رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"فطرة ممنوعة"| قلة الحمامات في غزة وتلوثها يصيب الفلسطينيين بأمراض تناسلية (ملف)

فطرة ممنوعة
فطرة ممنوعة

مشاعر من الألم المختلط بالخجل أصابت محمد القاسم "اسم مستعار" أحد آهالي قطاع غزة الذين نزحوا إلى مستشفى غزة الأوروبي عقب قصف الاحتلال الإسرائيلي الإبادي للقطاع، وهو لا يعرف كيف ولمن يشكو الأعراض المرضية التي أصابته وهي الحكة في المنطقة التناسلية لديه بشكل لا يتوقف، ما نتج عنه آلام مبرحة عند قضاء حاجته أدت إلى صعوبة قضائها.

محمد هو واحد من النازحين الذين يستخدمون دورات المياه في مستشفى غزة الأوروبي والذين قدرت أعداد مستخدمي دورات المياه الواحدة في اليوم بقطاع غزة حسب تصريح سحر الجبورى رئيس مكتب ممثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا بالقاهرة إلى 220 شخص، ما يتوقع أن ينتج عنه حدوث كارثة صحية إنسانية وبيئية خطيرة، خاصة مع افتقار تلك الدورات لكافة سبل النظافة والتعقيم.

الطبيب الفلسطيني عادل مرتجي متخصص الوبائيات في مستشفى غزة الأوروبي بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة وهو ذلك الطبيب الذي لجأ محمد إليه على استحياء شاكيًا له ما يشعر به من آلام في المنطقة التناسلية قائلًا لـ "الدستور": "جاءني محمد أثناء انهماكي في محاولة إسعاف المرضى صارخًا، وعندما سألته عما يشكو منه بدا عليه علامات ألم شديد وفي الوقت نفسه علامات للحرج قائلًا أريد فقط التحدث إلى طبيب جلدية ضروري".

يتابع مرتجى بقوله أنه ومع النقص الشديد في العديد من تخصصات الأطباء، ومع إلحاحه على المريض اعترف له بما يشعر به، ولكنه كان مُصرًا على إجراء الكشف الطبي عليه من خلال طبيب مختص فقط.

يقول طبيب الوبائيات "حاولت توفير بعض الأدوية التي تناسب حالته، وتساعد في شفاؤه، وبعد تناوله إياها قلّت الأعراض، ولكنها عاودت الظهور مرة أخرى".

وأكد مرتجى على أن السبب الرئيسي وراء ما أصاب محمد من أعراض وعودتها إصابته هو الوضع المأسوي الذي توجد عليه دورات المياه في قطاع غزة سواءًا كان في المستشفيات أو في مدارس الأونروا موضحًا أنه يوجد حالات كثيرة مثل حالة محمد تعاني من الأمراض التناسلية، ولكن الخجل يمنعهم عن البوح الكامل بأعراض الإصابة أو القبول بالكشف عليهم حتى لافتًا إلى أن ذلك مع الوقت قد يتسبب في حدوث أزمة صحية خطيرة.

وأرجع عادل انتشار الأمراض التناسلية المختلفة إلى العدد الضخم الذي يستخدم دورات المياه في اليوم الواحد وقلة أعداد تلك الدورات أمام ذلك العدد، إذ أن هناك من مستخدمي تلك الدورات من هو يعاني الإصابة بأمراض معدية خطيرة ما يسبب انتشار العدوى منه إلى آلاف الأشخاص، وهو ما يفسّر تفشي الإسهال والنزلات المعوية مشيرًا إلى أنه لا أحد من أهل غزة حاليًا تقريبًا لم يصاب بالنزلات المعوية.

 

(إميلي كالي كالاهان مديرة نشاط التمريض في منظمة أطباء بلا حدود قالت عن مركز تدريب خانيونس، أنه كان به هناك 35 ألف نازح داخليًا يعيشون بجانبنا" مضيفة "هناك 50 ألف شخص في هذا المخيم الآن ويوجد 4 دورات مياه، ويتم توفير المياه لهم لمدة ساعتين كل 12 ساعة)

 

"بقينا نخاف ناكل علشان ما نقضي حاجتنا"

"إحنا بقينا نخافض ناكل علشان ما ندخل نقضي حاجاتنا" بهذه الكلمات عبّر المصور الصحفي الفلسطيني محمد الحداد الذي يعمل في منطقة مجمع ناصر الطبي في حديثه "للدستور" عن الوضع المأسوي الذي أصبحت عليه دورات المياه داخل مستشفيات ومدارس “الأونروا” بقطاع غزة وتعامله وزملاؤه معها نتيجة التكدس الهائل بها وغياب كافة أدوات النظافة عنها.

