رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العميد.. رسائل ومقالات لم تنشر «2»

طه حسين: أوروبا زعمت لنفسها قيم الحق والعدل والسلام وانتهت إلى الإخفاق القبيح والإفلاس الشنيع

طه حسين
طه حسين

تبدو عظمة د. طه حسين، غير عظمته الأدبية والفكرية، فى عظمته النفسية، فعلى عكس بعض المثقفين الذين تخلصوا من بعض أوراقهم التى رأوا أنها قد تسىء إلى سيرتهم، فإن طه حسين احتفظ بكل ما كتبه وما كتب إليه، وكان حرص أسرته كذلك ألا يعبثوا فى تراثه بالحجب أو المنع، كما فعل بعض الورثة الذين نصبوا من أنفسهم أوصياء على سيرة عاهلهم الأديب أو الفنان، ومن ثم فإن طه حسين، وإن لم يكمل «الأيام» التى أودعها سيرته الذاتية، فإن أوراقه التى تركها- لحسن الحظ- تسد هذا النقص إلى حد كبير، فضلًا عما تمثله من كشف إنسانى لجوانب من حياته بكل ما فيها من أمل وألم، ورغم مرور نصف قرن على رحيله «٢٨ أكتوبر ١٩٧٣» إلا أنه ترك لنا من بين أوراقه ما يجدد سيرته، بل ما يدهشنا فى مسيرته كرمز يكاد الوحيد الذى نتذكره من رواد عصر التنوير، إذ لا تزال بعض أفكاره مرجعًا لنا، فضلًا عن قابليتها للجدل، مما يدل على حيوية الرجل رغم رحيله، وخلوده فى دنيانا رغم طى صفحة حياته الفانية، ولكن صفحات فكره لا تزال مفتوحة ومطروحة للفحص والدرس والتأمل، مما يعنى أن عميد الأدب العربى لا يزال له حضور متجدد فى حياتنا.

الهمجية القديمة 

فى أحد نصوص العميد، يبدو أنه ألقاه فى محاضرة تضم كتابًا ومفكرين فيما يسمى «أندية القلم» أوضح فيها دور المفكرين فى مقاومة الحرب التى اعتبر اللجوء إليها همجية قديمة، أو كما يقول:

«سيدى الرئيس 

نوافقك كل الموافقة على رأيك فيما يجب أن يكون عليه موقف المفكرين من الحرب التى فرضتها على الديمقراطيات حكومة قوام أمرها على العنف.

ونحن نعتقد أن أول ما يجب على المفكر اليوم أن يقاوم الحرب بكل ما يملك من قوة معنوية، وأن يحافظ ما استطاع على القيم الخلقية التى كثر ازدراؤها فى هذه الأيام، والتى تكفل وحدها للعالم الاستمتاع بالعدل والسلام.

يجب أن نبغض الحرب إلى الناس، لا بإظهار آثام القادة الذين يحتملون تبعاتها، بل ببذل المعونة المعنوية دائمًا والمادية عند القدرة والاستطاعة للذين أصابتهم كوارثها، هذه هى مهمتنا العاجلة، وعلينا نحن الكتّاب والمفكرين المصريين واجب خاص، وهو أن نذيع هذه المعانى ونذود عنها لنيسر ازدياد التقرب بين الشرق والغرب، ولننشئ بينهما صلات تقوم على المساواة فى الحقوق والواجبات، وعلى الاحترام الصادق المتبادل لكرامة الإنسان.

ونحن حريصون كل الحرص على حماية حرية الفكر ورعاية ما ينبغى لها من حرمة، ولكننا نشعر بأن هناك خطرًا يجب اتقاؤه.. فإن التوفر على حماية الحرية من أعدائها الخارجيين ربما شغل الناس عن حمايتها من خصومها الداخليين، ومن أجل هذا نعتقد أن الضرورة تقضى فى هذه الأيام، أكثر مما قضت فى أى وقت آخر، بتحقيق التوازن الصحيح بين حق الفرد فى الحرية وحق الوطن فى أن يحمى من كل عدوان.

