رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شوقى علام: الدولة تعاملت مع «اعتصام رابعة» بطريقة راقية.. وفضه حافظ على المجتمع

الدكتور شوقى علام
الدكتور شوقى علام

وثّق الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، شهادته على التجربة المصرية خلال فترة حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى، خاصة ما يتعلق بدعوته لتجديد الخطاب الدينى، واصفًا إياه بأنه أول رئيس جمهورية يهتم بالملف الدينى صراحة، من واقع إدراكه لدوره الكبير فى المجتمع.

وعَرج «شوقى»، خلال استضافته فى برنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز، على قناة «إكسترا نيوز»، على فترة حكم جماعة «الإخوان» الإرهابية، مشيرًا إلى أنه عندما دخل قصر «الاتحادية» فى عهد محمد مرسى، لم يشعر بـ«هيبة الدولة».

تولى شوقى علام مهام منصبه فى مارس عام ٢٠١٣، بعد انتخابه بالإجماع من قبل أعضاء هيئة كبار العلماء، وكان يشغل آنذاك منصب رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر فى طنطا.

وخلال حواره، أيضًا، تحدث مفتى الديار المصرية عن رأى الشرع فى اعتصام «رابعة» وفضه، الذى جاء للحفاظ على المجتمع من خطر كبير، واصفًا ما فعله مؤيدو جماعة «الإخوان» الإرهابية بعد الفض بأنه جريمة كبرى من الناحيتين القانونية والشرعية.

 

■ صرحت من قبل بأنك لم تشعر بهيبة الدولة عند دخول قصر الاتحادية فى عهد محمد مرسى.. ما دلالة هذا التصريح؟

- عندما يعيش الإنسان تجربتين يكون الحكم صحيحًا وموثقًا وناتجًا عن رؤية حقيقية، وأنا عشت تجربتين، الأولى قصيرة لمدة ٤ أشهر، سبقتها تجربة حكم، وتلتها تجربة أخرى. 

لا أتحدث عن الجوانب الشكلية فقط، لكنها فى الغالب تكون امتدادًا للجوهر، وبناءً على ذلك عندما يكون هناك انطباع معين، فبلا شك من خلفه أشياء دفينة نضحت بطبيعتها على الشكل.

وبعدما توليت منصبى بحوالى ٢٠ يومًا، ذهبت إلى قصر «الاتحادية» لمقابلة الرئيس محمد مرسى.. قصر الحُكم له هيبة خاصة فى أى دولة، لكننى لم أجدها فى «الاتحادية» أثناء حكم «مرسى».

لا بد أن يكون لقصر الحكم نمط معين من التعامل، ليس على مستوى الشكل الخارجى والترتيبات، بل فى كل التفاصيل؛ بداية من دخول الباب. يجب أن تشعر بأن هذا هو قصر الحكم، يجب أن تشعر بالترتيب فى كل التفاصيل، لأن هذا قصر الحُكم، وكما قُلت، أنا هنا لا أركز على الجانب الشكلى، بل هو امتداد للمضمون والجوهر.

كما ظهر العديد من الأشياء خلال هذه الفترة يعكس وجود إشكالية، ربما أدركها كل الشعب المصرى، مثل تلك القرارات التى اتُّخذت آنذاك، على رأسها الإعلان الدستورى وجعل قرارات الرئيس «محصنة» بشكل معين.

وكل هذا أثبت أن «الإخوان» خلال فترة حكمهم مصر، لم تكن لديهم قراءة دقيقة لتاريخ الدولة، فمصر دولة ذات تاريخ عريق، ولا بد أن تنسجم مع هذا التاريخ، وتعالج أمورك بحكمة، وليس العبث بما لدينا من تجربة دستورية عريقة، فى مشهد يعكس عدم إدراك قيمة الدولة.

■ وماذا عن رأيك فى اعتصام «رابعة» الإرهابى وطريقة فضه؟

- ببساطة شديدة جدًا، الأمر يرجع إلى رؤية وفهم الدولة هذا الموقف، ووفقًا للإرادة الشعبية التى قالت: «توكل على الله، إذا ما كانت الدولة تحتاج إلى أن تدفع كل شر عنها»، لذا كان يجب على الدولة أن تتخذ الإجراءات اللازمة ضد أى خلل.

