رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللعب بالنار.. كيف تتحرك إسرائيل لتهجير أهالى غزة بـ«خطة الأمر الواقع»؟

تهجيرأهالى غزة
تهجيرأهالى غزة

أكد كُتاب وأكاديميون وباحثون أن إسرائيل تتعمد حرق الأرض فى قطاع غزة، من خلال الاستهداف المتعمد للبنية التحتية والمقومات الأساسية للحياة، عن طريق هدم البيوت، وتدمير المستشفيات، وقطع إمدادات المياه والكهرباء والوقود، لإجبار السكان على النزوح، ومن ثَم تتسنى لها السيطرة على القطاع وإعادة استيطانه مرة أخرى، وبالتالى ضرب القضية الفلسطينية فى مقتل وإفراغها من مضمونها.

وقال الخبراء، الذين تحدثوا إلى «الدستور»، إن الدولة المصرية تقف بكل قوة ضد مخطط التهجير، منذ اللحظة الأول للحرب، وأكدت، بشكل واضح وصريح، أن التهجير «خط أحمر» لن تسمح بتجاوزه بأى حال من الأحوال، حماية للأمن القومى المصرى، ومنعًا لتصفية القضية الفلسطينية بشكل تام.

الاحتلال يدفع سكان القطاع إلى رفح بهدف الضغط على القاهرة لاستقبال النازحين

قال الدكتور ماهر صافى، الباحث والكاتب السياسى الفلسطينى، إن إسرائيل تواصل تنفيذ سياسة «الأرض المحروقة»، من خلال إيقاع مزيد من الشهداء فى صفوف المدنيين بشكل ممنهج ومدروس، لدفع السكان باتجاه رفح، والضغط على القاهرة لاستقبال النازحين، وهذا هدف إسرائيلى قديم. وأضاف «صافى»: «موقف القاهرة واضح من التهجير منذ بداية العدوان، حين تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى، وقال إن للفلسطينيين الحق فى العيش على أرضهم بأمن وسلام، وأن تكون لهم دولة، ولا مساس بهذه الحقوق المشروعة وفقًا للقوانين والشرائع الدولية».

كما أشار إلى تصريحات الرئيس السيسى التى أكد خلالها أن أرض سيناء للمصريين، وأن مصر دفعت ثمنًا كبيرًا من أجل الدفاع عنها بدماء أبنائها، وعلى إسرائيل إن أرادت ترحيل سكان غزة، إعادة توطينهم فى صحراء النقب.

القتل والحصار والتجويع أدوات التنفيذ والرئيس السيسى رسم «الخط الأحمر»

أكد الدكتور جهاد أبولحية، أستاذ القانون والنظم السياسية الفلسطينى، أن إسرائيل مستمرة فى عدوانها الهمجى ضد الشعب الفلسطينى منذ السابع من أكتوبر الماضى، مضيفًا: «تتعدد وتتنوع الجرائم الخطيرة التى ترتكبها قوات الاحتلال بحق المدنيين والأحياء السكنية فى قطاع غزة».

وواصل «أبولحية»: «الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة يتعرض إلى القتل المتعمد للمدنيين منذ ٦٣ يومًا، حتى اقترب عدد الشهداء من ٢٠ ألف شهيد، إلى جانب ما يقارب الـ١٠ آلاف مفقود تحت الأنقاض، وأكثر من ٦٥ ألف جريح».

وأكمل: «هذه الأرقام الكبيرة توضح مدى الإجرام الإسرائيلى، وما تفعله آلة القتل الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى فى غزة، فضلًا عن مخطط التجويع الذى تتبعه إسرائيل منذ بدء العدوان، عبر فرض حصار خانق على القطاع، بقصد إحداث هلاك متعمد للمواطنين، بالتزامن مع نزوح مليون و٧٠٠ ألف من الشمال إلى الجنوب».

وحذر من أنه «منذ بدء العدوان، كل القيادات الإسرائيلية بمختلف مسمياتها ومناصبها، أعلنت عن نية إسرائيل تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وطلبت من الشعب الفلسطينى فى القطاع التوجه إلى هناك، رغبة منها فى التخلص من الشعب الفلسطينى فى غزة».