إذ أوضح الحداد أن دورات المياه تلك يستخدمها الأعداد الهالة من الموظفين والعامة والمرضى، وهو ما يظهر من خلال الطوابير الطويلة من الأفراد التي تقف في انتظار دخولها مشيرًا إلى أن مجمع ناصر الطبي به حتى الآن ما يقترب من 20 ألف شخص، ويتابع متسائلًا: "لنا أن نتصور الوضع إذ أنه في حال استخدم كل فرد من هؤلاء تلك الدورات مرة واحدة فقط – وهو الأمر المخالف للفطرة - فكيف إذن من المتوقع أن تكون الحالة التي ستصبح عليها تلك الدورات خاصة في ظل عدم وجود أيًا من وسائل التنظيف ولا المياه النظيفة بها".

كما أكد الحداد أنه وزملاؤه الإعلاميين أصبحوا يتعمدون عدم تناول الطعام قدر الإستطاعة لكي لا يتطلب الأمر الدخول في مآساة البحث عن دورة مياه فارغة، وهو ما أدى إلى خسارتهم الكثير من وزنهم وظهور علامات الضعف عليهم.

الدخول إلى المراحيض مرة واحدة ليلًا

و تابع المصور الفلسطيني أن استخدام دورات المياه بالنسبة لهم هم الإعلاميين أصبح يتم من خلال التنسيق فيما بينهم لافتًا إلى أنهم يحاولون التماسك طوال اليوم دون دخول "الحمام"، ويدخلون فقط في وسط الليل حيث يكون الزحام أقل كثافة نتيجة نوم الكثير من المواطنين، موضحًا أن ذلك ما يجعلهم يشعرون ببعض الآلام تلك التي يمنع الخجل الكثير منهم التعبير عنها.

وحسب المصور الصحفي فإن مستشفى ناصر الطبي يحتوي كل قسم فيه على دورتين للمياه إحدهما للمرضين والأخرى للممرضات بالإضافة إلى دورات المياه الموجودة بالغرف والخاصة بالمرضى مشيرًا إلى أنهم كإعلاميين لا يمكنهم الدخول إليها واستخدامها.

أما عن المناطق الخاصة بالنازحين أوضح حداد أنه يوجد قرابة 10 دورات للمياه يغطوا قرابة من 16 إلى 20 ألف شخص، بينما أحيانًا يوجد في كل قسم دورة مياة واحدة مخصصة للإداريين، وهو ما يعكس قلة أعداد تلك الدورات أمام أعداد المواطنين ويوضح مقدار الكارثة.

 

استشاري أمراض الباطنة: عدم دخول "الحمام" لفترات طويلة يهدد بالفشل الكلوي 

أكد الدكتور أحمد عبد الباري استشاري أمراض الباطنة أن الوضع المأسوي الذي توجد عليه دورات المياه في قطاع غزة يهدد بانتشار أمراض الكوليرا والتيفود.

أما عن تأثير عدم قضاء الحاجة لفترات طويلة خلال اليوم قال عبدالباري أن ذلك يسبب مشكلات عدة تهدد بالإصابة بالفشل الكلوي، كما يؤدي إلى الإصابة بسلس البول والسيلان، موضحًا أن الشخص الطبيعي يحتاج أن يتبول من 4 إلى 5 مرات في اليوم.

كما أكد أن مريض السكر يفقد كميات أكبر من الماء من خلال البول عن غيره وهو ما يجعله يدخل "الحمام" كثيرًا مشيرًا إلى أنه وفي ظل هذه الظروف فإن الأمر يؤدي به إلى أن يقضي حاجته في أي مكان إذا لم يجد مكانًا لقضاء حاجته، إذ أن المثانة لا تتحمل زيادة بها أكثر من 800 ملي.

 

يوجد بقطاع غزة 1100 حالة مصابة بالفشل الكلوي بينهم ما يقارب 40 طفلًا 

"المصدر: وزارة الصحة الفلسطينية"

يوجد في قطاع غزة 350 ألف مريض يعانون من أمراض مزمنة من بينها السرطان والسكري بالإضافة إلى 50 ألف امرأة حامل 

المصدر:"الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني"

 

المتحدث باسم الهلال الأحمر  الفلسطيني: المساعدات في أدوات النظافة قليلة بالنسبة لأعداد المواطنين

