رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأشياء التى تهم عموم المواطنين

هناك أشياء تهم المواطنين جميعًا، وأخرى تهم طوائف منهم؛ فالفنانون والمثقفون، مثلًا، يهتمون بالفن والثقافة حصرًا، ولكنهم يشاركون المجموع في الاهتمام بالأحوال المعيشية، كالمسكن والمطعم والمشرب والملبس والدواء، يمكننا إذن عدم اعتبار الفن والثقافة ضمن الأشياء التي تهم عموم المواطنين، واعتبار الأحوال المعيشية ضمن ما يهمهم جميعًا، هكذا ببساطة حتى يستوعب القارئ المقصود بغير تعب! 
المشكلة أننا لا نستضيف الفنانين والمثقفين للحديث عن الأحوال المعيشية التي يتضمنها اهتمامهم، لكننا نستضيفهم للحديث عن مجالاتهم وحسب، مع أن لهم رأيًا معتبرًا بالتأكيد فيما يخصهم ويخص الناس من جانب المعيشة، كما أننا لا نستضيف عموم المواطنين للحديث عن معيشتهم، لنقل إن عموم المواطنين هنا هم البشر العاديون، وهم الكثرة الكاثرة في كل مجتمع، نحن لا نستضيف هؤلاء للأمانة في نطاق المعيشة ولا أي نطاق آخر، نحن نهملهم ونقتلهم، كما نهمل الفنانين والمثقفين ونقتلهم إذ نحصرهم في مجالهم الذي يعملون فيه، في حين أن الصورة الظاهرة تعكس أننا نرعاهم ونحييهم، وبالمناسبة فإنها هى الصورة التي تقربهم إلى الناس قدر ما تبعدهم عنهم؛ تقرب فنونهم وثقافتهم، وهذا مطلوب وجميل طبعًا، لكنها، في الوقت نفسه، تبعد قمتهم عن الأرض التي يسير فوقها الناس وهذا بغيض؛ فهم في الغنى والشهرة، ولو سمعة، والناس في الفقر وخمول الذكر، وليتهم يتكلمون عن الشيء الذي يجمعهم ببقية خلق الله، أعني الأحوال المعيشية، لكنهم يتكلمون عن أعمالهم وما يتصل بها فقط، لا أنقم من كلامهم بالطبع وقد أنقم ممن يديرون الحوار، وأحب أن يتكلم الفنانون والمثقفون، ضمن ما يتكلمون، عن شق حياتي ضروري يربطهم بالناس رباطًا وثيقًا.. 
يستحق المواطن العادي أن يكون نجم برامج هو الآخر، يستحق بالفعل، ومن الظلم الفادح أن تغلق البرامج أبوابها في وجهه وتفتحها على مصاريعها للآخرين، مع كامل التقدير للجميع، ولا أدري إلى أي وقت سنترك الناس الطيبين المهمومين يكلمون أنفسهم في الشوارع، ونحرص على التوسع في برامج متخصصة، تهم طوائف من الناس ولا تهم الناس أجمعين، العدالة تقتضي أن نستمع إلى أصوات المعذبين أيضًا، وفي الاستماع إليهم ما يخفف آلامهم، وأما أن نجعل برامجنا كلها في خدمة طائفة من الطوائف، أيًا كانت، وبدون أن نفتح معها كلامًا حميمًا يمس معيشتنا كلنا؛ فهذا وضع مستفز، بل يثير شكوكًا قوية في العقل الذي يهيمن على المنظومة الإعلامية ببلادنا!   
لا أريد أكثر من أن نركز على ما يجمعنا أكثر من تركيزنا على سواه، وقد أكون ملزمًا الآن بتوضيح موقفي من الفن والثقافة، وأصدقائي من الفنانين والمثقفين، فأقول إنني ابن الحكاية في الصميم، وأبجلها تمامًا، بيد أنني أرفض التخصيص الضيق، وأحبذ أن أكون وعموم المواطنين على حد سواء

[email protected]