رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زحام في مدينة الموت: أشلاء غزة تبحث عن "أكفان الشهادة" (ملف)

طفلة تبكي شقيقتها
طفلة تبكي شقيقتها بعد قصف مكثف للقطاع

"فَتّش في معجمك عن معنى ومصطلح "الوطن"، ستجد فلانًا وَطَن بالمكان وأقام به وسكنه وألِفه واتخذه وطنًا، زِد في بحثك عن معنى "الألم"، وكرِّر مرات ومرّات، حتى تجد كلتا النتيجتين تصُبَّان في صالح فلسطين. 

واصل البحث عن مصدر الضّيق، ستجد عشرات الملايين مكتوفي الأيدي ليس لديهم قوة ولا طاقة غير الدعاء لرب الكون أنّ تنزاح الغمة، وعودة الوطن لأهله. 

زِد من بحثك مرة أخيرة، ودقّق في مصادرك عن مصدر "العدوان"، اذهب إلى جميع القواميس، ستجد نفسك أمام نتيجة واحدة وعدو أزلي وأبدي وهو "إسرائيل"، دَنَّس كل المعاني، وانتهك الحرمات كافة. 

في السابع من أكتوبر الماضي، شنّت حركة حماس هجومًا مباغتًا على مصدر العدوان الإسرائيلي استخدموا فيه أكثر من ألفي وخمسمائة صاروخ، وطائرات شراعية ودراجات نارية ومركبات دفع رباعي. 

وتغلبت حماس على الدفاعات الإسرائيلية في هجوم وصفه عدد من القادة والخبراء العسكريين "بالأسوأ منذ 50 عامًا، واجتاحوا بلدات وتجمعات سكنية، وأوقعوا أكثر من 1300 قتيل، وأسروا 240 شخصًا وفق إعلان المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هجاري.

لم تكتفِ قوات الاحتلال باستهداف البنايات والأطفال والعجائز والنساء، بل طال أحياءً كاملة تمت إبادتها وتسويتها بالأرض، بل ومحو ساكنيها من السجلات المدنية، كما وصل التعدي إلى استهداف المستشفى المعمداني دون النظر بعين الرحمة للموجوعين والمصابين، والأطفال الذين يبيتون دون مأوى هناك. 

ضربات الاحتلال للمباني في قطاع غزة أوقعت عددًا كبيرًا من الشهداء، فيما يظل عدد آخر في تعداد المفقودين أسفل الأنقاض، قَدّرتهم وزارة الصحة الفلسطينية بأكثر من 2030 شخصًا بينهم 1120 مفقود من الأطفال.

"هناك أشلاءٌ نراها، وقطع من الجثث الموجودة في أماكن القصف، وجثث بالكامل مفقودة والجميع يعرف أنها مدفونه في ركام المنازل، ولكن لا يستطيع أحد الوصول إليها".

نبال ثروت – مواطن من غزة لـ"الدستور"

تأثيرات عدم دفن الجثث بالطريقة السليمة لها آثار بيئية خطيرة، أفردت لها منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع اللجنة الدولية للهلال الأحمر والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب والهلال الأحمر دليل كاملًا أسمته إدارة الجثث بعد وقوع الكوارث، من بين نقاطه: 

  • وجود الجثث قرب مرافق إمدادات المياه أو داخلها يسبب مشكلات صحية كبيرة.
  • الجثث قد تخرج برازًا وتلوث مصادر المياه وهو ما يؤدي إلى خطر الإصابة بالإسهال أو غيرها من الأمراض.
  • يجب عدم ترك الجثث على احتكاك بمصادر مياه الشرب.
  • تزداد الأزمة وتتفاقم في حال كان المتوفي قد عانى من مرض معد، أو في منطقة تتوطن فيها الأمراض المعدية.

للإطلاع على دليل إدارة الجثث بعد وقوع الكوارث

"عدم دفن الجثث بطريقة سليمة لها آثار صعبة للغاية على الأحياء، فوجودها بجوار المرافق الحيوية ومرافق التغذية على الأخص تجعل هناك كارثة كبرى إضافية، لإصابة الأحياء بالنزلات البكتيرية".

