رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدكتور عبدالمنعم سعيد: الرئيس السيسى يؤمن إيمانًا شديدًا بفلسفة «بناء الدول أساسه العمل».. وأن مصر لديها ثروات طائلة

الدكتور عبدالمنعم
الدكتور عبدالمنعم سعيد

وثّق الدكتور عبدالمنعم سعيد، المفكر السياسى عضو مجلس الشيوخ، شهادته على التجربة المصرية خلال آخر ١٠ سنوات، تحت حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى.

وقال «سعيد»، فى حواره مع برنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز على قناة «إكسترا نيوز»، إن البلاد شهدت الكثير من الإنجازات فى عهد الرئيس السيسى، واصفًا إياه بأنه ثانى أكبر معمر فى تاريخ مصر الحديث بعد الخديو إسماعيل.

ونبّه المفكر السياسى إلى أن ظاهرة انتقاد المشروعات القومية الكبرى بدأها «الإخوان» لأغراض سياسية، وانتقلت عدواها إلى باقى المجتمع دون وعى، مشيرًا إلى أن جميع طفرات التحديث التى شهدتها مصر تاريخيًا بدأت بتحديث شبكة الطرق وتطهير الترع والمصارف لزيادة الرقعة الزراعية، وهو ما يفعله الرئيس السيسى منذ توليه حكم البلاد.

■ بداية.. ما تعليقك على وصف الكاتب الكبير الراحل محمد حسنين هيكل الرئيس السيسى فى ٢٠١٤ بأنه «مرشح الضرورة»؟

- من الصعب الاختلاف والاتفاق مع الأستاذ هيكل، نحن نتعلم منه، هو استطاع صياغة الموقف فى كلمة الضرورة. الضرورة هنا جاءت لأنه كانت عندنا ثورة ولا بد لها من قائد، والقائد الذى كان كفئًا فى هذه اللحظة ويستطيع أن يقود هو الرئيس عبدالفتاح السيسى، ومن ثم كان هو الضرورة. أى ثورة فى الدنيا يجب أن تكون لها واجهة واسم، والرئيس السيسى لديه ما هو أكثر من ذلك.

أول مرة التقيت الرئيس السيسى كان فى ٢٨ أبريل عام ٢٠١٣ فى اجتماع دهشور، كان هناك تفتيش حرب والرئيس السيسى كان وزيرًا للدفاع آنذاك. الاجتماع ضم مفكرين وممثلين، والموقف كان مهيبًا أثناء تفتيش الحرب، فالذى تدرب على السياسة يعرف أن هذا الاجتماع كان سياسيًا ولم يشهد حضور جماعة الإخوان.

فى هذا الوقت كانت حركة «تمرد» موجودة، والحضور تحدث عن أن البلد فى لحظة حرجة وطغيان الإخوان أصبح واضحًا، وأن هذا ليس طريق مصر، والرئيس السيسى قال تعبير «الجيش مثل النار لا أحد يمكن أن يقترب منه أو يلعب به أو معه».

كل النجوم الموجودين تحدثوا مع الرئيس السيسى، وكنت أراقب الموقف، وبعدها قابلته فى الندوة التثقيفية فى ٢٣ يونيو، أى قبل الثورة بأسبوع، وكنت ألقى محاضرة عن الأمن القومى المصرى.

جميع قيادات القوات المسلحة كانت حاضرة، وبالفعل ألقيت المحاضرة، بعدها تحدث معى الرئيس السيسى حوالى ٢٠ دقيقة، وتناقشنا فى المحاضرة، وأثناء تعقيبه بعد ذلك أشار إلى أن هذه المحاضرة كانت أحد المدخلات للقرار الذى صدر بعد ذلك.

■ من خلال خبرتك الكبيرة فى العمل العام، كيف تقرأ شخصية الرئيس السيسى؟

- يحب أن يسمع أكثر مما يتحدث، وهذا ليس موجودًا عند أحد من القيادات السياسية أو الكتّاب، واحتجت وقتًا لفهم شخصيته. قبل الانتخابات الرئاسية فى عام ٢٠١٤ كنت فى أمريكا وبدأ اسم الرئيس السيسى يتكرر كثيرًا هناك، وأنه المرشح القادم للرئاسة وسيصبح رئيس مصر. عملت على فك شفرة الرئيس عن طريق تجميع خُطبه وبرنامج الرئاسة والمقابلة المهمة التى ظهر خلالها عندما كان مُرشحًا للرئاسة.

أرى أننا مقصرون فى فكرة أهمية العمل فى بناء البلد، عمرنا ما حكينا للناس كيف تُبنى الدول، وما فعله محمد على لكى يبنى مصر، أو ما الذى فعله الكوريون واليابانيون لبناء بلادهم، العمل فقط لا غير، العملية ليست وعودًا تتحول من تلقاء نفسها إلى واقع.

