رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عندما خاطبت مصر العالم على الهواء

منذ اشتعال أحداث كارثة الحرب على غزة وتعاقب تداعياتها، وانفجار وجنون عملياتها وسقوط الضحايا بين مصاب وشهيد، وردود الأفعال على الجانب المصري في الشارع وعلى المستوى الحكومي والرئاسي كانت غاية في الوضوح بروعة أداء وشفافية وسرعة إعلان مواقف باتت جميعها كاشفة لعمق الوطنية المصرية والصلابة العروبية وإنسانية الانحياز لأهل البلد الأصليين الذين يقاومون حرب إبادة.
رغم غرابة وبشاعات ما يحدث على الأرض من الجانب الإسرائيلي من حيث عدم مراعاة التكافؤ، أو ما يطلق عليه العسكريون (عدم التناسب) بين طرفي النزاع.. جيش عسكري جاهز بالعدة والعتاد في مواجهة جماعات مقاومة تدير عملياتها بأسلحة ومعدات محلية محدودة القدرات والإمكانات، واستهداف عسكر العدو للمدنيين بحجة استخدامهم كدروع بشرية تعوق بينهم وبين الوصول لرموز المقاومة، فاستباحت عصابات الغدر القيام بجرائم حرب بقصف المستشفيات والمباني السكنية والحكومية والمدارس (حتى المدارس التابعة لمؤسسات الإغاثة الدولية) والمساجد والكنائس بشكل وأداء هستيري لعسكر موتور، ثم بإجراءات أشد بشاعة بدفع أصحاب الأرض والسكن والوطن بقهرهم بقوة السلاح لتنفيذ مخطط لا إنساني لتهجيرهم عن وطنهم إلى مناطق في الجنوب، وليواصلوا من جديد ضربهم وهم يعانون حالة من الإحباط والهزال وقلة الحيلة إزاء تتابع مفاجآت يرتكبها أعداء تخلوا عن آدميتهم، فقاموا بقطع الكهرباء وتقليص فرص الحصول على الغذاء والدواء والعلاج والماء والشراب إلى حد الحرمان !!

وبالعودة للدور المصري، ستظل مقابلة الرئيس عبدالفتاح السيسي لوزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، حدوتة مصرية بديعة في دلالاتها الدبلوماسية والوطنية والعروبية، بداية من قرار الرئيس بأن يكون بث اللقاء على الهواء مباشرة، وهو ما يود الرئيس أن يؤكد عليه منذ بداية أحداث تلك المنازلات الدموية الإجرامية التي تواصل إسرائيل ارتكابها بحالة من التوحش غير المسبوقة، وليحمل عبر الهواء المفتوح لكل الدنيا العديد من الرسائل..
• لعل في صدارتها رسالته للشعب المصري للطمأنة ودعوته للمشاركة، كما عوّده الرئيس في أن يكون طرفًا هامًا وفاعلًا في كل مراحل التصدي لكل المؤامرات التي تحاك لمصر الثورة والوطن عبر طرح الرئيس لكل أبعادها الخطيرة.
• رسالة إلى المحتل الغاصب وراعي أطماعه وداعم أحلامه في السيادة والفوز بغنائم السيطرة على الإقليم، ولعل فى إرسال الولايات المتحدة الأمريكية وزير خارجيتها منذ الساعات الأولى لتفجر المعارك على أرض غزة ما يشير إلى حالة من التواطؤ المقيت عبر تبني شعار "من حق إسرائيل الدفاع عن النفس" ونسيانهم أنهم دولة احتلال لا بد من مقاومة وجودهم، فكانت رسالة الرئيس على الهواء التأكيد بقوة على عدم توطين أي شعب في سيناء، كما أنه تأكيد على رفض التهجير للأشقاء الفلسطينيين من أرضهم، وأن ردة الفعل الإسرائيلية على هجوم حماس يوم 7 أكتوبر تجاوزت الدفاع عن النفس وتحولها إلى عقاب جماعي. 
• رسالة إلى شركاء العمل العربي والشعب الفلسطيني، مفادها أن الأزمة تحتاج منا أن نعمل بقوة وعزيمة من أجل احتوائها والحد من تداعياتها، وأن مصر تندد وترفض تمامًا المساس بالمدنيين أيا كان هؤلاء المدنيون، واعتبر ذلك نقطة في غاية الأهمية، وأن هذا موقفنا والدور الذي حرصنا عليه خلال سنين طويلة ومنذ اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.
• رسالة مباشرة إلى وزير الخارجية الأمريكي حول إعلانه أنه يهودي الديانة، فقال له: "تحدثت وقلت إنك إنسان يهودي، اسمح لي أن أقول لك إنني مواطن مصري نشأت في حي جنبًا إلى جنب اليهود في مصر، ولم يتعرضوا لأي شكل من أشكال القمع أو الاستهداف". واستطرد: "لم يحدث في المنطقة العربية والإسلامية استهداف لليهود في تاريخهم القديم والحديث، ربما حدث استهداف في أوروبا أو إسبانيا، أما في دولنا العربية والإسلامية فلم يحدث هذا الأمر".. وأكد لوزير خارجية أمريكا أن الموضوع في الحرب على غزة ليس له علاقة بالأديان.

