رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من الملكية حتى الجمهورية.. القسم الدستوري لجميع زعماء مصر (1/4)

 الدكتور محمد عبد
الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى

أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات فوز الرئيس عبد الفتاح السيسى بولاية رئاسية جديدة (24-30) بعد حصوله على نسبة 89.6% من إجمالي الأصوات، في انتظار أن يؤدي القسم الدستوري كرئيس لجمهورية مصر العربية، وهو ما يثير تساؤلا حول القسم الرئاسي لليمين الدستوري وإجراءته وطقوسه.

 على مدار الأيام الماضية، نشرت بعض الصحف والمواقع الإلكترونية أخطاء تاريخية وبحثية عن تاريخ اَداء القسم لليمين الدستورية لزعماء مصر، وأمام الأمانة العلمية والتاريخية، نعرض لدراسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة بعنوان "القسم الرئاسى لليمين الدستورية لولاية تالية للرئيس السيسى (24-30) وزعماء مصر، وطقوس القسم الدستورى منذ العصر الملكى حتى العصر الجمهورى".

ونعرض لدراسة الفقيه المصرى فى الجزء الأول لاَداء القسم الدستورى لزعماء مصر فى العهد الملكى الملك فاروق أول ملك يتم تنصيبه إعمالًا لقوة دستور 1923، ثم رؤساء الجمهورية محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسنى مبارك، ثم لمرسى الذى أدى ثلاثة يمين دستورية أمام جهات مختلفة استهانة بالقسم أقرب للسيرك السياسى منه إلى الالتزام الدستورى، ثم لمجلسين يمتنع عنهما أداء القسم الدستورى هما مجلس الوصاية على العرش لأنه يمثل سلطة العرش وليس سلطة السيادة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى حصل على سلطة السيادة بأمر الشعب.

أولًا: الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان أدى القسم الدستورى أمام مجلسى الشيوخ والنواب بناء على دستور 1923والسنة الهجرية أنقذته من السنة الميلادية فيما يتعلق بالسن القانونية 

يقول الدكتور محمد خفاجى، إن أول ملك دستورى يتم المنادة بجلالته به ملكًا على مصر عام 1936 هو الملك فاروق الأول لأنه تمت ولايته بناء على دستور 1923 الذى وضعه الملك أحمد فؤاد الأول الذى أصدره كسلطان ثم صحح وضعه فى دستور 1923 وجعل تنصيبه ملكًا، ومن ثم يمكن القول أن أول ملك تمت ولايته بناء على الدستور هو الملك فاروق الأول ملك مصر اُضيف إليه عام 1936 لقب ملك مصر والسودان، والحكومة برئاسة مصطفى النحاس باشا حصلت على اعتراف دولى من الدول ذات التمثيل الدبلوماسى بأن الملك فاروق الأول هو ملك مصر والسودان.

ويذكر أن المادة 50 من دستور 1923 تنص على إنه "قبل أن يباشر الملك سلطته الدستورية يحلف اليمين الآتية أمام هيئة المجلسين مجتمعين: "أحلف باالله العظيم أنى احترم الدستور وقوانين الأمة المصرية وأحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه "، علمًا بأن المجلسين هما ما يتكون بهما البرلمان مجلس الشيوخ ومجلس النواب وفقا للمادة 73 من ذلك الدستور. وهو الأمر الذى خلا منه دستور عام 2014 وتعديلاته الدستورية عام 2019 حيث يؤدى رئيس الجمهورية أداء اليمين الدستورية أمام مجلس النواب فقط دون مجلس الشيوخ وفقًا لنص المادة 144 من ذلك الدستور والتى لم تعدل وفى المجال الدستورى لا اجتهاد مع صراحة النص، فالنص فى معرض الحاجة بيان.

ويضيف أن معيار تنصيب الملك فاروق الأول هو الوراثة وولاية العهد، وله نصاب سنى ببلوغها حيث كان دستور 1923 لا يشترط فى أن يكون السن بالسنة الميلادية أو الهجرية بالنسبة لولاية العرش، ولكن على ماهر باشا وهو سياسى داهية قام بصياغة توفيقية أرضت التوازنات داخل العائلة المالكة، وتم تنصيب الملك فاروق الأول لأنه وصل إلى السن القانونية بالتاريخ الهجرى وليس الميلادى الذى لم يكن فى صالحه، وهذه الفكرة أضاعت ولاية العهد على  الأمير محمد على توفيق وأصبح فقط وليا للعهد ثم نزعت منه بعد أن انجب الملك فاروق الأول ولى عهده الأمير أحمد فؤاد الثانى عام 1951، إذن فالوحيد الذى أدى القسم أمام مجلسى الشيوخ والنواب هو الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان.

