رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عاجل.. ذروة الخطر.. ما بعد توسيع العمليات الإسرائيلية فى جنوب غزة؟

جريدة الدستور

تشتد العمليات العسكرية الإسرائيلية فى قطاع غزة، وتجتاز العتبات نحو مرحلة جديدة من الحرب، خاصة بعد أن وسع جيش الاحتلال نطاق هجماته فى جنوب قطاع غزة بصورة كبيرة، ودخل إلى مدينة خان يونس، بالإضافة إلى استمرار المعارك العنيفة نسبيًا فى شمال القطاع وأحياء الشجاعية والزيتون وجباليا، وغيرها من المناطق التى لا تزال تحت سيطرة حركة «حماس» الفلسطينية.

ومع التوجه نحو الجنوب، تواجه قوات الاحتلال تحديات جديدة، على رأسها الكثافة السكانية العالية فى خان يونس، بعد نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين إليها هربًا من التدمير فى الشمال، والضغوط الأمريكية المتزايدة، فى ظل تزايد الانتقادات الدولية الموجهة إلى دعم واشنطن غير المشروط لإسرائيل، بالإضافة إلى غياب وضوح الهدف عن العمليات، وعدم القدرة على تحديد كيفية تحقيق النصر فى المعارك الدائرة، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية. 

الكثافة السكانية والوقت والصبر الأمريكى.. 3 تحديات تواجه الاحتلال فى خان يونس

وصف مسئولون كبار فى قيادة الجبهة الجنوبية الإسرائيلية، العمليات العسكرية فى جنوب قطاع غزة بأنها الأوسع والأكثر كثافة، منذ بدء العملية البرية فى نهاية أكتوبر الماضى.

وحسب الإعلام الإسرائيلى، فإن ٣ فرق عسكرية مختلفة تشارك فى الهجوم على ثلاثة أهداف داخل القطاع، ففى الشمال، دخلت الفرقة ١٦٢ إلى مخيم جباليا للاجئين، شمال مدينة غزة، وفى موازاة ذلك، خاضت الفرقة ٣٦ معارك فى حى الشجاعية شرقى مدينة غزة، مستعينة بتكثيف الهجمات التى نفّذها سلاح الجو الإسرائيلى منذ بداية الحرب، بالإضافة إلى وحدة رأس الحربة رقم ٩٨، التى تهاجم خان يونس. وحتى لحظة كتابة هذه السطور لا يظهر حسم واضح فى جنوب القطاع، رغم مقتل قائد الكتيبة الميدانية لحركة «حماس»، وعدد من قادة الكتائب التابعين له، جرّاء القصف الإسرائيلى.

ونجحت الحركة فى تجميع عدة مئات من المسلحين فى الأحياء، وهؤلاء يحاولون مطاردة القوات الإسرائيلية بالضربات النارية المتتابعة، مع إطلاق المئات، إن لم يكن الآلاف، من الصواريخ المضادة للدروع فى اتجاه قوات جيش الاحتلال، من مسافات قريبة جدًا، بعضها تم اعتراضه بواسطة منظومة «بساط الريح» الإسرائيلية وبعضها أوقع جرحى وقتلى بين جنود الجيش الإسرائيلى. وتشير الخطة الإسرائيلية للعمليات فى الجنوب إلى أن جيش الاحتلال سيكمل عملياته الهجومية فى شمال قطاع غزة، بموازاة الهجمات فى الجنوب، كما سيقوم بتسريح جزء من قوات الاحتياط فى القطاع، خلال الفترة القريبة، كى تنال قسطًا من الراحة، مع استبدالها بقوات أخرى، كانت حتى اللحظة تُستخدم كاحتياط فى الجنوب، لكنها لم تخدم فى الأعمال القتالية داخل القطاع نفسه. وتتوجه العمليات العسكرية الإسرائيلية فى جنوب القطاع إلى موقع مركزى واحد، هو مدينة خان يونس ومخيم اللاجئين الملاصق لها، خاصة بعدما أشارت إسرائيل مرارًا إلى أن قيادات «حماس»، وعلى رأسهم القيادى يحيى السنوار يتواجدون هناك تحت الأرض. لذلك، فإن تشديد الهجمات على خان يونس يستهدف الضغط على «السنوار» ومجموعة القيادات حوله، فى محاولة للتأثير على قيادة الحركة، بعد الأضرار التى لحقت برموزها ومكاتبها ومواقعها فى الشمال. استراتيجيًا، يبدو أن دخول الجيش الإسرائيلى إلى جنوب القطاع لا يخدم أى هدف استراتيجى، وإنما يظهر كأنه عملية انتقامية لا علاقة لها بترتيبات اليوم التالى للحرب، خاصة فى ظل وجود اعتبارات خاصة بالجنوب، الذى يتواجد فيه مئات الآلاف من النازحين من الشمال. وحسب بيانات الأمم المتحدة، فإن الوضع الإنسانى فى جنوب قطاع غزة أصبح مخيفًا، حيث توجد مخاوف دولية من محاولة إسرائيلية حول خلق واقع مشابه لما حدث فى شمال القطاع، فى منطقة خان يونس ومحيطها، رغم أنها المنطقة التى تزداد الكثافة السكانية فيها. وسياسيًا، تضع العمليات العسكرية فى الجنوب إسرائيل فى مواجهة مع المجتمع الدولى، ففى الوقت الذى يزداد فيه تعلق إسرائيل بالإدارة الأمريكية، من حيث المساعدات العسكرية والمادية، وردع التدخلات الإيرانية المحتملة، فإنه، وكما يبدو، فإن الصبر الأمريكى له حدود، وهو ما يخيف إسرائيل حاليًا. وقبل انهيار الهدنة، كان هناك حوار جاد بين إسرائيل والولايات المتحدة على مستوى سياسى وعسكرى بشأن عمليات الجيش فى خان يونس، فى ظل انتقال مليون لاجئ فلسطينى تقريبًا من الشمال نحو الجنوب، وقد تمركز كثيرون منهم فى مدينة خان يونس ومحيطها، وطلبت إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن من إسرائيل أن تتفهم الوضع وتمتنع عن قصف الأهداف جوًا، كما حدث فى بداية العملية البرية فى الشمال، وضمان عمل الممرات الإنسانية بهدف نقل المساعدات.

