رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"مصر التى فى خاطرى"

كل ما يجري لتغيير الأوضاع اليائسة في غزة الحبيبة تكون مصر شريكا رئيسيا فيه، تريد الدولة المصرية، جادة صادقة، أن تحول عذاب الأهالي المستمر بسبب الحرب المستعرة هناك إلى معيشة طبيعية بتدرج الأعمال التي تساعد على الوصول إلى هذه الغاية النبيلة، وتود مصر لو جرى الأمر سريعًا طيعًا؛ فكم تمقت التباطؤ وتعرف خطره في ظروف عسيرة كظروف الحرب بالذات، لكنها تطيل صبرها أمام خصم لا يبدي تفاهما ولا يسمع سوى صوت نفسه، تطيله حتى لا تتعقد الأحبال فوق عقدها الحاصلة فعليا!  
كان آخر ما قامت به مصر وساطة مشتركة مع قطر وأمريكا أدت إلى هدنة مؤقتة في القطاع إلى حين تبادل الأسرى المتفق عليهم، الهدنة أربعة أيام قابلة للتمديد، وهذه الاتفاقية شملت زيادة المساعدات الإنسانية إلى 300 شاحنة يوميًا بعد أن كانت 20 شاحنة فقط في أكتوبر الماضي، وشملت إدخال الوقود إلى القطاع لأول مرة بعد معاندة إسرائيلية شديدة.
قد تسكت مصر، قليلًا أو كثيرًا، عن إعلان ما تضطلع به من الأمور الفارقة لأجل فلسطين إلى أن يعلن الآخرون دورها المهم بأنفسهم، تسكت حرصًا على ما تفعله حتى يكلل بالنجاح، فالتدخل الغريب البائس في وسط الطريق قد يحبط المراد، وتسكت لأنها لا تفعل ما تفعله دعاية لنفسها فليست بحاجة إلى ذلك مهما يكن، إنما لدعم القضية الفلسطينية الشرعية، قضيتها وقضية العرب الأولى، وهي تؤمن إيمانًا مطلقًا بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، كما تؤمن نفس الإيمان بأن عودة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات، بشأن الحرية والعدل وكل الموضوعات المعلقة، مع موافقتهم على حل الدولتين، في أجواء سلمية لا حربية بالتأكيد، وبرعاية أصدقاء غير منحازين، هو الحل النهائي للصراع الذي امتد لسنوات وسنوات، وكانت النتيجة موت وفقد واضطراب كبير!
لمصر أعداؤها بالداخل والخارج، هؤلاء يتصورون أنهم يملكون رؤى قابلة للتحقيق، يعتبرونها حاسمة، على رأسها أن تخوض مصر حربًا لصالح فلسطين ضد إسرائيل، هذه الرؤية هي الغالبة، وهي التي يظنها هؤلاء مساعدة الشقيق الفلسطيني النافعة، ولا رد على هؤلاء سوى أن مصر أذكى من أن تتبنى هذا الإجراء الغشيم، أذكى تمامًا في الحقيقة، وروحها البيضاء لا توافقها هذه الروح القاتمة، ولا هي من تورط شعبها ولا جيشها في مغامرة بائسة كهذه المغامرة، ولا تورط الفلسطينيين أنفسهم من حيث يظن الجاهلون أنها تنصرهم؛ فقرار الحرب معناه إبادة فلسطين بالكامل، ومعناه تصدع المنطقة بأسرها، بل معناه اتساع الدائرة المشئومة لتضم العالم لأنه بمثابة نداء للآخرين بالمشاركة في القتال الرهيب! 
مصر، كما هو معلوم للجميع، دولة سلمية قوية، لا تعتدي البتة، لكنها تملك جيشا دفاعيًا عظيما قادرًا على الدفاع عنها في حال تعرضها إلى اعتداء مباشر لا لبس فيه، دولة تزن ما تقول وما تفعل بميزان حساس، ولا يحكمها الجزاف، إرادتها بيدها؛ فلا يستطيع أحد أن يقحمها في شيء لا تستريح إليه، أو يزج بها في مكان تقدر فدح ثمن وجودها فيه عليها وعلى جيرانها وعلى الكوكب الأرضي برمته، أو لا ترى لحجمها المعتبر ظلا وسط أشجاره بالأساس.
مصر، يا من لا تعرفونها وتدعون معرفتها للأسف، هي الحل لا المشكلة، ومن المستحيل أن تكون هي المشكلة، والحل دومًا في اليد التي تبني ولا تهدم وتقيل عثرات الأهل ولا توقعهم في عثرات أفظع، وتتقدم إلى الإنسانية، في كل أركان العالم، بنشيد الوئام لا نشيد الهلكة.