ويشير خفاجى إلى أنه كان يعتبر يوم أداء  الملك فاروق الأول  اليمين أمام مجلسى الشيوخ والنواب من قبيل الأعياد الرسمية فى البلاد ويسمى عيد جلوس الملك على العرش، بينما فى ظل النظام الجمهورى لا يوجد ذلك العيد ولا يعتبر إجازة رسمية فى الدولة.

ثانيًا: الرئيس محمد نجيب أدى القسم الرئاسى أمام هيئة التحرير ،حيث لم يكن هناك أى تنظيم مؤسسى حينذاك

يقول الدكتور محمد خفاجى، إنه حينما قامت ثورة يوليو 1952 وتم إلغاء الملكية وتحول نظام الحكم إلى نظام جمهورى بقرار من مجلس قيادة الثورة حينذاك، تولى الرئيس محمد نجيب رئاسة البلاد، لكنه لم يؤد اليمين الدستورية أمام أى تنظيم مؤسسى فى ذلك الوقت سوى هيئة التحرير.

ثالثًا: الرئيس جمال عبد الناصر أدى القسم الرئاسى عام 1956 أمام الجماهير قبل تأسيس مجلس الأمة ثم أدى القسم الأول عام 1958 أمام مجلس أمة الوحدة بين مصر وسوريا، ثم بعدها أمام مجلس الأمة وكان غرفة واحدة

يقول الدكتور محمد خفاجى، إن الزعيم الرئيس جمال عبد الناصر اُنتخب عام 1956 طبقًا لاستفتاء شعبى وأدى اليمين الدستورية أمام الجماهير حينذاك، وليس أمام البرلمان لأنه فى هذا الوقت لم يكن قد صدر قانون تأسيس مجلس الأمة طبقًا لدستور 1956، ثم اُنتخب مجلس الأمة فى صيف عام 1957 فأقسم الرئيس جمال عبد الناصر بعد ذلك القسم الأول عام 1958 كرئيس أمام مجلس أمة الوحدة بين مصر وسوريا، الذى ضم النواب المصريين والنواب السوريين نتيجة الإعلان الدستورى للوحدة بين مصر وسوريا، وبناء عليه أقسم اليمين الدستورية عام 1958، ثم أقسم عبد الناصر بعد ذلك أمام مجلس الأمة وكان غرفة واحدة.

رابعًا: الرئيس أنور السادات أدى القسم الرئاسى أمام مجلس الأمة عقب وفاة عبد الناصر وفقًا لدستور 1956 ثم أمام مجلس الشعب دون الشورى وفقًا لدستور 1971 

يقول خفاجى: “عندما جاء أنور السادات كان نائبًا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر وعقب وفاة ناصر  فى 28 سبتمبر 1970 جاء السادات بعد إجراءات نص عليها الدستور المؤقت 1956 حيث يستلزم ترشحه من المؤتمر القومى للاتحاد الاشتراكى العربى وهو التنظيم السياسى الوحيد على المؤتمر العام ثم اللجنة المركزية ثم يطرح على مجلس الأمة بأغلبية الثلثين ويطرح الاسم على الاستفتاء العام، وبهذا فاز الرئيس بالرئاسة وأقسم أمام مجلس الأمة بنظام الغرفة الواحدة عن طريق الاستفتاء”.

ثم قام الرئيس السادات بإصدار دستور جديد فى 11 سبتمبر 1971 الموافق 21 رجب سنة 1391 هجرية هو دستور 1971 وأنشأ بموجبه غرفتين للبرلمان، وتم تعديل مسمى مجلس الأمة إلى مجلس الشعب والغرفة الأخرى تم انشاء مجلس الشورى، ونصت المادة 79 من دستور 1971 على أن " يؤدى الرئيس أمام مجلس الشعب قبل أن يباشر مهام منصبه اليمين الآتية :أقسم باللَّه العظيم أن أحافظ مخلصًا على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه".وكان البرلمان حينذاك مكون من مجلسى الشعب وفقا للمادة 86 من الدستور ومجلس الشورى وفقا للمادة 194 منه.لكن الرئيس يؤدى القسم الرئاسى أمام مجلس الشعب فقط دون مجلس الشورى".

خامسًا: صوفى أبو طالب لم يقسم القسم حيث تولى الرئاسة بصفة مؤقتة 

تابع، أنه بعد اغتيال السادات فى اكتوبر 1981 تم انتقال السلطة انتقالًا هادئًا وتولى الدكتور صوفى أبو طالب رئيس مجلس الشعب اَنذاك رئيسًا مؤقتا للبلاد، لكنه لم يقسم القسم أمام البرلمان حيث تولى الرئاسة بصفة مؤقتة إعمالًا للألية التى نص عليها الدستور.