من جانبه أوضح عبد الجليل عنجل المتحدث باسم الهلال الأحمر  الفلسطيني في حديثه "للدستور" أن هناك نقصًا شديدًا في أدوات النظافة في قطاع غزة إلى جانب النقص في المياه النظيفة مما يفاقم من أزمة دورات المياه لافتًا إلى أنه قد تم استلام حتى الآن500 شاحنة لأدوات النظافة والتعقيم من 2500 شاحنة لافتًا إلى أن هذا الرقم يعد ضئيلًا للغاية أمام الأعداد الهائلة للفلسطنيين في قطاع غزة والنازحين إلى الجنوب كما أن هناك 16 ألف نازح في مقر في خان يونس، و14 ألف نازح بالقدس، كما يوجد 13 ألف نازح في مستشفى الأمل، أما في مقرات جمعية الهلال الأحمر فهم 700 ألف نازح، وأكد حنجل على أن الوضع المأساوي الذي عليه دورات المياه كان أحد الأسباب الرئيسية في إصابة 44 ألف حالة بالنزلات المعوية حتى الآن.

 

"لمى" طفلة تقطع مسافة كبيرة سيرًا من ملاجئ الأونروا إلى المستشفيات والهدف "طابور أقصر"
 

تسير الطفلة لمى إبراهيم 7 سنوات يوميًا من إحدى ملاجئ الأونروا حيث توجد به والتي فيها تمتد طوابير الانتظار لساعات أمام دورات المياه، إلى مستشفى ناصر الطبي لاستخدام دورة المياه هناك نتيجة التكدس الأقل شيئًا ما عن نظيرتها في الملجأ متحملة في سبيل ذلك التعرض إلى أي قصف أو عدوان من قبل قوات الاحتلال.

وأكدت الطفلة أن كلًا من دورات المياه في الملاجئ والمستشفيات لا يوجد بها مياه نظيفة أو أدوات نظافة، إلا أن الاختلاف بين دورات المياه في المستشفى عنها في الملجأ هو أن مدة الانتظار لدخول دورات المياه تكون أقل بعض الشئ في المستشفى قائلة " إحنا بنمشي للمستشفى لنروح الحمام بس حتى يمكن ييجي علينا الدور أسرع".

أما عن طريقة الاستنجاء قالت الطفلة ذات السبع سنوات أنه بعد استخدامها دورات المياه تكون المناديل الورقية هي طريقة التنظيف الوحيدة وهذا إن وجدت أما إن لم توجد - وهو في أغلب الأوقات ما يحدث- يتم ارتداء الملابس بعد قضاء الحاجة دون أي طريقة للتطهير.

 

نائب عميد كلية فلسطين السابق للوبائيات: الوضع يهدد بانتشار بكتيريا "الأنتاميبا هيستوليتيكا" المميتة

الدكتور نبيل النجار نائب عميد كلية فلسطين سابقًا للوبائيات كشف "للدستور" أن القول بأن دوره المياه الواحدة يستخدمها في اليوم الواحد 200 شخص كما هو أشيع  يفتقر إلى الدقة، مشيرًا إلى أن الحقيقة تؤكد أن هناك أرقامًا مضاعفة لذلك الرقم تستخدم دورة المياه الواحدة في اليوم الواحد.

وأشار إلى أن هذا ما يؤدي إلى انتشار العديد من الأوبئة والأمراض والفيروسات ومنها الإصابة ببكتيريا "الأنتاميبا هيستوليتيكا"، التي تتسبب بعد ذلك في الإصابة بالتهابات رئوية حادة، لافتًا إلى أنها تنتقل نتيجة استخدام شخص سليم دورة المياه بعد شخص مصاب بالبكتيريا أو ملامسته أيًا من الأدوات الموجودة بدورة المياه. 

كما أكد النجار على أن هذا التكدس في دورات المياه بقطاع غزة، والوضع المزري بها يسبب أيضًا انتشار البكتيريا العنقودية، والتي قد ينتج عنها إصابة آلاف الأشخاص كما أنها قد تصبح في وقت من الأوقات مهددة للحياة إذا أصابت الأعضاء الداخلية للجسم، أو دخلت إلى مجرى الدم أو المفاصل وكذلك إلى العظام أو الرئتين أو القلب.

في الوقت نفسه أوضح النجار أن نتيجة حالة دورات المياه في قطاع غزة فقد انتشر على مستوى القطاع مرض التهاب المسالك البولية، وهو مرض ينتقل من المنطقة التناسلية ويصل إلى الحلق ثم إلى الصدر مسببًا التهابات مزمنة يصعب علاجها مثل الالتهاب الرئوي الحاد والذي قد يؤدي إلى الوفاة.

 

ناشطة: السيدات يتناولن حبوب منع الحمل لوقف الدورة الشهرية وتقليل استخدام دورات المياه

من جانبها أكدت الدكتورة سميرة السّقا الناشطة الاجتماعية ومديرة مؤسسة أمجاد في قطاع غزة "للدستور" أنه بحكم عملها فهي تساعد بعض النساء في المشكلات التي تواجههن خلال هذه الحرب، موضحة أن بين أهم تلك المشكلات هي نقص أعداد دورات المياه، ونقص أدوات النظافة بها لافتة إلى أن السيدات مثلهن مثل الأطفال يحتاجن أدوات نظافة أكثر من غيرهم.