د. نهلة عبد الوهاب رئيس قسم البكتريا بمستشفى جامعة القاهرة لـ"الدستور"

وفي كلمته خلال الاحتفال باليوم العالمي لالتهاب السحايا الذي يحتفل بيه العالم أجمع في الثامن والعشرين من أكتوبر، قال إن معدلات انتشار الأوبئة في غزة واردة خلال الأيام المقبلة بسبب ارتفاع معدلات الوفيات. 

وفي محاولة من الدولة المصرية لتقديم الدعم والعون لهم، أعلن وزير الصحة أنّ الوزارة مستعدة لتقديم كامل الدعم الطبي والوقائي لقطاع غزة. 

"قلة المعدات والموارد للحفر والبحث عن الجثث أو الناجين، والخطر الذي يتعرض له فرق الإنقاذ، يجعل من الإنقاذ مهمة صعبة، ويقلل من فرص إيجاد ناجين، وبالتالي فإن إبقاء الجثث تحت الأنقاض في ظل الظروف الحالية ينذر بخطر بيئي كبير، أضف الي ذلك عدم وجود مياه أو كهرباء".

مديرة مكتب الأونروا سابقًا في غزة والمقيمة هناك في ظل العدوان الإسرائيلي على القطاع لـ"الدستور"

د. أشرف القدرة

950 مجزرة تجاه العائلات الفلسطينية 

وأعلن د.أشرف القدرة، المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، أنّ عدد المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين منذ بدء العدوان ارتفع إلى 950 مجزرة تجاه العائلات الفلسطينية.    

أضاف أنّ حصيلة ضحايا العدوان ارتفع إلى 8796 شهيدًا بينهم 3648 طفلاً، و2290 سيدة، وإصابة 22 ألفًا و219 شخصًا.

بيئة غير آمنة 

يرى د.شريف حتة، استشاري الطب الوقائي والصحة العامة أنّ:"البيئة في غزة الآن أصبحت غير آمنة، فأعداد الشهداء والمصابين كبير للغاية، وهناك تكدّس في كافة المستشفيات وفي ثلاجات حفظ الآيس كريم، بجانب الجثث الموجودة أسفل الأنقاض". 

وتابع "حتة" في حديثه لـ"الدستور" أنّ "الجثث مصدر كبير للوباء، حيث تخرج منها البكتيريا التي تصيب المواطنين الأحياء، وتجعلهم عرضة للإصابة، في ظل تلك الفترة المعروف عنها بموسم الفيروسات".

وناشد استشاري الطب الوقائي والصحة العامة، المجتمع الدولي بتنفيذ مستشفيات ميدانية لخدمة المواطنين، واستغلال الأماكن الآمنة لهم، منوهًا:"خروج الجرحى من المستشفيات قبيل إتمام شفائهم يجعل البيئة المحيطة بكل مصاب غير آمنة ويجعل القريبين منه عرضة للإصابة". 

"يجب أن يتم التعامل مع جثث الموتى بطريقة تتسم بالاحترام، ويجب احترم قبورهم وصونها بشكل ملائم،ويجب دفن الموتى، وفقًا لشعائر دينهم".

المادة 115 من القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف للعام 1929

"يحتاج العالم، الآن إلى الصمت الممزوج بالألم، يحتاج العالم ألا يتحدث ثانية ويرى ما نحن فيه، أن يستخدم أعينه وليس فمه الذي لا ينطق إلا كفرًا"، هكذا يرصد أحد مواطني غزة تفاصيل المأساة في القطاع المحاصر، مستعينًا بكلمات من شاعر الأرض محمود درويش الذي قال:"ليست غزة أجمل المدن، ليس شاطئها أشد زرقة من شواطئ المدن العربية‏‏، وليس برتقالها أجمل برتقال على حوض البحر الأبيض، وليست غزة أغنى المدن، وليست أرقى المدن ولا أكبرها.. لكنها تعادل تاريخ أمة". 

"يكره العدو غزة حتى القتل، ويخافها حتى الجريمة، ويسعى إلى إغراقها في البحر أو في الصحراء أو في الدم. غزة في الدرس الوحشي والنموذج المشرف للأعداء والأصدقاء على السواء".