من جانبه، قال المحلل الاستراتيجى ناحوم برنياع، فى تحليله بجريدة «يديعوت أحرونوت»، «إن القتال البرى فى خان يونس لا يستطيع أن يستمر إلا لـ١٠ أيام، أو أسبوعين على الأكثر». وأضاف «برنياع» أنه إذا لم يستطع الجيش الإسرائيلى تطهير مدينة غزة وضواحيها من المسلحين خلال ٥٩ يومًا من الحرب فكيف يمكنه تطهير خان يونس وضواحيها خلال فترة أقصر بكثير؟، خاصة أن هناك مئات الآلاف من النازحين من الشمال، بالإضافة إلى الضغوط الأمريكية التى تفرض حدودًا للعملية، مع تزايد المخاطر من تبادل إطلاق النار هناك أيضًا. وتابع: «الثمن الذى ندفعه فى هذا الشأن فى شمال قطاع غزة مقلق للغاية، ويمكن أن تكبدنا منطقة خان يونس ثمنًا مماثلًا».

الثمن الباهظ وسيلة «حماس» وإسرائيل لإملاء شروط الهدنة الجديدة

تهتم حركة «حماس»، كما يبدو من خلال التقارير الإسرائيلية، بإعلان هدنة جديدة، لكنها تعتقد أن فى إمكانها إجبار إسرائيل على دفع أثمان باهظة مقابل المحتجزين الذين لا يزالون فى قبضتها.

وأشارت إلى أن خليل الحية، أحد قياديى حركة «حماس» المقربين من «السنوار»، أوضح أن الحركة مستعدة الآن لهدنة جديدة، لكى تطلق سراح المسنين من الرجال المحتجزين لديها، مع الإشارة إلى بقاء ٣ محتجزات فقط فى قبضة الحركة وسائر الفصائل من الفئة التى تنطبق عليها المعايير التى تم تحديدها فى الصفقة الماضية، ما يعنى أن إطلاق سراح آخرين سيتوجب تحديد قواعد جديدة.

وأوضحت أن «حماس»، من جانبها، تعتقد أن إسرائيل ستظل مستعدة لدفع أثمانٍ باهظة فى مقابل استعادة المحتجزين، كما تعتقد الحركة أن الوقت يلعب لمصلحتها، لأن إسرائيل تهتم بإطلاق سراح مواطنيها، فضلًا عن ضغط أبناء عائلات المحتجزين، والدعم الذى تتلقاه هذه الأسر من الجمهور الإسرائيلى الواسع، وهى العوامل التى ستحسم الأمور فى نهاية المطاف من أجل التوصل إلى صفقة؛ وفق الشروط الجديدة التى ستضعها الحركة.

فيما ترى إسرائيل من جانبها أن تكثيف العمليات فى جنوب القطاع سيضغط على «حماس» لقبول صفقة أخرى لتحرير المحتجزين لكن ليس بأثمان باهظة، لكنها رغم ذلك تواجه ضغوطًا من عائلات المحتجزين الذين أعربوا عن تخوفهم من أن وقف المفاوضات واستئناف القتال سيزيد الخطر على ذويهم، فى الوقت الذى تعتقد فيه القيادة السياسية والأمنية فى إسرائيل أن الضغط العسكرى على حماس يفترض أن يخلق «ظروفًا أفضل لتحرير المحتجزين». وتؤكد التقارير أن دروس الأسابيع الثمانية الماضية من الحرب أثبتت لإسرائيل أن القضاء التام على حركة «حماس» أمر صعب، لأن عناصرها فى حى الشجاعية لايزالون يقاتلون، وتوجد جيوب مقاومة فى أحياء أخرى، كما أن الوقت بدأ ينفد بسبب الضغط الأمريكى، وأيضًا بسبب وضع السكان المدنيين. 

بالإضافة إلى ذلك، يتزايد رفض نتنياهو الحوار مع الأمريكيين بشأن ما سيحدث فى اليوم التالى للحرب بعد هزيمة «حماس»، ومن غير الواضح حتى الآن كيف سيتم تحقيق ذلك، وإصراره على أن السلطة الفلسطينية لن تكون جزءًا من الحل، فيما تحاول إدارة بايدن الالتفاف على هذه المشكلة عبر حوارات بشأن تغييرات فى السلطة الفلسطينية، ما يجعل المشهد غير واضح.

وثمة شك فى أن يكون لدى إسرائيل أكثر من أسبوعين، أى حتى نهاية العام، قبل أن تضغط واشنطن عليها لوقف الحرب؛ كما أن ثمة شكًا فى أن تستطيع خلال هذه الفترة تحقيق الأهداف التى تم الإعلان عنها فى بداية الحرب.