وتابع: «هذه النداءات أثارت سخط القاهرة، التى رفضت هذا المخطط، وأعلنت على لسان الرئيس السيسى عن رفض مخطط التهجير، واعتبرته خطًا أحمر لن تسمح بتجاوزه، متسلحة فى موقفها بموقف الشعب الفلسطينى، الذى يرفض التهجير خارج وطنه، وما زال متمسكًا بأرضه، رغم كل ما يتعرض إليه من جرائم كبيرة كمًا ونوعًا، على أيدى قوات الاحتلال الإسرائيلى».

وشدد على أن إسرائيل تمارس جرائمها بغطاء أمريكى، بعدما منحتها الولايات المتحدة الضوء الأخضر، وأطلقت يدها فى القطاع بكل حرية، وهذا الغطاء يوفر القوة لإسرائيل لتستمر فى عدوانها، ليتسنى لها تحقيق أهدافها المعلنة بالقضاء على «حماس» أو السيطرة الكاملة على القطاع.

عملية «طوفان الأقصى» تحولت إلى ورقة لتنفيذ استراتيجية تل أبيب القديمة

نبهت نرمين سعيد كامل، الباحثة فى المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، إلى أنه على الرغم من أن الهدف المعلن من العمليات الإسرائيلية على غزة هو القضاء على «حماس»، فإن ما تم تأكيده من خلال حرب تجاوزت الشهرين، أن تل أبيب تستهدف بالدرجة الأولى تهجير الفلسطينيين إلى الأراضى المصرية، مضيفة: «ربما مثلت عملية (طوفان الأقصى) الورقة التى توظفها إسرائيل لتنفيذ مخطط وهدف تسعى إليه منذ سنوات».

وواصلت: «فى هذا الإطار غلفت تل أبيب مساعيها فى بداية الحرب بأنها مجرد مرحلة مؤقتة لتأمين الفلسطينيين، والقضاء على حماس فى القطاع، ثم دعوة سكان غزة للعودة مجددًا، ومع استمرار الحرب تلاشت هذه التأكيدات من الجانب الإسرائيلى، وتحول الأمر لمجرد محاولات حثيثة لطرد سكان القطاع بغير رجعة».

وأشارت إلى أنه فى أكتوبر الماضى، نشر معهد «مسغاف» للأمن القومى والاستراتيجية الصهيونية، وهو مركز أبحاث إسرائيلى أسسه ويرأسه مسئولون سابقون فى مجال الدفاع والأمن، ورقة بحثية تحث الحكومة الإسرائيلية على الاستفادة من «الفرصة الفريدة والنادرة لإخلاء قطاع غزة بأكمله، وإعادة توطين الفلسطينيين فى سيناء».

وتابعت: «بشكل منفصل، أوصت وثيقة مسربة من المخابرات الإسرائيلية بإعادة توطين الفلسطينيين من غزة قسرًا فى شمال سيناء، وبناء منطقة عازلة على طول الحدود الإسرائيلية، لمنع عودتهم».

واستدلت على رغبة إسرائيل فى تنفيذ هذا المخطط بأن «تل أبيب استهدفت فى البداية كل البنية التحتية فى الشمال، من مستشفيات ومدارس ومنازل وغيرها، حتى تجبر سكان الجزء الشمالى من القطاع للنزوح جنوبًا باتجاه الحدود المصرية، وبررت ذلك بأنها تحاول تأمين المدنيين بدعوتهم للاتجاه جنوبًا بشكل جماعى، ولكن اتضح أن النوايا هى عكس ذلك، عندما استهدفت إسرائيل جنوب القطاع أيضًا بالهجمات الصاروخية لتجبر الفلسطينيين على التحرك والنزوح بشكل أقرب لحدود رفح، فى مناطق كانت إسرائيل قد وصفتها قبل ذلك بأنها مناطق آمنة».

واختتمت بقولها: «يبقى حائط الصد أمام هذه المخططات هو الرفض المصرى للتهجير، منذ اليوم الأول للحرب، وما استطاعت القاهرة أن تحققه من إقناع للعديد من الدول بأن ذلك من شأنه تصفية القضية، ونقل الحرب للأراضى المصرية، والقضاء على عملية السلام فى الشرق الأوسط».

الأهداف أبعد بكثير من «القضاء على حماس».. والهدف تدمير الحياة اليومية فى غزة والضفة الغربية

اتفق أحمد السيد، الباحث فى المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، مع سابقيه على خطورة مخطط إسرائيل لتهجير الفلسطينيين، واستمرارها فى تنفيذه من خلال تكثيف عدوانها الغاشم على قطاع غزة.

