافي في لبنان، والتصدي لأي محاولات لزعزعة السلم الأهلي أو تأجيج النزاعات الطائفية أو الإقليمية.
  • الدفاع عن السيادة والاستقلال والحدود والمصالح الوطنية للبنان، والمشاركة في الجهود الدولية لحل الصراعات الإقليمية والدولية بالطرق السلمية والدبلوماسية.