 سادسًا: الرئيس مبارك أدى القسم الرئاسى أمام مجلس الشعب مدة استفتاء عقب اغتيال السادات وثلاث مدد بالاستفتاء ومدة بالانتخاب وأخرى لم تكتمل بقيام ثورة 25 يناير 2011 

واستطرد أنه عقب اغتيال الرئيس السادات طرح اسم نائب رئيس الجمهورية وهو حسنى مبارك على الاستفتاء العام فور اعلان النتيجة التى كانت تتم بمعرفة وزارة الداخلية تحت اشرافها ، وطوال عهده ظل نص المادة 79 من دستور 1971 ساريًا بأن " يؤدى الرئيس أمام مجلس الشعب قبل أن يباشر مهام منصبه اليمين الآتية :أقسم باللَّه العظيم أن أحافظ مخلصًا على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه"وأدى الرئيس مبارك اليمين الدستورية أمام مجلس الشعب وتقلد الرئاسة عقب اغتيال السادات باستفتاء شعبى مدة منذ عام 1981 ثم ثلاث مدد أخرى بالاستفتاء  1987 وو1993 و1999، ثم مدة  بالانتخاب عام 2005 ثم مدة أخرى بالانتخاب عام 2010 لم تكتمل حتى قيام ثورة 25 يناير 2011.

سابعًا: مجلسين يمتنع عنهما أداء القسم الدستورى: مجلس الوصاية على العرش لتمثيله سلطة العرش وليس سلطة السيادة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة لحصوله على سلطة السيادة بأمر الشعب 

يقول الدكتور محمد خفاجى: “مجلسان يمتنع عنهما اَداء القسم الدستورى هما مجلس الوصاية على العرش الملك فؤاد الثانى الذى كان طفلًا حينذاك وكان المجلس يضم كل من الأمير محمد عبد المنعم من العائلة المالكة، ومن الشخصيات العامة د بهى الدين بركات باشا رئيس ديوان المحاسبة ،والقائم مقام رشاد مهنا من ضباط الجيش ممثلا للجيش وظل هذا المجلس أكثر من عام حتى اُلغيت الملكية وهم لا يؤدون القسم الدستورى لأنهم يمثلون سلطة العرش وليس سلطة السيادة”.

أما عن المجلس الثانى هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي، ورغم أنه تم الإعلان عن أن مبارك قد تخلى عن منصب رئيس الجمهورية وأسند سلطاته للمجلس الأعلى للقوات المسلحة فلم يكن هذا المجلس فى حاجة إلى هذا التفويض، لأنه حصل على تفويض أكبر من إرادة جماهير الشعب، ولم يكن بحاجة لأن يؤدى أى قسم أمام أية جهة لأنه حصل على سلطة السيادة بأمر الشعب.

ثامنًا: مرسى أدى ثلاثة يمين دستورية أمام جهات مختلفة استهتارا بالقسم أقرب للسيرك السياسى منه إلى الالتزام الدستورى: 

يقول الدكتور محمد خفاجى: “حينما تولى الدكتور محمد مرسى رئاسة البلاد بالانتخاب قام ولأول مرة فى تاريخ مصر بتأدية ثلاثة يمين دستورية أمام جهات مختلفة حيث قام أولًا بأداء اليمين الدستورية فى ميدان التحرير فى مؤتمر شعبى عقب إعلان نتائج الانتخابات، ثم قام ثانيًا بأداء قسم اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا وذلك بعد مداولات عنيفة داخل التنظيم الإخوانى ومكتب الإرشاد حيث كانوا يرفضون فكرة أداء القسم الدستورى أمام تلك المحكمة، ثم قام ثالثًا بأداء اليمين الدستورية أمام حشد قيادى فى قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة”.

ويضيف الدكتور خفاجى: “ولا شك أن أداء محمد مرسى لقسم اليمين الدستورية ثلاث مرات أمام جهات مختلفة يعد مخالفًا مخالفة صارخة لأحكام الدستور ويعد استهانة بالقسم أقرب للسيرك السياسى منه إلى أى التزام دستوري”.

تاسعًا: الرئيس المؤقت عدلى منصور أدى القسم الرئاسى أمام المحكمة الدستورية بعد ثورة 30 يونيه 2013

يقول الدكتور محمد خفاجى: “حينما قامت ثورة 30 يونيه 2013 تم اعمال النص الخاص بأن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا الرئاسة المؤقتة للبلاد وبعد قرابة العام من حكم مرسى  الذى ثار الشعب عليه، وحمى الجيش ثورة 30 يونيو 2013، وأعلن خريطة الطريق فى 3 يوليو وبموجبها تم عزل مرسى عن رئاسة الجمهورية وبتاريخ 4 يوليو 2013، أدى الرئيس المؤقت اليمين الدستورية أمام أعضاء الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية، وقام المستشار عدلى منصور بتلاوة القسم ثم أعقب حلف اليمين  خطابًا أكد فيه أن الشعب هو الذي كلفه بالرئاسة في الفترة الانتقالية بحسبانه مصدر السلطات”.