أما تنظيم الحياة العالمية بعد الصلح فأمر من حق كل مواطن أن يفكر فيه من حيث هو مواطن، ويخيل إلينا أن حق الكاتب فيه كحق غيره من أبناء الوطن.

وقد وصلت الإنسانية من الحضارة إلى منزلة أصبح الإقدام فيها على العنف جحودًا لسلطان العقل، وانتهاكًا لحرمته، وما دام الرجوع إلى التحكيم ممكنًا فى كل ما ينشأ من المشكلات الدولية، فالالتجاء إلى الحرب رجوع إلى الهمجية القديمة.

ونحن نعتقد أن تحقيق الإيمان العام بحرمة القوانين رهين بأن تتعاون جماعات المفكرين على إحياء الضمائر وتقوية الشعور بقيمة العقل.. من أجل هذا نرجو من أعضاء أندية القلم فى هذه الأوقات الحرجة التى يحرص الإنسان فيها على أن يعيش كريمًا خليقًا بهذه التضحيات التى تبذل، أن يوثق أعضاء أندية القلم ما بينهم من صلات، وأن يحتفظوا بضمائرهم نقية خالصة، وأن يتعاونوا على بذل ما يستطيعون من الجهود الخيّرة فى هذه الأوقات الحرجة التى يحرص فيها الإنسان الجدير بهذا الاسم على أن يعيش كريمًا خليقًا بهذه التضحيات التى يبذلها المحاربون».

الاستدانة

أما الرسالة الإنسانية المؤثرة جدًا، والتى أبكت مشاعرى، فهى تلك التى بعث بها طه حسين إلى نجيب الهلالى بك، لم يكن قد حصل بعد على الباشوية، يطلب منه الاستدانة لمروره بظروف صعبة فى أيام مظلمة كما أسماها، الغريب فى الأمر أن الهلالى، حسب رسالة طه حسين، لم يُجب أول مرة عليه، ولكنه مع ذلك أباح له العذر، ومهما يكن فإنك تشعر كأن عميد الأدب العربى على عظمته كان يعانى معاناة مادية أشد المعاناة، لنترك رسالته تنطق وتعبّر وتصرخ بآلام قاهر الظلام الذى كتب يقول:

«إلى نجيب بك الهلالى 

أخى العزيز 

أكتب إليك مرة أخرى مستعينًا بك، وأثقل شىء علىّ أن يأخذك الحياء فتكلف نفسك ما لا تطيق أو ما يشق عليك أو أن يمنعك الحياء من الرد علىّ. فأقسم عليك لا تتكلف من هذا كله شيئًا. وأنا أعلم أنى ثقيل ولكنى أعتقد أنك تحتمل منى هذا الثقل الذى أرجو أن يخف قريبًا.

أما الجريدة فما زالت حالها بعيدة عما يرضى، ولكنها أخذت تحاول أن تقف على قدميها، وأظن أن هذا ليس مستحيلًا، فقد أخذ انتشارها يزيد بعض الشىء، وقد أخذت بعض شركات الإعلانات تفكر فيها، ولست أدرى إلى أين ينتهى هذا كله، ولكن الغريب أنى برغم هذه المصاعب كلها بعيد كل البعد عن اليأس، بل بعيد إلى حد ما عن سوء الخلق. ولعلى لم أبتسم كما ابتسمت فى هذه الأيام المظلمة. وإذا كان فى حياتى شىء ممض فهو احتياجى كثيرًا إلى أن أستدين وإشفاقى المتصل من العجز عن سداد هذا الدين. وأنا أريد الدين المادى، فقدر لرجلك قبل الخطو موضعها، أستغفر الله وأستغفرك، أنت أكرم علىّ وأرفع عندى من هذا الكلام.

وتقبل تحيتى الخالصة.. طه حسين- ١٠ نوفمبر ١٩٣٤».