الدولة المصرية تعاملت مع اعتصام «رابعة» بطريقة راقية، كنت أعيش فى مكان قريب من الاعتصام، ورأينا الخوف وقطع الطرق، وغيرهما من الأمور التى تقلص من حق الدولة المسنود شرعًا وقانونًا ودستورًا.

لذا عندما تتخذ الدولة إجراءات مواجهة هذا الاعتصام، هى بذلك تحافظ على المجتمع، الذى كان على محك الخطر فى هذه اللحظة.

■ هل كنت ترى أن معتصمى «رابعة» خارجون على الشرع؟

- أصلت لهذه المسألة فى التصرفات النبوية، فالرسول- عليه السلام- منذ اللحظة الأولى، جعل الأمر مقصورًا على صورته، لأنه جامع بين صفة ولى الأمر والحاكم والرئيس، وبين صفة المُبلغ الشرعى عن رب العالمين ومتلقى الوحى، وبين الإفتاء.

الإمام القرافى- رحمه الله- عندما ألف كتابًا أسماه: «الإحكام فى تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضى والإمام»، قصد تمييز التصرفات النبوية الأربعة، وهى الوحى والقضاء والفتوى والولاية.

والحباب بن المنذر عندما كان يحاور النبى- عليه السلام- فى أمر العسكرة والنزول فى مكان معين خلال معركة «بدر»، وجدناه يشير لهذا التمييز، عندما سأل إذا ما كان الله اختار هذا المكان أم لا، قائلًا: «أمنزلًا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأى والحرب والمكيدة؟».

وبالتالى، فإن أمور الدولة ومصلحتها، سواء كان هذا من خلال النقاش بصورته البسيطة سالفة الذكر، أو عبر مجالس متخصصة ومراكز أبحاث بالصورة المعمقة المعقدة الآن مقارنة بما سبق، ينبغى أن تكون للدولة دون غيرها، وفقًا لما ينص عليه الدستور والقوانين واللوائح الموجودة، وهى المقومات التى تقوم عليها «الدولة الحديثة».

■ بعد الفض جرى الكثير من أعمال نشر الفوضى والتخريب واستهداف مؤسسات الدولة.. كيف رصدت ذلك؟

- أعمال التخريب ونشر الفوضى واستهداف مؤسسات الدولة من قبل «الإخوان»، من منظور الشرع، هى جريمة كبرى، ولا يمكن أن يقرها شرع ولا عقل ولا قانون، فرغم أن الكثير من الناس يجعل القانون فى ناحية والشريعة فى ناحية أخرى، فإننى أؤكد أنهما متلازمان.

لدينا منظومة قانونية رصينة تحرص على تطبيق الشريعة، وأن يكون كل قانون متوافقًا مع المادة الثانية من الدستور، وإذا لم يوافقها، فإن السلطة التشريعية تلاحقه ويمكن أن تلغيه، وبالتالى أنت أمام ضمانات وضعها القانون.

وبالتالى، هذه الأعمال جريمة قانونية وشرعية، وكل تخريب حدث للمال العام جُرمة أكبر فى الشريعة، لأن الملكية الخاصة يمكن أن يتنازل عنها صاحبها، لكن المال العام أشد خطرًا. 

مشايخى ببساطتهم، وهم يعلموننا فى عام ١٩٨٥، طلب منا أحدهم إغلاق أقلام الحبر حتى لا تجف لأنه مال عام.. فكرة المال العام راسخة فى الشريعة ومضمونة ضمانًا كاملًا، باعتبار أن الاعتداء على المال العام، أيًا كانت صورته، هو جريمة كبرى.

■ «تجديد الخطاب الدينى» هو ملف فتحه الرئيس السيسى بعد توليه السلطة.. كيف تلقيت الفكرة؟

- الرئيس عبدالفتاح السيسى كان أول رئيس يهتم بالملف الدينى صراحة، الذى كان يُدار فى دواليب العمل الحكومى المعتادة، من ناحية الموازنة والخطط التى تدفعها الدولة لكل مؤسس، لكن الرئيس أدرك الدور الكبير للمؤسسة الدينية وآثارها، لذا رأى ضرورة إحداث «ثورة جديدة فى الخطاب الدينى»، فنادى بتجديد هذا الخطاب.

