رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بصيص أمل من الهدنة فى قطاع غزة

قد تكون الهدنة المؤقتة الأولى لمدة ٦ أيام قصيرة بين إسرائيل وحماس، إلا أنها كانت ثمرة جهد مشترك وحثيث قام به الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتعاون فى هذه الصفقة مع أمير قطر ورئيس أمريكا لتبادل الأسرى بين الجانبين، وهى أيضًا هدنة لتوصيل المساعدات إلى أهل غزة المحاصرين تحت الاحتلال الإسرائيلى، الذين وضعهم الرئيس السيسى والشعب المصرى كأولوية لدعمهم ومساندتهم على كل المستويات الدولية والإنسانية وصولًا إلى حل عادل لقضيتهم، وهو حل إقامة الدولتين، دولة فلسطينية وأخرى إسرائيلية، وهو الحل الذى أعلنه للعالم من قلب القاهرة، وأثناء انعقاد قمة القاهرة للسلام فى ٢١ أكتوبر، تضامنًا مع قضية الشعب الفلسطينى، الذى قطع الاحتلال عن أبنائه المياه والوقود والكهرباء والغذاء والكساء، والذى يواجه أسوأ ظروف معيشية غير كافية وغير آدمية، مع ممارسات وحشية بعد نزوح غالبيتهم بسبب القصف الإسرائيلى من الشمال إلى جنوب قطاع غزة، لكن الجهود يمكن أن تفضى إلى نتائج على المدى الطويل لو تصاعد الضغط الدولى على إسرائيل.

فالمأساة الحالية التى تواجه أهل غزة ليست فقط وجود مجرد هدنة مؤقتة لمدة ٦ أيام لتبادل الأسرى بين الجانبين، لكنها هدنة ستة أيام فى الحرب الشرسة الدائرة الآن من الجانب الإسرائيلى على أهل فلسطين، وشراسة الاحتلال الإسرائيلى التى أدت إلى مقتل شهداء كثيرين. هذه الحرب الدائرة الآن تعتبر أسوأ وأقبح حرب قتالية رأيناها فى القرن الواحد والعشرين، بل وربما أسوأ الحروب المعاصرة على الإطلاق، وهى أيضًا أسوأ حرب وأكبر خسائر بشرية من المدنيين الفلسطينيين منذ احتلال الأرض الفلسطينية، الذى أسفر عن ترك قطاع غزة والضفة الغربية فقط للفلسطينيين، والذين يعيشون فى فقر مدقع وبطالة وأحوال معيشية سيئة بالنسبة لكل الشعوب.

إن الكارثة الإنسانية التى تحدث حاليًا فى قطاع غزة لا بد من وقفة لها من المجتمع الدولى، ولكن أين هو ضمير المجتمع الدولى الذى لم يستطع حتى الآن أن يصدر قرارًا واحدًا بوقف القتال من منظمة الأمم المتحدة، أو إدانة الإبادة التى تقوم بها إسرائيل بحق الشعب الفلسطينى، وما نراه من سيطرة أمريكا على مقدرات العالم الآن؟، وربما يستيقظ المارد الروسى والصينى للضغط على إسرائيل ومساندة الشعب الفلسطينى فى قضيته العادلة، وربما تستيقظ بعض الدول الأخرى ذات المكانة الدولية المهمة أو الفعالة، لإيقاف المجزرة والإبادة الجماعية التى ترتكبها إسرائيل فى حق الشعب الفلسطينى والأبرياء المدنيين من الأطفال والنساء، والذين يُقتلون فى كل لحظة نتيجة القصف الإسرائيلى المستمر بالطائرات عليهم، وهدم البيوت فوق رءوس ساكنيها.

إن الهدنة التى بين الطرفين «حماس وإسرائيل» لم تكن نتيجة اتفاق لوقف إطلاق النار الطويل لمدة ٤ أيام فقط، لكنها كانت بجهود مصرية مضنية لتوصيل المساعدات إلى داخل القطاع لأهالى غزة المحتجزين فيها، والمحاصرين من القوات والدبابات الإسرائيلية، وتضمنت مختلف الفضائيات ووكالات الأنباء فى مختلف أنحاء العالم إشادات دولية بالجهود المضنية التى يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسى لتنفيذ الهدنة ثم تمديدها، والسعى لتوصيل المساعدات الإنسانية بكميات أكبر من السابق إلى سكان غزة.