رسالة إلى مكرم عبيد 

رسالة إلى مكرم عبيد 

أما علاقة طه بمكرم عبيد، سكرتير عام حزب الوفد والشهير بالمجاهد الكبير، فتظهر فى رسائله، التى تكشف عن جوانب جديدة فى دور مكرم المهيمن على حزب الوفد باعتباره الرجل الثانى بعد النحاس باشا، وقد أرسل له رسالة حميمة جدًا، وفيها اعتراف صريح من طه حسين بعظمة سعد زغلول، الذى طالما هاجمه فى حياته واتهمه بالطغيان، فإلى نص الرسالة:

«سيدى صاحب الدولة الرئيس الجليل 

قد أكون مقصرًا عند دولتك فيما يجب علىّ من حق الكتابة إليك، وإن كان الذى أكرهنى على هذا التقدير إنما هو الضن بوقتك على قراءة الكتب أو الإشفاق عليك من كثرة ما تقرأ من الكتب والصحف، ومن كثرة ما تسمع من أحاديث الناس، ومن كثرة ما تلقى من هذه الوفود الكثيرة الضخمة المتصلة التى تلقاك بحب الأمة لك وثقتها بك والتفافها حولك حين تصبح وحين تمسى، لا تعفيك ولا تريحك.

نعم قد أكون مقصرًا، وإن كان ضنى بوقتك وإشفاقى عليك هما اللذان أكرهانى على هذا التقصير، ولكن الشىء الذى لا شك فيه أنى لست مقصرًا فى ذاتك عند نفسى، وما ينبغى لى أن أتورط فى هذا التقصير وأنا أفكر فى مصر كل يوم حين أستقبل النهار وحين أستقبل الليل وفيما بين ذلك، والله يشهد ما فكرت فى مصر إلا فكرت فيك وما أحببت مصر إلا أحببتك وما انتظرت لمصر خيرًا إلا انتظرته على يديك، وما خفت على مصر شرًا إلا اتخذتك وقاء لها من هذا الشر، فأنت عندى رمزها وقوامها وأنت عندى ردؤها وأملها، يوحى إلى المنطق بذلك، لأن مصر قد أرادتك على ذلك ورأتك له أهلًا، ويوحى إلى قلبى بذلك، لأنى أحبك وأراك لذلك أهلًا، وأطمئن إلى حزمك وعزمك وإخلاصك ووفائك للشعب الذى يحبك والبلد الذى يعتمد عليك، وإذا أوحى العقل والقلب بشىء واتفقا على الوحى به، فليس من شك فى أنه حق ليس للباطل سبيل عليه.

وإذن فقد يغنينى التفكير فيك والإيثار لك عن الكتابة إليك والإثقال عليك. ولولا أنك مقبل بعد أسبوع على هذا اليوم العظيم الذى تقف فيه مصر وأنت على رأسها وقفة الإجلال والإكبار لذكرى سعد العظيم، رحمه الله، لمضيت فى التفكير فيك دون الكتابة إليك، ولكنى أحببت ألا تستقبل هذا اليوم العظيم دون أن تحس وفائى لك وللوطن مع الأوفياء، ودون أن ترانى واقفًا من حولك إجلالًا لسعد وللوطن مع الواقفين، فتقبل من أسرتى كلها تحية خالصة يملؤها الإكبار والوفاء، وتقبل منى تحية يملؤها الحب الصادق الذى هو أكبر وأوسع من كل إكبار ووفاء.

صديقى الأستاذ الكبير 

ما أطول الوقت منذ سعدت بلقائك حين تفضلت بزيارتنا قبل سفر زوجى إلى أوروبا إلى الآن، وكم حاولت أن ألقاك بعد ذلك، ولكنك رجل مُثقل بالعمل، موزع الجهد والوقت، فكنت كلما أتيح الوقت لى وهممت بالسعى إليك علمت أنك فى هذا الإقليم أو ذاك مترافعًا فى هذه القضية أو تلك، أو أنك مشغول بنقابة المحامين، أو مشغول باجتماعات الوفد.. وكنت أكبر هذا النشاط الخصب وأعجب به، وأرثى لك، لما يحملك من عناء، وللسيدة الجليلة مدام مكرم لما يفرض عليها من الوحدة، ولأصدقائك لما يحرمهم من لقائك.

