رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كن متحضرًا.. واجعل لحياتك معنى

سألت إحدى الطالبات ذات مرة عالمة الأنثروبولوجيا "مارجريت ميد" عما تعتبره أول علامة حضارة في تاريخ الإنسان. 
توقع الجميع أن تحدثهم العالمة في الأنثروبولوجيا عن الخطافات أو الأواني الفخارية أو أدوات الصيد، لكن كان رد "مارجريت ميد" معاكسًا لجميع التوقعات، حيث قالت: إن أول علامة على الحضارة في الثقافة القديمة هي الدليل الذي وجدناه، عبارة عن عظام  لشخص أصيب بكسر في عظم الفخذ وشفي منه واستمر في الحياة.
في مملكة الحيوان عمومًا إذا كسرت رجلك سوف تموت لا مفر من ذلك، حيث إنك لن تتمكن من الهروب من الخطر المحدق بك من كل جانب، أو الذهاب إلى النهر لشرب الماء، أو البحث عن الطعام مثلًا، زيادة على ذلك ستصبح فريسة سهلة للحيوانات المفترسة، في الغاب لا ينجو أي حيوان كسرت ساقه لعدم توفر الوقت لغاية شفاء العظم. إن عظم الفخذ المكسور والذي تم معالجته، الذي وجدناه، دليل على أن شخصًا ما آخر استغرق وقتًا للبقاء مع المصاب وحمايته والاعتناء به لغاية أن يتعافى. 
إن مساعدة شخص ما على تجاوز مصاعب الحياة هي نقطة البداية للحضارة.. إن الحضارة مساعدة مجتمعية. 
وقال كارل ماركس: 
"إذا أردت أن تكون تافهًا فما عليك إلا أن تدير ظهرك لهموم الآخرين".
من المؤسف أن التفاهة تسود بين الناس في معظم الأحيان، والتعامل والانحياز للظالمين أصبح شيئا سائدا، وتجاهل مشاكل وهموم الآخرين أصبح بالأمر العادي، حتى داخل العائلات والأسر الصغيرة. 
الكل يبحث عن السعادة الوهمية، وفي الحقيقة فإن الحمقى وحدهم هم من يستلذون باللحظات السعيدة المؤقتة، ولا يعلمون أن تذوقهم ومشاركتهم ألم وهموم الغير سيجعلهم يشعرون حقيقة بأنهم فعلا بشر، وأن السعادة الحقيقية تكمن في الإيثار لا في الإثرة، وفي الخروج خارج دائرة الذات وتقديم العون للآخرين.
قارئي العزيز عِش كما تريد ولكن تذكر دائما أنه لا شيء دائما، فلا تتجاهل هموم غيرك فربما تكون أنت المنقذ لأحدهم وأنت لا تدري.
ذات مرة كتب هومر رود هيبر:
ماذا يثقل قلبي عند غروب الشمس؟ أنا أعلم أنها ليست الأعمال التي أعملها طوال النهار بل هي الأشياء التي لم أعملها. الكلمة الحنونة التي كان يجب أن أقولها ولكني لم أقلها. الخطاب الرقيق الذي كان يجب أن أكتبه ولكني لم أكتبه. الزهور التي كان يجب أن أرسلها إلى مريض ولكني لم أرسلها. الحجر الذي لم أرفعه من طريق أخي. النصيحة التي لم أقدمها لأنني كنت مشغولا. اللمسة الحانية على كتف متألم التي لم ألمسها. الهمسة الرقيقة المشجعة في أذن مضطرب التي لم أهمسها. أعمال الرحمة التي لم تخطر لي ببال. الفرص النادرة التي أتيحت لي على مدى النهار لكي أشارك في أعمال الملائكة.
هذه الأشياء الثمينة التي لم أجد وقتا للتفكير فيها ولم أفعلها تحت وطأة انشغالاتي اليومية هي التي تثقل قلبي في آخر النهار، وتضفي على حياتي الكآبة والأسى عند غروب الشمس.