رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا يعرفان بعضهما

نحن لا نعرف أصدقاءنا بشكل جيد، والحقيقة ولا حتى أعداءنا، لا أحد يمكنه أن يؤكد أنه يعرف أحد بشكل جيد، فى الحروب أيضًا، قد يغير الحلفاء مواقفهم، وقد يفاجئنا الأعداء، قد تضللنا الاستخبارات، وقد نكتشف فى لحظة الحقيقة أننا لا نفهم حتى من نحاربه بشكل جيد.

رغم الصراع بين إسرائيل وحماس الذى دام حوالى ١٦ عامًا، فإن الحرب على غزة كشفت بشكل واضح أن الطرفين لا يعرفان بعضهما بشكل جيد، عدد التقديرات الخاطئة منذ بداية الحرب تشير إلى أنهما يتواجهان للمرة الأولى، وليسا عدوين حاربا بعضهما البعض حوالى ٥ مرات من قبل.

لم تتوقع إسرائيل أن تقوم حماس بهجوم ٧ أكتوبر، أخطأت التقديرات الإسرائيلية فى قراءة نوايا حماس، وأخطأت الاستخبارات الإسرائيلية فى قراءة تحركات حماس على الجدار، وأخطأت السياسة الإسرائيلية فى التعامل مع حماس، واعتقاد أنه بالمال «القطرى» يمكن شراء الهدوء، وأن ٢٠ ألف عامل من القطاع يجتازون الجدار يوميًا للعمل فى إسرائيل قد يجعلون الحركة تفكر فيهم، وتمتنع عن القيام بعملية قد تمنع رزقهم! كل ما سبق كان خاطئًا، إسرائيل لا تعرف حماس.

حماس أيضًا لا تعرف إسرائيل، مجموعة لا يستهان بها من التقديرات الخاطئة، رسمتها الحركة قبل الحرب، وبدا الآن بعد مرور أكثر من شهرين أن الأمور سارت فى منحنى آخر.

افترضت حماس أن الهجوم فى ٧ أكتوبر سيشعل حربًا إقليمية، وأن أطرافًا عديدة ستشارك، لكن الحقيقة أنه حتى لو كان هناك توتر فى الجبهة الشمالية مع حزب الله، أو مع الحوثيين فى اليمن، فإنه- حتى هذه اللحظة- إيران والميليشيات التابعة لها لا تزال تتعامل بحذر، تحاول أن تقوم بمناوشات لكن دون التورط المباشر فى الحرب، «حزب الله» قالها إنه لن يدخل حربًا مع إسرائيل الآن. 

افترضت حماس أن إسرائيل لن تقوم بمناورة برية فى عمق القطاع، وكان تصور الحركة أن إسرائيل التى امتنعت فى الحروب السابقة عن الدخول البرى للقطاع ستمتنع تلك المرة أيضًا، لكن الحقيقة لا، إسرائيل دخلت القطاع بريًا، فى الشمال والجنوب، هاجمت مواقع ومستشفيات وبيوتًا وأنفاقًا، رغم الخسائر الكبيرة جراء ذلك، ويبدو أن إسرائيل عازمة على مواصلة هجومها، حتى لو استمر بضعة أشهر، لحين القضاء على القوة العسكرية والسلطوية لحركة حماس.

اعتقدت حماس أن إسرائيل لن تقوم بهجوم برى واسع النطاق فى القطاع حرصًا على سلامة المختطفين، لكن إسرائيل قالت: سنحارب كأنه لا يوجد مختطفون، وبالفعل قتل ٣ مختطفين بنيران الجيش الإسرائيلى، وقال نتنياهو سابقًا: ستكون هناك ضحايا. 

افترضت حماس أن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل لن يكون دون حدود، وفى لحظة ما ستسارع الولايات المتحدة لإيقاف إسرائيل، لكن ما حدث هو أن الولايات المتحدة وقفت إلى جانب إسرائيل، ونشرت قواتها فى الإقليم للحؤول دون نشوب حرب إقليمية، وعمليًا، تُعتبر الولايات المتحدة شريكة فى هدف تقويض حُكم حركة «حماس».

اعتقدت حماس أن الولايات المتحدة لا تستطيع سياسيًا أن تصمد أمام التصرفات الإسرائيلية فى القطاع، واعتمدت على فكرة مفادها أن الرأى العام فى الولايات المتحدة وفى البلدان الأخرى سيضغط على الولايات المتحدة لإيقاف إسرائيل فى نهاية المطاف، وهذا ما لم يحدث- حتى الآن.

اعتقدت حماس أن إسرائيل ستكون عرضة للإجراءات الدولية لوقف الحرب، حتى هذه اللحظة رغم غضب العالم، لكن لا أحد يوقف إسرائيل.

الطرفان لا يعرفان بعضهما.. والحرب تستمر.. ما أسوأ أن تحارب عدوًا لا تعرفه.. مما يعنى المزيد من المفاجآت!