نعم، تعددت الرسائل التي بثها رئيسنا المحبوب من القاهرة وطن العروبة، وتنوعت فيما أشارت إليه تلك الرسائل من قيم إنسانية، ملتزمًا بما أطلق عليه "قوة الحكمة" عبر رشادة اتخاذ القرار وتحمل المسئولية تجاه شعبه ووطنه العربي وأمام العالم الذي قدر الدور المصري الإنساني العظيم.
وفي ذات السياق، كانت دعوة مصر التي وجهها الرئيس إلى قيادات وشعوب العالم للمشاركة في تحمل المسئولية الإنسانية للانضمام لمؤتمر السلام بجاهزية دولة كبرى قادرة على لم شمل الدنيا بسرعة واقتدار على طاولة الالتئام للاجتماع العاجل لمواجهة الأزمة بقوة الحكمة ورشادة القرار.. باستهلال خطابه: "نلتقي اليوم بالقاهرة، في أوقاتٍ صعبة.. تمتحن إنسانيتنا، قبل مصالحنا.. تختبر عمق إيماننا، بقيمة الإنسان، وحقه في الحياة.. وتضع المبادئ، التي ندّعي أننا نعتنقها، في موضع التساؤل والفحص..".

وكانت رسائل مصرية أخرى أطلقها الرئيس..
• إدانة مصر بوضوح كامل، استهداف أو قتل أو ترويع كل المدنيين المسالمين.. وفي الوقت ذاته تعبّر مصر عن دهشتها البالغة من أن يقف العالم متفرجًا على أزمة إنسانية كارثية.. يتعرض لها مليونان ونصف المليون إنسان فلسطيني، في قطاع غزة.. يُفرَض عليهم عقاب جماعي.. وحصار وتجويع.. وضغوط عنيفة للتهجير القسري.. في ممارسات نبذها العالم المتحضر.. الذي أبرم الاتفاقيات، وأَسَسَّ القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، لتجريمها، ومنع تكرارها.. مما يدفعنا لتأكيد دعوتنا بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني والمدنيين الأبرياء.
• وتوجه مصر إلى العالم الأسئلة التالية: أين قيم الحضارة الإنسانية التي شيدناها على امتداد الألفيات والقرون؟.. أين المساواة بين أرواح البشر.. دون تمييز أو تفرقة.. أو معايير مزدوجة؟.. هل كُتب على هذه المنطقة بأن تعيش في هذا الصراع للأبد؟.. ألم يأن الوقت للتعامل مع جِذر مشكلة الشرق الأوسط؟.. ألم يأت الحين لنبذ الأوهام السياسية بأن الوضع القائم قابل للاستمرار؟ وضع الإجراءات الأحادية.. والاستيطان.. وتدنيس المقدسات.. وخلع الفلسطينيين من بيوتهم وقُراهم، ومن القدس الشريف؟.
• وفي رسالته للحضور تمنى أن يستهدف المؤتمر إنهاء المأساة الإنسانية الحالية، وإحياء مسار السلام، من خلال عدة محاور.. تبدأ بضمان التدفق الكامل والآمن، والسريع والمستدام، للمساعدات الإنسانية لأهل غزة.. وتنتقل فورًا إلى التفاوض حول التهدئة ووقف إطلاق النار.. ثم البدء العاجل في مفاوضاتٍ لإحياء عملية السلام، وصولًا لإعمال حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي تعيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل، على أساس مقررات الشرعية الدولية.
• التأكيد على أن حل القضية الفلسطينية ليس التهجير.. وليس إزاحة شعب بأكمله إلى مناطق أخرى.. بل إن حلها الوحيد هو العدل، بحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة في تقرير المصير، والعيش بكرامة وأمان، في دولة مستقلة على أرضهم.. مثلهم مثل باقي شعوب الأرض.

هذا، وتواصل الإدارة المصرية إنجازاتها في قيادة الجهود العالمية في توفير وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بالكامل، بعد مفاوضات معقدة، إلى أن وصلت معدلات تمرير المساعدات من 20 شاحنة يوم 21 أكتوبر إلى أكثر من 200 شاحنة في اليوم في الوقت الحالي (قابلة للزيادة)، ونجاحها في إدخال الوقود الذي كانت إسرائيل ترفض تمامًا إدخاله.
وفي هذا الإطار برزت جهود المتطوعين المصريين واصطفافهم من كل أطياف المجتمع ليقدموا يد العون باسم الشعب المصري في إيصال المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني في غزة، وتكثيف تداول نجاح الوساطة المصرية القطرية في التوصل لهدنة بين الجانبين، فضلًا عن نجاح التفاوض على ارتفاع أعداد شاحنات المساعدات التي يتم تمريرها يوميًا عبر معبر رفح، والذي أكد الرئيس أنه لم يغلق منذ اليوم الأول لحدوث الأزمة الكارثية، وإنما ما حدث غلق المعبر من بوابة الطرف الفلسطيني الذي قُصف 4 مرات، مما عطل استمرار دخول الشاحنات حتى إتمام ترميم الطريق.