وقرأت دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى لتجديد الخطاب الدينى من عدة نواح، أولاها ضرورة الحفاظ على الثوابت، والانطلاق فيما هو متغير ومختلف فيه، بجانب ضرورة وضع النقاط على الحروف، و«غربلة» ومكافحة كل الأفكار التى علقت فى أذهان المصريين، مما ليس صحيحًا فى الإسلام، وذلك لرغبتنا فى أن تكون الصورة التى تصدر عن الإسلام فى الداخل والخارج حضارية، سواء فى صورة فتاوى للداخل، أو خطاب إلى الخارج.

لا بد من الانطلاق نحو فكرة توصيل الصورة الحضارية التى ورثناها عن النبى، عليه السلام، مع القراءة الجيدة لكل مرحلة من مراحل الإسلام، مرحلة النبى عليه السلام، مرحلة الصحابة وكيف واجهوا الحياة بعد الرسول، كى نرى القواعد التى ارتكزوا عليها فى إدارة الدولة، وكيف فعلوا بعد أن انقطع الوحى، وتفاعلوا بكتاب الله وسنة النبى مع واقع شديد التغيير لم يكن موجودًا فى وقت النبى.

كانت هناك ولايات توجد بها صراعات وأخرى هادئة، وثالثة بها نقل حضارات وبحث علمى متقدم فى كل المناحى العلمية، سواء طبًا أو دينًا أو حياة.. فى كل منها وجدنا فتاوى كثيرة تتناسب مع المرحلة التى ظهرت فيها، لكن بعض الطوائف فى الوقت الحاضر تريد استجلاب هذه الفتاوى وتطبيقها الآن.

الإسلام الحقيقى أتى لصالح الإنسان، لذا يمكن القول إن الإسلام الذى تصدره جماعة «الإخوان» الإرهابية ليس صحيحًا، بعكس عصور إسلامية سابقة، ارتفعت فيها القيم والتنمية الكاملة الشاملة فى كل العلوم الشرعية والثقافية على حد سواء.

«الشريعة الإسلامية جاءت لجلب المنافع للخلق»، وهذه الجملة نتيجة لمنهج «الاستقراء»، الذى استطاع الإجابة عن كل الأسئلة التى تعلقت بما أباحته الشريعة الإسلامية وما حرمته، لذا الإسلام انطلق فى منهجه من مبدأ «الوقاية والعلاج»، وجاء ليبنى الأمة، والانطلاق إلى الآفاق بشخصيته الذاتية، ودفع كل ما يحاول أن يهدم ما يؤسسه.

■ كلٌ أخذ دعوة تجديد الخطاب الدينى وفقًا لهواه.. كيف تبلورت الفكرة لدى دار الإفتاء؟

- على المستوى الرسمى الذى انطلق منه، اعتبرت دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى لتجديد الخطاب الدينى تكليفًا ستسير عليه الدولة الفترة المقبلة، واعتبرت نفسى ومؤسسة دار الإفتاء مسئولين عن العمل على تنفيذ هذا التكليف، بداية بما يتعلق بخلفيته الفقهية، ثم تحويله وصياغته فى شكل برامج، ننطلق منها إلى الهدف الذى وُضع لدار الإفتاء المصرية، وعملها على استقرار المجتمع ما أمكننا ذلك.

لذا كان التعامل مع هذه الدعوة الرئاسية منذ اليوم الأول بشكل جدى وصارم، مع تأكيد أن المسئولين عن تجديد الخطاب الدينى هى مؤسسات الدولة الدينية، وهى: الأزهر الشريف، ودار الإفتاء المصرية، ووزارة الأوقاف، وأؤكد أن الجميع أخذ حديث الرئيس عن تجديد الخطاب الدينى بجدية، وعمل على تحقيقه على أرض الواقع.

■ ما الذى فعلتموه فى دار الإفتاء لتحقيق هذا الهدف؟

- الرئيس عبدالفتاح السيسى ألح وتحدث أكثر من مرة عن رغبته فى تجديد الخطاب الدينى، وبالتالى الأمر كان يحتاج إلى إعادة نظر فى الهيكل الإدارى لدار الإفتاء المصرية، حتى يكون هذا الهيكل قادرًا على تنفيذ هذا الهدف.