ولكننا لم نُخلق لأنفسنا ولا لأهلنا ولا لأصدقائنا، وإنما خلقنا للوطن قبل كل شىء.. هذا رأيك الذى تراه، ودينك الذى تدين به وتجاهد فى سبيله، وهل سماك الناس المجاهد الكبير إلا لأنهم آمنوا لك بهذه النفس الكبيرة والفكرة العالية التى تضحى بالفرد فى سبيل الجماعة. وكم كنت أحب أن ألقاك قبل سفرى مودعًا وشاكرًا، ولكنى سعيت إليك فإذا أنت قد طرت إلى الإسكندرية، فلم يسعنى إلا أن أترك بطاقتى، وأن أذكر جملة لبعض كتاب الرومان عن زعيم من زعماء الإفريقيين الذين صارعوا روما فكلفوها عناء لا حد له، وهى أن هذا الزعيم كان يُرى فى كل مكان ولا يُرى فى مكان، لأنه كان سريع الحركة متصل التنقل، يبث العقبات للرومانيين فى كل موضع، ولا يجدون إلى الظفر به سبيلًا.. وأنا أكتب إليك الآن ولست أدرى أيبلغك كتابى فى الإسكندرية حيث يقال إنك تصطاف، أم يتبعك إلى القاهرة حيث مستقَر العمل، أم يطوف فى الأقاليم ليلقاك فى هذا الإقليم حيث تترافع، أو فى ذاك الإقليم حيث تصاحب الرئيس الجليل فى رحلة من هذه الرحلات التى تتعب فيها وتشقى، ليستريح الناس ويسعدوا.

ومهما يكن من شىء فإنى أرجو أن يبلغك كتابى هذا وأنت على خير ما أحب لك من الصحة والعافية والأمل، أما راحة الضمير ورضى النفس فلست أجرأ على أن أتمناها لك، فأنت ظافر منهما دائمًا بأعظم حظ يمكن أن يظفر به الإنسان. وكم أنا مشفق عليك من التفكير المتصل والعناء المستمر فى هذه الأيام الثقال التى يستقبل فيها وطننا العزيز من الخطوب والأحداث ما ينوء بأولى العزم والحزم والمضاء، ولكنك قد حملت الأمانة فاحتملها جلدًا صبورًا، واستقبلت الخطوب فتلقيتها موفقًا راشدًا، وما أشك فى أنك تقدر إشفاقى عليك، وأملى فيك فى هذه الظروف الحرجة التى تحيط بمصر، وأنا أرجو أن يمنحك الله من القوة والأيد، ويلهمك من التوفيق وسداد الرأى، ما أنت أهل له وخليق به.

وأنا أرجو أن ترفع احترامى وتحيتى وتحية زوجى إلى السيدة الجليلة، وأن تقبل منا جميعًا تحية خالصة ملؤها الود والوفاء.

صديقى الأستاذ الكبير

لعلك عاتب على هذا الصمت الطويل الذى لزمته منذ ودعتك مساء اليوم الثالث منذ شهر يوليو الماضى، ولكنى مع ذلك مطمئن إلى أن نفسك الكريمة تلتمس لى ألوان العذر من اتصال الصمت عبر اتصال الكلام، ومن اتصال الهدوء عبر اتصال الحركة، ومن الإمعان فى الراحة بعد الإمعان فى الجهد والتعب. فقد عرفتك كبير النفس رحيم القلب عطوفًا على الأصدقاء، على أن الشىء الذى لا شك فيه هو أن انقطاع كتبى عنك لم يقطع تفكيرى فيك، وليس مثلك من ينسى أو يقصر فى ذاته، وإن مثلك لقليل.

وأنا أقرأ الصحف الفرنسية فى عناية وإمعان صباحًا ومساءً، وتثير هذه القراءة فى نفسى كل يوم ألوانًا من الخواطر التى تمس حياتنا السياسية والاجتماعية والعقلية، وما فيها من عيوب وما ينبغى لها من علاج، فأذكرك كلما ثارت فى نفسى هذه الخواطر، لأنك أنت الرجل الوحيد الذى أجد عنده صدى صادقًا لما يضطرب فى نفسى هذه الخواطر والآراء، وما أكثر ما يذكر مصر وحاضرها المعقد ومستقبلها المظلم المريب، وما أكثر ما يذكر واجب المصريين المستنيرين بالقياس إلى هذا الحاضر وهذا المستقبل.