شدنى جدًا تعبير: «أنا مش هخليكوا تناموا الليل»، توقفت عند حديثه حول العمل دائمًا، والعمل أهم شىء بالنسبة للرئيس السيسى، كما أنه مؤمن بأن مصر لديها ثروة طائلة. الإلحاح على العمل أمر جديد للمصريين، «ما فيش قائد فى تاريخ مصر يروح يلف على المحاور ويتفقد سير العمل يوم الجمعة، ده ما حصلش قبل كده من أى رئيس».

فكرة الثروة لدينا شبه مختفية، نعتقد أن الثروة بأن يكون لدينا بترول فقط، لا توجد قصيدة شعر عن الثروة فى مصر. رأيى دائمًا هو أنه لا يوجد بلد غنى وآخر فقير، هناك بلد يعمل وآخر لا يعمل أو يعمل أقل، وعدد السكان فى مصر كبير لكن المشكلة هى تركز السكان فى ٧٪ فقط من مساحة مصر، كما أن المشكلة هى السباق بين قدرتنا على التنمية والزيادة السكانية.

عندما تكون مساحة الدولة مليون متر مربع وهى ليست غنية فهذه مشكلة، وكل من أجرى تحديثًا لمصر أول شىء أقامه هو الترع والطرق والقناطر وكلها تقطع مصر.

سبق ووصفتُ الرئيس بأنه ثانى أكبر معمر فى تاريخ مصر الحديث بعد الخديو إسماعيل، لأنه فى عهد الخديو إسماعيل تم عمل قناة السويس، وخلق ٣ مدن كبرى خارج وادى النيل، وتم وضع استراتيجيتها، وعندما تكون لدينا مدن على ضفاف النيل يكون لديك شرق وغرب.

الرئيس السيسى عندما بدأ يعمل كان يوجد فرع دمياط، وقناة السويس والقاهرة والعين السخنة هذا المثلث كان صحراء، ورأى أن القاهرة تتمدد شرقًا، وهذا نوع من النمو الطبيعى بعد عمل مدن الرحاب ومدينتى، والعين السخنة، وقرر عمل العاصمة الإدارية ومدينة الجلاء، وخلق مدن جديدة، وهذا أكبر تحدٍ للرئيس السيسى، وبناء ٢٤ مدينة كلها خارج وادى النيل، مثل المنصورة الجديدة وأسيوط الجديدة والإسماعيلية الجديدة، فالرئيس يقوم بعمل أشياء جديدة أفضل من إصلاح القديمة، ومنها يخلق محاور تنموية لإصلاح القديم.

■ ما العوائق التى تقف أمام نقل السكان للمدن الجديدة؟

- من أهم العوائق التى تقف أمام نقل السكان هى السوق، ولا بد أن أكون واضحًا وصريحًا وإلا ما الذى يجبر الإنسان على أن يعيش فى منطقة مزدحمة ولا يعيش فى منطقة مطلة على البحر مثل المدن الجديدة.

أغلب العاملين اليوم يعملون على جهاز كمبيوتر أو من خلال الهاتف، والحياة الحديثة تعيد ترتيب الطبقات والشرائح الاجتماعية فى المجتمع، والآن إذا رغبت الدولة فى نقل السكان خارج الوادى فعليها أن تبحث عن المحفزات التى تقدمها فى المقابل. 

أذكر أن مدن ٦ أكتوبر والقاهرة الجديدة، و١٥ مايو بدأت مبكرًا فى مطلع الثمانينيات، وكانت الجرائد تسميها مدن الأشباح، والحياة بدأت تدب فيها فى فترة الرئيس مبارك. والتصميم المعمارى للعاصمة الإدارية تم فى لجنة السياسات بهيئة التعمير، من خلال لجنة التعمير وأمينها الدكتور مصطفى مدبولى، والرئيس السيسى هو القائد الذى لديه فكر وينفذه، وأقام بنية سكنية جديدة بتدشين العاصمة الإدارية والمدن الجديدة. 

مدينة ٦ أكتوبر فى بدايتها أقامت بها ٣ عائلات، منها رجل الأعمال الراحل أحمد بهجت، وكل واحدة منها دفعت ٥٠ مليون جنيه لإنشاء طريق المحور، وأصبح الدخول والخروج للمدينة سهلًا، ولا أستبعد أن يوجد بها الآن ٦ ملايين مواطن.

