رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطريق من "نبت" وزيرة مصر القديمة إلى "رئيسة وزراء" الجمهورية الجديدة

لا عجب ولا شك فيه أيضًا أن الحضارة المصرية القديمة هى من أولى الحضارات السباقة فى تعظيم واحترام دور المرأة فى كل المجالات، فقد نالت المرأة مكانة راقية، وصلت لاعتلائها حكم مصر، فبدأت بـ«مريت نية»، مرورًا بـ«سبك نفرو» و«حتشبسوت»، والكثير من السيدات العظام التى استطعن تخليد أسمائهن فى تاريخ وأمجاد مصر القديمة.

كما استطاعت المرأة فى الحضارة القديمة أن تعتلى أكبر المناصب فى الدولة، وتشهد على ذلك «نبت» أول سيدة تتولى منصب وزير العدل، وكان حينها منصبًا رفيع المستوى، ولم تكتف المرأة بالوصول لأعلى المناصب فى الدولة وحسب حينها، بل أفسحت لنفسها المكانة فى كافة المجالات الطبية والزراعية والتعليمية، وعلى قدر نظرة المجتمع حينها للمرأة على قدر ما نالت من مساواة حتى فى الأعمال المرتبطة بالدين، فكانت المرأة كاتبة وكاهنة وعاملة بالمعابد، وزوجة الإله، بل كان كثير من الآلهة القديمة التى آمن بها المصريون حينها هى من الآلهة الإناث كـ«إيزيس» على سبيل المثال.

ولا عجب أيضًا إن قلنا إن مكانة المرأة فى مصر القديمة كانت سباقة لوضع النساء فى جميع الحضارات، والثقافات الأخرى، بل وسباقة لأى عصر آخر فى حياة المرأة المصرية ذاتها، فكانت المرأة قديمًا تنعم بحقوق كاملة فى القانون، ومفاهيم المجتمع الثقافية والمعيشية، بل تمتعت بمساواة وإنصاف حقيقى نابع من القيم التى تبناها واعتقد فيها المصرى القديم، دون أن تخوض نزالًا لنيل أى استحقاق أو مكانة حظيت بها قديمًا.

ومع الأسف هذه الثقافة حُرّفت، وزيفت ومزجت، ودمجت بما لم نسمع به فى الأولين، خصوصًا فى مطلع القرن الرابع الميلادى نتيجة فرض هيمنة الثقافة الرومانية القديمة، واعتلاء مفاهيم الذكورة والسيطرة الأبوية على المجتمع المصرى التى أخذت فى التزايد رويدًا رويدًا، حتى القرن السابع الميلادى وباتت تلك المفاهيم الملوثة فكرًا وقيمًا ومضمونًا عن المرأة هى والمجتمع المصرى كنسيج العنكبوت، كلما تخلصنا من عش التصق بنا، وتمكن من نسج خيوط أكثر قوة وأشد مما سبقها.

ومن هنا بدأت المرأة المصرية فى عهد مظلم ليس بعهدنا وليس بديننا، ولم يولد بأرضنا ولكننا توغلنا فى دروبه، وأصبح أى قبس من نور هو فتنة يراد بها إغواء نسائنا فى نظر المجتمع.

إلى أن قررت المرأة المصرية فى عام 1919 أن ترفع صوتها، وتعلن عن وجودها، وتتمرد على هذا العهد البائد، وتشعل أول شرارة فى هذا الظلام الدامس، حينما شاركت أكثر من 300 سيدة فى المظاهرات ضد الاحتلال الإنجليزى، ومن حينها باتت المرأة المصرية فى نضال مستميت على نيل حقوقها، وربما استطاعت نيل بعض الاستحقاقات المبدئية فى التعليم وبعض الأعمال البسيطة، وظلت بعيدة عن أى استحقاق سياسى حتى عام 1956 حينما سمح وأقر الدستور وقتها بالحق الانتخابى للمرأة المصرية لأول مرة، إلى أن تمكنت الرائدات المصريات الأوائل أمثال «راوية عطية، وأمينة شكرى» من الوصول لكرسى البرلمان للمرة الأولى فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية، واستمرت المرأة فى مشوار نضالها النسوى طوال السنوات السابقة محققة إنجازًا هنا، أو تنال استحقاقًا هناك، وتصد هنا وتقاوم هناك ردًا عن آلاف الحجج، والأسباب الواهية التى اختلقتها مقاومة السيادة الأبوية، والسلطة الذكورية التى تحاول أن تدافع على هيمنتها الزائفة على مدار عقود بائدة فى التاريخ.