وتابعت سميرة أن الكثير من النساء أصبحن يأتين إليها ويشتكين من معاناتهن من التهابات عدة في المناطق التناسلية خاصة وقت الدورة الشهرية إذ أنهن لا يستطعن الحصول فيها على النظافة اللازمة والرعاية الصحية الخاصة اللاتي يحتاجن إليها في تلك الفترة، وأردفت السقا أنه لذلك لجأت الكثير من السيدات إلى تناول حبوب منع الحمل لكونها تساعد في منع نزول الدورة الشهرية.

ولفتت مدير جمعية أمجاد إلى أن النقص في المياه النظيفة بشكل عام جعل حشرة "القمل" منتشرة في القطاع وتهاجم شعر أعدادًا كبيرة من المواطنين خاصة الأطفال منهم، وهو ما نتج عنه عدوى الكثيرين بهذه الحشرة وانتقالها إليهم، وذلك بالطبع دون توافر أي وسيلة لمكافحتها.

 

نزحت ما يقرب من 800 ألف امرأة من منازلهن في غزة

 "المصدر: الأمم المتحدة"

 

استشاري أمراض نساء: أقراص منع الحمل خطر على السيدات فوق الأربعين وقد تسبب السرطان 

أوضح الدكتور عمرو حازم عباسي استشاري أمراض النساء والتوليد بالمركز القومي للبحوث "للدستور" أن تناول أقراص منع الحمل غير آمن في جميع الأحوال، مشيرًا إلى أنه يسبب مشكلات صحية خطيرة على السيدات اللواتي تعانين من الجلطات، كما أنها لا تتناسب مع السيدات فوق عمر الأربعين نتيجة التغييرات الهرمونية التي تحدث لهم عند هذا السن والتي تتعارض مع تلك الأقراص، كما أنه يجب الحظر الشديد عند تناولها في حالة كان هناك تاريخًا مرضيًا بسرطان الثدي لدى السيدة إذ قد يتسبب في زيادة معدل الإصابة إذ لم يتم تناولها بحرص.

أستاذ الأمراض الجلدية: التينيا الفخذي والإيدز بين أكثر الأمراض التي قد تنتشر

الدكتورة إيمان سند استشاري الأمراض الجلدية والتجميل بكلية طب بنها أوضحت"للدستور" أن البكتيريا تجد الرطوبة فرصة قوية للانتشار ويطول مع تواجدها عمرها مشيرة إلى أن مع الاستخدام العشوائي والكثيف لدورات المياه في غزة بفسطين، ومع الأعداد الكبيرة فمن الوارد أن يتبقى بعضًا من بول شخص مصاب على قاعدة المرحاض والتي بدورها تتسبب في نقل الأمراض ومنها مرض"التينيا الفخذي"، الذي يمكنه أن ينتشر ويتولد منه أطوارًا يصعب علاجها.

أكدت سند كذلك على أن أكثر الفيروسات التي قد تنتشر في مثل هذه الأوضاع هو فيروسات الزهري والسيلان وكذلك فيروس نقص المناعة الإيدز.

ولفتت استشاري الأمراض الجلدية إلى أن استخدام المناديل في التنظيف بعد قضاء الحاجة لايمنع  فرص العدوى، إذ أنه ومع عدم توافر أماكن آمنة للتخلص من هذه المناديل سيتسبب الذباب والحشرات المختلفة بمجرد الوقوف على حامل الميكروب منها في العدوى لأي شخص يلامسه ذلك الذباب.

وعن طريقة الحل الوحيدة لتقليل فرص العدوى بعض الشئ في ظل أزمة قلة وتلوث دورات المياه أوضحت سند أن استخدام التراب في الاستنجاء، وقضاء الحاجة في موضع منخفض ثم تغطيته بعد ذلك بالتراب مثل ما جعل الله الحيوانات بفطرتها تفعل ذلك أثناء قضاء حاجتها، مما يجعل الديدان والبكتيريا لا تتناثر في الهواء مسببة انتشار العدوى.

 

“سجل 15 ألف حالة التهابات جلدية بسبب الجرب و5 آلاف التهابات جلدية باكتيرية بين الأطفال”

المصدر: أحمد المنظرى المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية

 

"ومع انتشار الأمراض التناسلية التي أكدها الأطباء والمواطنين، إلا أنه لايوجد إلى الآن إحصائية دقيقة تبين حجم تلك الإصابات"