رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غير الدم ما حدش صادق

إنهم يكذبون.. هم يكذبون لا ريب.. وما هو الجديد فى ذلك؟.. لقد زرعوا هذا الكيان فى هذا الجسد العربى بكذبه.. وصدقهم العالم لأنه يريد أن يصدق.. ونحن كذبنا أيضًا عندما جاريناهم وقلنا إننا نقاوم ونرفض.

لقد مر ما يزيد على المائة عام والعالم يمضغ هذه الكذبة حتى صدقناها وسمحنا لها بأن تتوالد آلاف الأكاذيب.. وأولاها أننا جادون فى الأمر أو أننا نهتم للأمر فعلًا.. كلنا كاذبون وما فيش إلا الدم صادق كما قال عمنا فؤاد حداد منذ ما يزيد على خمسين سنة. 

قصفوا مستشفى به عشرات الجرحى والمصابين.. أطفالًا ونساء وعجزة.. الدم يسيل فى طرقات المستشفى المنكوب والكاميرات تنقل على الهواء مباشرة.. والمسئول الصهيونى يخبر العالم بأنه صاروخ فلسطينى فشل فى أن يذهب إلى وجهته فسقط على المستشفى ومَن فيه.. ونحن نتهمه بالكذب وننتظر أن يصدقنا العالم.. لن يصدقونا أو العكس فماذا سيفعلون غدًا بعد أن ينام المذيعون وتنطفئ الكاميرات؟.. سيأخذون قسطًا من الراحة ثم يعاودون الذبح والقتل والإبادة.. هل العالم فى حاجة لأن نسرد له ما جرى فى دير ياسين؟.. هل نعيد حكاية ضرب مصنع أبوزعبل؟.. هل نذكرهم بقصة أطفال مدرسة بحر البقر أو ما جرى فى صبرا وشاتيلا؟.. هل نزيدهم من الشعر بيتًا؟.. هم لا يحتاجون إلى ذلك.. هم يعرفون جيدًا أنهم يكذبون.. لكنهم يحتاجون دومًا لتصديق ذلك الكذب، فهو حلمهم الموعود، وهى الأرض التى يصدقون أنها ميعادهم. 

لقد تربينا سنوات طوال ونحن نحفظ تلك الأغنية الشعبية التى تقول: «عبى حمل فى البارود.. دول صهاينة مش يهود».. ذلك أننا نحفظ الشرائع جيدًا.. لكنهم يحفظون شريعة واحدة.. هم يا سادة من الأساس يحاربون على أساس دينى.. كذبتهم لا بد لها من قصة دينية مختلقة ومزعومة لتؤكدها وهم يحفظونها ويعملون من أجلها.. هى أرض ميعادهم، أو هكذا يصورون الأمر لأطفالهم.. فلماذا يرى البعض من مثقفينا أن من يعتبرونها حربًا دينية من أبناء عروبتنا مخطئون وإرهابيون ومتطرفون؟.. ليست القصة فى حماس أو الجهاد أو فتح أو فى أى من المسميات التى مزقت هذه البلاد وميعت كل ما هو صادق وجعلتنا نكره تواريخنا فى بعض الأحيان.. أكملوا خناقتكم براحتكم.. هل هى قصتهم؟.. هم لا يعيرونكم أدنى اهتمام.. الغواصات والطائرات والصواريخ ولاءات الأمم المتحدة معهم تناصرهم وتحميهم وتدك أراضيكم صدقتم أو لم تصدقوا.. جميعكم من وجهة نظرهم كاذبون.. ونحن نراكم كذلك أيضًا. 

هذه المرة.. ليست مثل كل مرة.. الكثيرون يتوجسون من اللحظة المقبلة.. كلنا يعرف السيناريو المرسوم منذ سنوات.. وكلنا لم يفعل شيئًا أكثر من الدعاء وقراءة الورد وترديد أشعار محمود درويش وأغنيات مارسيل خليفة وفيروز.. نعم.. لأجلك يا مدينة الصلاة.. نصلى.. فهل انتهيتم من صلواتكم حتى نسألكم.. وماذا بعد؟ 

هذا الذى هو بعد هو ما يخيفنا الآن.. الحرب ليست نزهة.. وإن كنا فى آخر الدنيا.. لقد عانينا من حرب أوكرانيا وما زلنا نعانى.. فما بالك وحرب جديدة على الحدود.. هى مستمرة منذ سنوات نعم.. استنزفت أهلنا فى فلسطين ولا تزال.. حصدت الشهداء ولا تزال.. لكنها هذه المرة ليست مثل كل مرة.. هم يستعجلون نهاية الفيلم وليس نهاية العالم.. لن يترك المخرج مشهد النهاية مفتوحًا هذه المرة.. فهل يملك العرب حق تقرير مصيرهم فى هذا الفيلم؟.. أعتقد أن أوراقًا كثيرة لا تزال معهم.. لكنهم ليسوا على قلب رجل واحد حتى وإن كذبنا فى أحلامنا ورأينا ما هو غير ذلك.