رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتمية التغيير

عندما نحترم فكرة وحقيقة أن كل شيء في الحياة يتغير طوال الوقت، سنتجنب أن نُصبح عالقين في طُرق عتيقة عند تواصلنا مع الآخرين.
في حياة كل أمة من الأمم مراحل متعددة ومختلفة محكومة بطبيعة المعايير الاجتماعية، ومجموعة القيم الفكرية المتغيرة التي توجه مسار الأمة. 
وعلى ذلك فإن التغيير هو سُنة كونية من سنن الحياة في العالم الذي نعيش فيه، لأن تاريخ الإنسانية الطويل والممتد يخبرنا بأن الحاجة إلى التغيير أصبحت قضية ملحّة، لأن بقاء الحال يسبب الملل والضجر، وأن التغير يجعل للحياة أهمية لاستمرارها. 
التغيير فعل وعمل وأداء اجتماعي تقوم به الجماهير من تلقاء نفسها، ولا سيما المهمشون والأفراد الذين يعانون من التهميش والظلم والحرمان، من أجل تغيير ظروف حياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية نحو حياة أرقى وأفضل.
ومن المعروف أن الإنسان كائن متغير ومتطور لا يثبت على حال، منذ أن يولد، وكذا كل المخلوقات البشرية، لا تقبل الجمود ولا الثبات، وربما كان الإنسان أكثر تقديرا لفكرة التغيير، وهي التي ميزته، وجعلته يستفيد من تراكم الخبرات التي اكتسبها من تاريخه المتغير، وجعلته يختلف عن سائر الكائنات، مما انعكس على المجتمع الذي يشكل الإنسان مكونه الأساسي، ما يسهم في بناء مجموعة من المعارف والأفكار التي تدفعه إلى معرفة واقعه الحياتي ومحاولة تغييره باستمرار.  
أذهاننا لا تتلقى الفترات الزمنية كلها مرة واحدة في لحظة واحدة، نرتبك ونعتقد أحيانًا أن الأشياء تظل ثابتة ولن تتغير أبدًا، عندما نفكر بهذا الشكل نخلق تعاسة ومشاكل لأنفسنا. 
أحيانا ينتاب الشعوب الملل مثلما ينتاب الأفراد من تكرار الأفعال، وتعبر الشعوب عن حالة الملل التي تنتابها بطرق عديدة أهمها اللا مبالاة، بمعنى أن الشعوب لا تكترث لما يحدث حولها. 
وعندما نتحدث عن التغيير فإننا نقصد التغيير الإيجابي، الذي يغير حياتنا للأفضل، بحيث تصبح حياة مجتمعنا بعد التغيير أفضل وأحسن مما كانت قبل التغيير.
وفي مصر أصبحنا نعاني من عدة جوائح جاءت متتالية، فقصمت ظهورنا. 
أولى تلك الجوائح كانت جائحة الانفلات الأمني التي عانينا منها فى أعقاب ما يعرف بثورة 2011، والتي رأينا فيها ما لم نره من قبل، من فوضى وتخريب ونهب وسلب وسرقات في وضح النهار، وتلاشي دور الحكومة والأمن. وعندما خرجنا من تلك الجائحة، كنا قد خسرنا الكثير.
وما إن بدأت الدولة تطل بأنفاسها، وتعي ترميم ما حدث، حتى جاءت جائحة كورونا التي أغلقت الكثير من المشروعات، وألزمت الكثيرين بالتقاعد، وأجبرت الحكومة على دفع تعويضات للمضارين، إلى أن خرجنا منها سالمين.
ثم جاءت جائحة الغلاء التي قصمت ظهور الكثيرين، ووقفت حكومتنا الرشيدة حائرة ما بين تهريب عملتها للخارج، أو التجارة بها في السوق السوداء، أو الاستيلاء على أموال المصريين في الخارج، وتحويلها إلى جنيه مصري، بالخارج. 
الغريب أنني قرأت إعلانا في أهرام الجمعة 8 ديسمبر 2023، وفيه إعلان عن بيع شقق سكنية في مصر بالدولار، وهو ما شكّل لي على المستوى الشخصي صدمة. صدمتي الأولى جاءت من صحيفة الأهرام العتيقة، كيف قامت بالإعلان عن بيع سلعة في مصر بالدولار، مهما كانت غالية، وصدمتي الثانية كانت من الحكومة التي تقاعست حتى وصل الأمر إلى الإعلانات في الصحف عن مزاولة نشاط تجاري داخل البلاد بالدولار. وهو ما بين حالة ضعف وترهل شديدة للحكومة، وانعدام الرقابة. 
وقد عرفت أن بعض المدارس الخاصة الراقية تطلب رسومها بالدولار، وتعطي أولوية لمن يدفع الرسوم بالدولار، والمطالع لصفحات التواصل الاجتماعي سوف يكتشف الكثير من مظاهر ترهل حكومتنا، وانعدام الرقابة إلى الحد الذي اختفت فيه سلعة أو أكثر من السلع المرتبطة بالجماهير، وهي اللحوم والسكر والأرز والأدوات المنزلية والملابس، التي وصلت أسعارها لأرقام قياسية. مما يكبد المواطن الكثير من قوته، ويزيد من معاناته. 
انقطاع الكهرباء ساعتين يوميًا، مع حكومة تعلن أننا نقوم بتصدير الكهرباء للدول المجاورة، بينما نحن نعاني من عطل حالنا يوميا لمدة ساعتين، يعني أننا بصدد حكومة لا تهمها مصالح شعبها، مما يجعلنا نطالب بسرعة رحيلها. 
لأجل هذا أصبح التغيير في الحكومة المصرية ضرورة تفرضها الحاجة إلى العيش بكرامة داخل مجتمعنا.