ما قامت به الدولة من مشروعات جعلت البلد كله مرتبطًا ببعضه، وعشت فى زمن بناء كوبرى ٦ أكتوبر، الذى تم العمل فيه لمدة ٣٠ عامًا؛ لأنه كان جزءًا من الموازنة العامة للدولة، وكانت تخصص له ميزانية محددة فى العام، وبعدما تنتهى يتوقف العمل، والرئيس السيسى اليوم عمل ٧ آلاف كيلومتر من الكبارى والمحاور مثل كوبرى أكتوبر.

■ ما تعليقك على فكرة انتقاد مشروعات الدولة وإعادة ترتيب الأولويات؟ 

- فكرة ترتيب الأولويات جاءت من معركة سياسية، فالناس بدأوا ينتقدون المشروعات وفكرة من أين يأتون بالأموال، ولماذا لم يتم عمل دراسة تمهيدية.

الانتقادات كانت لمشروعات تم تنفيذها ولم يجدوا فيها عيبًا، وذلك بهدف تحقيق غرض سياسى، وبدأ هذه الظاهرة الإخوان، وانتقلت منهم بعد ذلك لغيرهم دون وعى.

مصر بلد كبير فى عدد سكانه وكبير تاريخيًا، وما تم فى مصر إنجازات كثيرة، ولكن ليس كثيرًا على مصر وليس كافيًا.

مصر تنظر للتجربة الصينية والكورية واليابانية، وهى الدول التى انتقلت من الفقر الكاسح للغنى الكبير وللتقدم العلمى من خلال العمل الشاق خلال عقدين أو ثلاثة، والانتقادات كانت سياسية ولم يقل أحد إن أولويات الدولة كانت خاطئة، أو إن هناك أولويات أخرى.

ما قيل هو أن التعليم أهم وأن اليابان أكدت أن التعليم هو «أبوهم وأمهم»، دون أن يذكر أحد عدد المدارس التى تم بناؤها خلال ١٠ سنوات، فالحكاية ليست فى المدارس، ولكن فى المدرس والمطالبة برفع رواتب المدرسين، فكل التخصصات بالموازنة العامة أجرها ضعيف أيًا كانت الوظيفة، ولكن الكلام فيه خلل؛ لأنه لم يتحدث أحد عن الموارد أو كيف يصل المدرس لمكان عمله، وكل هذا الكلام من باب الترصد السياسى.

الانتقادات التى وجهت للمشروعات القومية تمثل نوعًا من الترصد السياسى أكثر منها موقفًا قائمًا على الدخول فيما هو الأصلح، هناك أناس اعترضوا على هذه المشروعات، وقالوا إنها يجب ألا تحظى بالأولوية، وجزء من هذا الكلام كان صحيحًا، لكن توجد به أجزاء كبيرة بها خلل، والجزء الصحيح متمثل فى خلق الأداة التى تشكل اقتصاد سوق حقيقيًا. 

كما أن مرحلة الست سنوات المقبلة، هى الفترة التى تشهد كيفية تشغيل التغيير الذى حدث، والذى كان من الضرورى أن يتم، فعلى سبيل المثال فترة مبارك كانت تشهد أزمة كبيرة فى دعم البترول من ميزانية الدولة، كما أن الرئيس السادات بعدما عقد اتفاقية السلام كانت العلاقات المصرية مع أمريكا جيدة جدًا.

بالفعل كان يوجد هناك أناس أحبوا مصر، وكانوا يريدون الاستثمار بها، وجاءوا حتى يستثمروا، لكنهم فوجئوا بأنهم غير قادرين على الحديث فى التليفون، وبالتالى فإن بعض المستثمرين واجهوا مشكلة فى العمل بمصر وقت الرئيس السادات لعدم وجود هواتف للاتصال. 

فكرة البنية الأساسية فى مصر، من الصرف الصحى، والمياه، والكهرباء، والتليفونات، تجعل مصر غير صالحة لفكرة التنمية التى نتحدث عنها، وهى أن يكون لدى الدولة المصرية على سبيل المثال معدل نمو يقدر بـ٩٪، مثل الصين التى وصل فيها معدل النمو إلى ١٠٪، فعلى سبيل المثال الصين فى وقت من الأوقات وصلت إلى ١٣٪ كمعدل نمو، لدرجة أنه صدرت مقالات كُتب فيها أنه يجب على الصين أن توقف نسبة الـ١٣٪، وذلك بسبب سخونة الاقتصاد، حيث تمثل نسبة الـ١٣٪ نسبة إنتاجية لإجمالى الدخل القومى، وبالتالى يتم عمل ثقل كبير على الأدوات والوسائل المرتبطة بالبنية الأساسية، وعليه فإن نسبة معدل النمو المقدر بـ٩٪ للصين تمثل النموذج المثالى للصين بعد ذلك، وهو ما يجب علينا أن نفعله، وحتى نحققه لا بد أن نوازى بين البنية الأساسية التى تم تنفيذها.