وتم بالفعل تمديد الهدنة لمدة يومين إلا أن إسرائيل لم تتوقف عن ممارساتها الوحشية على المستشفيات وترحيل المصابين والجرحى إلى مستشفيات الجنوب بما يفوق طاقة استيعابها، وأيضًا عرقلة وصول المساعدات الإنسانية، والتى تم الاتفاق عليها وهى ٣٠٠ شاحنة يوميًا تدخل من مصر عبر معبر رفح، وتزايدت المساعدات من عدد من الدول العربية بشكل أكبر عن ذى قبل، إلا أن مسئولة الصليب الأحمر الفلسطينى قالت إن المساعدات الإنسانية التى بلغ عددها ١٦٠ شاحنة، والتى وصلت فى اليوم الأول للهدنة، لا تكفى، وإنهم بانتظار وصول مساعدات تكفى لأهل فلسطين المحتجزين من قبل الاحتلال الوحشى.

ومن المؤكد أن التاريخ سيسجل الدور الشجاع والمساند على كل المستويات، والفعال والإنسانى الذى قام به الرئيس عبدالفتاح السيسى، حيث بلغ حجم المساعدات المصرية من القوافل ٧٠٪ من جملة المساعدات الدولية التى تدخل، أو التى خُصصت لإنقاذ حياة أهل قطاع غزة، والتى تدخل من خلال معبر رفح المصرى، ويشرف عليها متطوعون من الشباب والشابات بكل حماس وهمة.

كان الرئيس عبدالفتاح السيسى قد نبه العالم إلى أنه لا حل إلا حل الدولتين، كما رأينا على الشاشات عند معبر رفح المئات من الشبان والشابات الذين يقفون متطوعين ليسهلوا دخول الشاحنات، ويشاركوا أيضًا فى فحص كل شىء، والتعبئة الضرورية للإمدادات، بحيث يكون كل شىء مطابقًا لمواصفات الصليب الأحمر الدولى، كما نرى طوابير الشاحنات قد بدأت تدخل، إلا أن الحياة بداخل قطاع غزة هى أقرب إلى مأساة إنسانية بالنسبة للأطفال، بسبب نقص الوقود والأدوية والماء وألبان الأطفال والأغذية، كما تم أيضًا إغلاق المستشفيات الفلسطينية، وتقوم مصر حاليًا أيضًا بمعالجة الحالات المستعصية، وإن كنا رأينا بعض مشاهد لأمهات فلسطينيات تنفطر لها القلوب يؤكدن أنه مطلوب زيادة المساعدات لتوفير الغذاء والكساء والمياه والوقود للطهو، حتى الآن لم يتحرك المجتمع الدولى بشكل فعال للضغط على إسرائيل لتوقف القتل والقمع، ومن ناحية أخرى بدأ بصيص أمل فى إنقاذ الفلسطينيين، قد يتزايد مع الأيام المقبلة، فهناك تعليقات بدأت تظهر لحل الدولتين الذى طالب به مرارًا الرئيس السيسى ووقف الممارسات الإسرائيلية البربرية.

ووسط هذه التعليقات الدولية، التى ترفض استمرار القتال وقتل المدنيين ونقص المساعدات، جاء تعليق قاله أنطونيو جوتيريتش، أمين عام منظمة الأمم المتحدة، أمس الأول، حيث قال: «إن تمديد الهدنة بين إسرائيل وحماس هو بصيص أمل وسط ظلام الحرب»، إلا أنه أكد فى نفس الوقت أنها غير كافية للوفاء بالاحتياجات المتعلقة بالمساعدات للفلسطينيين بقطاع غزة.

وقال أيضًا إنه لا يعتقد أن هناك حلًا فى قطاع غزة سوى حل الدولتين، ومن ناحية أخرى، ووسط تباين الآراء وبزوغ تغير يشير إلى خلاف بين إسرائيل وأمريكا حول الرأى أبداه بايدن حول إعلان دولة فلسطينية يديرها الفلسطينيون فى غزة كحل بعد وقف القتال، إلا أن الرئيس السيسى قد طالب العالم مرة أخرى بحل، فى تقديرى قد يلقى قبولًا دوليًا، حيث طالب بإقامة دولة فلسطينية فى قطاع غزة يديرها الفلسطينيون منزوعة السلاح. 

كما طالب العالم مؤخرًا، بعد سريان الهدنة الأولى، بتمديد الهدنة وصولًا إلى وقف الحرب الدائرة إنقاذًا لأهل غزة من الدمار، وبدء مسار سياسى، وللحل الوحيد العادل الذى أكد أنه لا حل غيره وهو إقامة الدولتين، وفى تقديرى أن هذا المطلب سيلقى قبولًا وتأييدًا دوليًا حتى بين حلفاء أمريكا ذاتها من الدول الغربية، حيث تتصاعد وتيرة المعارضة الدولية والمظاهرات فى الشوارع بالمدن الكبرى ضد ممارسات إسرائيل الوحشية ضد المدنيين العزل وقتل النساء والأطفال، وهدم البيوت وضرب المستشفيات والمدارس خرقًا لكل القوانين الدولية.