وتلك الرحلة الطويلة التى خاضتها النساء لنيل العديد من الاستحقاقات الحقوقية التى تتنوع ما بين الحقوق التعليمية والصحية، والوظيفية، والقانونية، والجسدية، والسياسية، والحماية من العنف بكل أشكاله ساعدت فيها أيضًا عوامل كثيرة ما بين تدخل من المجتمع المدنى تارة بنضال موازِ، وما بين إلزام دستورى تارة أخرى، وما بين تعهد حكومى وخطوات حثيثة تجاه قضايا المرأة.

إلى أن امتزجت كل هذه المساعى من كل الأطراف ونضال النسوة مع وعى وإيمان شديد من القيادة المصرية الرئيس «عبدالفتاح السيسى» منذ توليه مقاليد الحكم بأهمية دعم المرأة المصرية فى كل الأصعدة والمجالات بشكل غير مسبوق، واستطاعت المرأة فى هذا العهد الذى أطلق عليه «العهد الذهبى» للمرأة المصرية، الوصول لمواقع صنع القرار وإثبات كفاءتها التى طالما حوربت بها ومنع عنها كل حق مؤكد، واستحقاق بحجة الكفاءة، إضافة لطرح عدد من الاستراتيجيات القومية لدعم حقوقها ومكافحة العنف تجاهها، وتعديل عدد من القوانين بالأحوال الشخصية، والمواريث والجنايات وإطلاق عام كامل للمرأة للتركيز على قضاياها، وكذلك الاهتمام الواضح بالمرأة المعيلة.

وإن توغلنا قليلًا فى الاستحقاقات الاستثنائية، فسنجد أعلى نسبة تمثيل برلمانى للمرأة المصرية ووزارى أيضًا بحقائب وزارية ومساعدين ومعاونين، بل ووصول المرأة لمنصة القضاء فى كل المحاكم إضافة للنيابة العامة، ومجلس الدولة واستطاعت المرأة صيد مناصب مهمة وجديدة عليها كمحافظين، ونوابهم ومعاونيهم، ونواب رئيس البنك المركزى ومجلس الشيوخ، إضافة لمهام استشارية رفعيه ومهمة للرئيس كمستشار الأمن القومى، كما وصلت لأول مرة لمنصب مساعد أول لرئيس الوزراء المصرى.

وبما أننا فى خضم فترة انتخابية واستحقاق رئاسى ووعود ما زالت موجودة لخريطة أفضل للمرأة المصرية فى أعوامها القادمة، وأحلام قوية، ويقين راسخ لدى النساء أن عصرهم الذهبى لم ينقض بعد، بل هو قادم ومستدام فى ظل قيادة أثبتت أنها قادرة بإرادة سياسية، وعزيمة وقناعة شخصية، على تغيير مسار حياة النسوة فى مصر وكسر كل التوابيت الفكرية البالية التى عانت بسببها المرأة كثيرا فيما سبق، وإعطائهم تأشيرة خضراء فى كل الاستحقاقات التى حجبت عنهم بتهاون سياسى واضح وتراخ فى تنفيذ ما ألزمه الدستور، والقانون للنساء فى مصر.

فهل يا ترى ستكون الفترة القادمة هى فترة تعلو فوق أمجاد الحضارة التى أوجدت الوزيرة «نبت»، ويتحقق الحلم بوجود «أول رئيسة وزراء مصرية»؟

وهل ستتولى المرأة المصرية مناصب لم تصل لها من قبل، وهل سيخط حبرها على قرارات بمؤسسات لم يسمع رأى لهن فيها سابقًا؟

ولا عجب أن صدقنا أننا سنرى ذلك، فمن غيره قال وفعل دون تلاعب بالأحلام، وإسهاب بالوعود، ومن بحق سيجعلنا نصدق أنه يستطيع أن يرسى أمجاد الحضارة القديمة، ويجريها فى مدن الجمهورية الجديدة بأكملها.
إننا على يقين كنسوة أن عصرنا قد جاء، ولكنه لم ينته بعد، فما زال للحلم بقية، وللتاريخ صفحات ستكمل، وسنكون بإذن المولى عليها من الشاهدين، حين نخلد أسماء لرائداتنا الأوائل الحاليات منهن والقادمات اللواتى ستلمعن دومًا فى سماء الجمهورية الجديدة فى عديد من المهن والمناصب للمرة الأولى فى التاريخ المصرى.