■ كيف تقارن بين طريقة الرئيس مبارك والرئيس السيسى فى إدارة مصر؟ 

- الرئيس مبارك كان من رجال الدولة الوطنيين، لكنه كان مترددًا جدًا، لم تكن ثقته فى الشعب المصرى كبيرة بالدرجة القصوى، وكان يتبنى فكرة رفض أى شىء يثقل على الشعب المصرى، وأعتقد أن الست سنوات من الفترة ٢٠٠٥ حتى ٢٠١١ كانت فى رأيى أعظم فترات الرئيس مبارك، حيث نجد أن معدل النمو للدولة المصرية يتعدى الـ٧٪، وسنجد بداية إنشاء المدن الجديدة التى أقامها.

أما الرئيس السيسى فهو ليس مترددًا، وإنما لديه إدراك ومعرفة بعامل الوقت، وبالتالى فإنه يعى أنه إذا تم تنفيذ مشروع تكلفته اليوم مليون جنيه فإنه فى حالة الانتظار ١٠ سنوات فإن المشروع سيتكلف ١٠ ملايين جنيه، وهو سر رفض الرئيس السيسى أثناء أزمة كورونا والأزمة الاقتصادية أن يتوقف العمل فى المشروعات القومية، وهذه هى الطريقة الوحيدة التى تناسب مصر. 

التجربة المصرية تغيرت للأفضل، وقد حدث تكامل بين المدن الجديدة وباقى المشروعات. 

كما تعتبر سيناء هى الجائزة الكبيرة المقبلة، ورأيى أن كتاب جمال حمدان «عبقرية مصر والمكان» ملخصه كله فى سيناء، فهى مكان به كل المقومات التاريخية والجغرافية»، ما يؤكد ضرورة استغلال كل هذه المقومات، ولا بد أن تُعقد لها مؤتمرات عالمية.

مصر غنية جدًا فى داخلها بالكثير من الأمور، التى يُعتبر جزء كبير منها أمورًا إلهية، حباها الله سبحانه وتعالى لهذا البلد، والعالم كله يدرك ذلك، فمصر هى المكان الوحيد الذى شهد اللقاء بين الأرض والسماء، وبالتالى فإن التحدى الأساسى خلال الفترة المقبلة هو تشغيل التغيير الذى جرى، وكيفية إخراج الناس للمدن الجديدة، وهو ما يحتاج إلى ثقافة بشكل كبير، كما يوجد ملمح أساسى من ملامح التجربة، هو إعادة اكتشاف مصر المتمثل فى إمكاناتها وناسها، لكن هناك تحديًا آخر وهو كيفية إظهار مصر للعالم.

■ تجربة الرئيس السيسى فى العشر سنوات هل يمكن أن نعطيها عنوانًا بأنه أعاد اكتشاف قدرات مصر؟ 

- الإنجازات التى حققها الرئيس السيسى من النهر إلى البحر، حيث عمل على فتح الرئة المصرية على بحرين كبيرين، ما أعطى إمكانات كبيرة لدول كثيرة. الرئيس عبدالفتاح السيسى أعاد اكتشاف مصر، وأعاد اكتشاف قدراتها.

هناك معلومتان يجب أن يعلمهما أى قائد لمصر، وهما أن مصر مليون كيلومتر مربع وبها ١٢٠ مليون بنى آدم، وقضيته هو كيف يجعل الـ١٢٠ مليون بنى آدم يستفيدون من المليون كيلومتر مربع. 

الرئيس السيسى لديه قدرة كبيرة على اتخاذ القرار وتنفيذه بتكلفته ووضعه فى إطار مشروع قومى، وكل هذه المقومات تمثل عمل السياسة، فالسياسى يجب أن يمتلك إرادة سياسية، ولديه القدرة على أن يقول القرار.

السياسى يعلم جيدًا لغة الشعب، والسياسة هى توقيع الموارد الموجودة فى مكان سياسى، وهو الدولة المتمثلة فى أرض وإقليم وشعب، وبالتالى فإن مسألة توقيع الموارد هى التى قام بها الرئيس السيسى، حيث أتى بالشعب على جغرافيا الدولة والعمل على التوسع من البحر إلى النهر، فيجب ألا تستمر الحبسة التى عشناها ٧ آلاف سنة داخل نهر النيل، نعم النيل خيره علينا وهو النهر الخالد، لكن بينما نحن نعيش اليوم فى القرن الـ٢١ ونبلغ ١٢٠ مليونًا، فإننا نتحدث عن حقائق أخرى على السياسى أن يعلمها جيدًا.