وإنى لأفكر فى هذا كله، وإن نفسى لتدعوك حين أفكر فى هذا كله، وحين أحس بهذا الألم اللاذع الذى تثيره فى نفسى الحضارة الأوروبية الحديثة التى لم تنته إلى أقل من الإخفاق القبيح والإفلاس الشنيع فيما زعمت لنفسها من مُثل عليا تمس الحق والعدل والسلام.. وأنت أقدر الناس فى مصر على أن تفهم هذه الحقيقة المُرة المؤلمة الثقيلة التى لا بد أن نؤمن بها وندعو إليها، ونلج فى الدعاء إليها حتى نحمل المصريين عليها حملًا، وهى أن هذه الحضارة الأوروبية شر لا بد منه، يجب أن نأخذ منه بأعظم حظ ممكن، لنكون كالأوروبيين كفاية ومضاء وقدرة على أن نثبت للخطوب، ونستقبل الأحداث، ويجب فى الوقت نفسه ألا نخدع به ولا نطمئن إليه ولا ننظر إليه إلا على أنه أداة مادية للجهاد فى الحياة.

أنت أقدر الناس على فهم هذه الحقيقة المتناقضة التى ترغب فى الحضارة وترغب عنها، وتغرى بالحضارة وتزهد فيها، وأنت أقدر الناس على أن تدبر الخطط المنتجة لإذاعة هذه الحقيقة المتناقضة، وتمكين المصريين من أن يأخذوا عن الأوربيين ويتقوهم، ويتعلموا من الأوروبيين ويسيئوا الظن بهم.

ولعلك توافقنى بعد هذا على أنى لا أستطيع أن أتتبع الحياة العالمية دون أن أفكر فيك، فأطيل التفكير، فكيف إذا قرأت الصحف المصرية التى تصل إلىّ متقطعة بحمد الله.. وكيف إذا رأيت فساد السياسة المصرية واختلاط الأمر فى مصر.

صدقنى أنى لأتمنى لقاءك والحديث معك كل يوم، وإنى لأذكرك أكثر مما تظن. وهل تأذن لى فى أن أفض إليك بشىء تنازعنى نفسى إليه نزاعًا شديدًا، ولولا أن لى بقية من عقل وبقية من ذاكرة أيضًا لأقبلت عليه فى غير تردد ولا أناة، وهو أنى ما حزنت لترك الصحافة فى وقت كما أحزن لذلك فى هذا الوقت، ولو أن لى من سعة الحياة ما يُقيم أمرى وأمر أسرتى فى تواضع واعتدال، لما ترددت فى استئناف الحياة الصحفية التى لا أشك أنها ثقيلة شاقة فى مصر، ولكن لى فيها لذتين لا سبيل إلى تقويمهما.. الأولى أنى متصل مباشرة بنفس الجمهور، وأعمل مباشرة فى هذه النفس. والثانية أنى أجد منك هذا العون الخصب، وأجد معك هذه الأحاديث العذبة التى لا سبيل إلى تقويمها، ولكن الناس يريدون ويأملون، والله يريد ويقضى، وإرادة الله هى البالغة، وقضاء الله هو الغالب.

يظهر أنى نسيت أنى أكتب إلى رجل مشغول أبدًا، لا يسمح وقته بقراءة الكتب الطوال، فمعذرة من هذه الإطالة التى لا يُسأل عنها غيرك، فمن الذى أغراك بأن تكون محببًا إلى نفسى إلى هذا الحد.

أرجو أن تقبل هانئًا، ولعلك بخير حال، ولعل الصيف لا يشق عليك، وأرجو أن ترفع احترامى وتحيتى إلى السيدة الجليلة، وأن تقبل منى تحية ملؤها الحب والوفاء والإكبار.

«طه حسين- ١٦ أغسطس ٣٥»