كانت هناك تساؤلات حول ما إذا كان العمل سيكون على نطاق القاهرة أم سيتم الانتشار فى المحافظات، لذا أقيمت فروع لـ«الإفتاء» فى مختلف محافظات الجمهورية، مثل فرع الدار فى مطروح، مع العمل حاليًا على افتتاح فرع آخر فى السويس، علمًا بأن هناك تسهيلات كثيرة تُقدم من قبل المحافظين لسرعة افتتاح هذه الفروع.

كما كانت هناك فكرة لافتتاح فرع لدار الإفتاء فى إحدى الجامعات لخدمة طلاب العلم، وبالفعل تم افتتاح هذا الفرع مع مد نطاق عمله ليشمل خدمة المجتمع بأكمله، دون الاقتصار على المجال العلمى أو نطاق الباحثين فقط.

كما عملت دار الإفتاء على تأهيل الكوادر التابعة لها لبناء البرامج الخاصة بتجديد الخطاب الدينى ونشرها فى المحافظات، وتم بالفعل إرسال هذه الكوادر إلى المحافظات لمقابلة الجماهير وتصحيح مفاهيمها.

كذلك كان يتم استقبال الأبناء للتدريب فى مقر دار الإفتاء، وكل هذا كان فى إطار تنفيذ التكليف الرئاسى بتجديد الخطاب الدينى، وسط حرص شديد، منذ اليوم الأول لدعوة الرئيس، على أن يكون العمل جماعيًا مؤسسيًا وليس فرديًا.

■ وماذا عن فكرة تأسيس «الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم»؟ وكيف كان الإقبال عليها؟

- الخطاب الدينى يحتاج إلى وجهات مشتركة، وأن يكون هناك تبادل فى الآراء، بحيث لا تكون هناك فتوى موحدة، لأن الفتوى تتغير باختلاف الزمان والمكان، لذا أنشأنا «الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم»، بهدف إيجاد كيان موحد يتم تحت ظله مناقشة بعض الموضوعات وصياغتها بصورة دينية إسلامية، ثم بثها إلى جميع دول العالم.

هى كيان لجميع المفتين حول العالم تحت مظلة واحدة وقيادة مصرية، فمقر الأمانة فى القاهرة، ورئيسها وأمينها العام مصريان... وكان هناك تجاوب من ٢٣ عالمًا من مختلف دول العالم، لذا يمكن القول إن الإقبال كان وما زال كثيفًا على الأمانة، التى تضم الآن فى عضويتها ٨٠ دولة.

كيف تفاعلت مع ثورة «30 يونيو» ؟

- قبل «٣٠ يونيو» كنت أرى أن المجتمع مُقبِل على «حرب أهلية»، فقد كان هناك نزاع شديد جدًا، والفرقة بدأت تظهر بوضوح، كما أن شركاء الوطن بدأوا يواجهون أشياء معينة، لذا يمكن اعتبار أن «٣٠ يونيو» مرحلة تاريخية فاصلة، عكست رغبة وإرادة الشعب المصرى، الذى أراد التغيير بعد فترة وجيزة من حكم «الإخوان».

المصرى بخبرته ومشاعره الحقيقية استطاع أن يميز ما يمكن أن يقود إلى صالح هذا البلد، وما يمكن أن يقود لغير صالحه، لذا خرج الإنسان المصرى، سواء البسيط أو المثقف، كل المواطنين خرجوا، بعد تجربة سنة واحدة من حكم «الإخوان»، وكأنهم استشعروا الخطر وأرادوا إنقاذ مصر.

كل ذلك استدعى من دار الإفتاء المصرية فى هذا الوقت، الوقوف بجانب الإرادة الشعبية والدولة المصرية، لأنه من واقع خبرات طويلة ورثناها فى الدار، نابعة عن تحليل الكثير من الفتاوى، وجدنا أن استقرار المجتمع هو الأهم، وأن الفتوى لا بد أن تكون محفزة على الاستقرار المجتمعى وفاعلة فيه.

«الإفتاء» اعتبرت دعوة الرئيس لتجديد الخطاب الدينى «تكليفًا رسميًا» وسارعت فى تنفيذه