وقال «السيد»: «عقب انتهاء الهدنة الإنسانية، عاودت قوات الاحتلال الإسرائيلى شن غاراتها المكثفة على قطاع غزة، وبدأت قصفًا مكثفًا لأهداف تقول إنها مرتبطة بحركة المقاومة (حماس)، وتوغلت عشرات الدبابات الإسرائيلية فى جنوب القطاع، وأعلن الجيش الإسرائيلى عن أنه سيوسع حملته البرية لتشمل جميع المناطق فى غزة، مع حديث منظمات الإغاثة عن معاناة لا يمكن تحملها للسكان المدنيين».

وأضاف: «حجم الدمار الناجم عن الممارسات الإسرائيلية فى الضفة الغربية يشير إلى أن الأهداف الإسرائيلية أبعد بكثير من مجرد تدمير حركة (حماس)، فقد بات من الواضح أن الهدف الحقيقى يتمثل فى تدمير الحياة اليومية، ليس فقط فى قطاع غزة، ولكن أيضًا فى الضفة الغربية».

وواصل: «العنف الإسرائيلى فى الضفة الغربية يأخذ أشكالًا عديدة، بداية من منع طواقم الرعاية الطبية من علاج المصابين الفلسطينيين، فضلًا عن استمرار استهدافه المنشآت الطبية والمدنية، كما تمارس إسرائيل أنواعًا مختلفة من العنف ضد الفلسطينيين، بما فى ذلك الإبادة الجماعية، عبر القضاء على عائلات بأكملها، ومناطق سكنية بالكامل»، متابعًا: «يبدو أن حكومة نتنياهو عازمة على تنفيذ المخطط الذى تسعى إليه، وهو تهجير سكان القطاع إلى الجنوب».

وحول موقف القاهرة الرافض للتهجير وتصفية القضية الفلسطينية، قال الباحث: «مصر تاريخيًا تعتبر القضية الفلسطينية أساسية وحساسة، وتدعم حلولًا سلمية تضمن حقوق الفلسطينيين وتحقيق الاستقرار فى المنطقة. كما تسعى إلى دعم الجهود الدولية التى تعزز الحل السلمى للصراع، بما فى ذلك إقامة دولة فلسطينية مستقلة وفقًا للقرارات الدولية واتفاقيات السلام السابقة، إلى جانب معارضة أى تدابير تهدف إلى التهجير، أو التصفية القسرية للقضية الفلسطينية».

وأضاف: «مصر تعبر عن موقفها الرافض حكوميًا وشعبيًا لمحاولات إسرائيل تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وتؤكد دعمها الشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة، كما تعتبر ضمان استقرارهم وعيشهم فى كرامة داخل أراضيهم الأصلية أمرًا حيويًا».

وواصل: «لم تكن مصر بعيدة عن التطورات الأخيرة، وتحركت منذ اليوم الأول لاحتواء التصعيد المتواصل، ومع تزايد العمليات الإسرائيلية وبدء تطبيق سياسة العقاب الجماعى على السكان من قطع الكهرباء والمياه ونقص الإمدادات الغذائية وقصف معبر رفح الفلسطينى، كثفت القيادة السياسية تحركاتها الإقليمية والدولية لإدخال المساعدات، من أجل إنقاذ السكان من كارثة إنسانية مروعة، رغم المعوقات التى تضعها إسرائيل فى هذا الشأن».

وأكمل: «حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على أن يعلن على الملأ محددات التحرك المصرى تجاه الأحداث، ومنها ضرورة الانتباه إلى خطورة محاولات تصفية القضية الفلسطينية، ووجوب إخراج المدنيين من دائرة الانتقام، وتجنب سياسة العقاب الجماعى والحصار والتهجير».

وأتم: «هذه هى الرؤية الحقيقية لموقف مصر من القضية الفلسطينية، ذلك الموقف الذى لم ولن يتغير، وقائم على عدم التخلى عن الفلسطينيين، وهو ما يعنى أن القضية الفلسطينية تمثل أهم أولويات السياسة الخارجية المصرية رغم أى صراعات، فالهدف النهائى الذى تسعى إليه مصر هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية».