رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجمسى: حرب الاستنزاف ساعدت على أن يصبح قرار حرب أكتوبر أمرا ممكنا

المشير محمد عبد الغني
المشير محمد عبد الغني الجمسي

أفرد المشير محمد عبد الغني الجمسي، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة في حرب أكتوبر، مساحة كبيرة من مذكراته لإنصاف حرب الاستنزاف ، وكيف أن المؤرخين لا يلتفتون إليها بالقدر الكافي لأثرها في التمهيد لنصر أكتوبر، كيف أنها أطول حرب بين مصر وإسرائيل حيث استمرت طوال الفترة من مارس 1969 حتي حرب أكتوبر 73، استخدمت فيها القوات البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي، وكيف كان لهذه الحرب هدفها السياسي واستراتيجيتها العسكرية وعملياتها ذوات الطابع الخاص وتكتيكات تنفيذها كمرحلة من مراحل الصراع المسلح بين مصر وإسرائيل في فترة ما بعد هزيمة يونيو.

 

 وبرغم أن بعض الآراء التي طرحت، قد اعتبرت حرب الاستنزاف عملا ضارا لم يحقق الفائدة، إلا أن “الجمسي” يري أن هذه الحرب كانت ذات فائدة عظيمة، وأن وقوعها كان التمهيد العملي الضروري الذي ساعد علي أن يصبح قرار حرب أكتوبر أمرا ممكنا.

 

تحدي نظرية الأمن الإسرائيلي

ويشير الجمسي إلي أنه ونظرا للظروف السياسية الصعبة والظروف العسكرية المعقدة، تم التخطيط لحرب أكتوبر علي أنها حرب محلية شاملة، تستخدم فيها الأسلحة التقليدية فقط. ويكون لها أهداف استراتيجية تقلب الموازين في المنطقة، وتتحدى نظرية إسرائيل في الأمن ودعائم استراتيجيتها. 

 

وتمتد لفترة من الزمن تتيح تدخل الطاقات العربية الأخري، وأهمها تشكيل موقف عربي موحد واحتمال استخدام البترول كسلاح سياسي، حتي تفرض ثقلها علي نتائج الحرب.

 

وتحقيقا لذلك كان الهدف الاستراتيجي هو تحدي نظرية الأمن الإسرائيلي، وذلك عن طريق القيام بعملية هجومية يكون من ضمن أهدافها العمل علي تحرير الأرض المحتلة علي مراحل متتالية حسب نمو وتطور إمكانيات وقدرات القوات المسلحة، وتكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة في الأفراد والأسلحة حتي يقتنع بأن استمراره في احتلال أراضينا يكلفه ثمنا باهظا لا يتحمله. وبالتالي فإن نظريته في الأمن القائمة علي أساس التخويف النفسي والسياسي والعسكري ليست درعا من الفولاذ يحميه الآن أو في المستقبل.

 

وعن أسس الاستراتيجية العسكرية المصرية لحرب أكتوبر يوجزها “الجمسي” في: الاستفادة من دروس حرب يونيو 67 وتدارك ما أدي إليها، حيث وضعت استراتيجية عليا للدولة تلعب فيها القوات المسلحة الدور الرئيسي تؤيدها مصادر القوى الأخري. فقد وجهت جهود الدولة بكل قطاعاتها نحو الاستعداد للحرب، وأعطيت الأسبقية الأولي لتلبية مطالب القوات المسلحة وإعداد الدولة للحرب.

 

 وأبرز سمات هذه الاستراتيجية أن الجهد السياسي المخطط لها أنسب الظروف العربية والدولية لبدء الحرب، بعد أن عزلت إسرائيل سياسيا، وأصبح المجتمع الدولي يتعاطف مع الحق العربي وكسبنا الرأي العام العالمي. فضلا عن ذلك فإن القيادة السياسية كلفت القوات المسلحة بعمل عسكري في حدود قدرتها.

 

أما الأساس الثاني للاستراتيجية العسكرية المصرية لــ حرب أكتوبر فهو تحدي نظرية الأمن الإسرائيلي، والتي اعتمدت في تطبيقها على عدة عناصر قوية كان علي القوات المسلحة تحييدها أو إبطال تأثيرها، كما كانت هناك نقاط ضعف للعدو وجب استغلالها. لذا عملت قواتنا على شل فعالية سلاح الجو الإسرائيلي وإضعافه بواسطة دفاع جوي قوي، يعتمد علي الصواريخ المضادة للطائرات بالتعاون مع القوات الجوية، واستغرق هذا العمل عدة سنوات بذلت فيه القوات المسلحة جهدا ضخما كلف الشعب الكثير من الأرواح والملايين من الجنيهات. 

 

ولعل أبرز الانجازات في هذا المجال، كان إعداد المقاتل المصري القادر علي إدارة واستخدام شبكة الدفاع الجوي المصري المتطورة بأسلحتها ووسائلها المختلفة حتى أصبح الدفاع الجوي في مصر شبحا مخيفا للسلاح الجوي الإسرائيلي في حرب أكتوبر.

 

إعداد الدولة المصرية لحرب أكتوبر

وكان الأساس الثالث هو إعداد الدولة المصرية للحرب، حيث بذلت الدولة بكل قطاعاتها وأجهزتها الكثير للإعداد للحرب، وضحي الشعب بالكثير في سبيل الاستعداد للحرب لتحرير الأرض. فقد بدأ التخطيط لإعداد الدولة للحرب عقب حرب 67، بحيث يتماشي مع الموقف السياسي والعسكري والاقتصادي والمعنوي الصعب الذي نتج عن الهزيمة. 

ففي الوقت الذي كان يتم فيه إعادة بناد القوات المسلحة وتطويرها وتجهيزها، كان يتم إعداد الدولة لمواجهة الموقف الجديد، وإعداد أراضي الدولة لتكون مسرحا للعمليات، وإعداد الشعب عسكريا ومعنويا للحرب.

 

حيث خصص في هيئة عمليات القوات المسلحة جهاز لموضوع “إعداد الدولة للحرب” بالتعاون مع باقي أجهزة الدولة. 

 

وقد قامت كل وزارة بوضع خطتها للعمل أثناء الحرب بالتنسيق مع فرع إعداد الدولة للحرب. وقرر مجلس الوزراء في 13 ديسمبر 1972 تشكيل لجنة من القوات المسلحة لمعاونة الوزارات في إعداد تصورها لموقفها ودورها أثناء العمليات الحربية ومراجعة خطط الطوارئ للوزارات.

 

 وتشكلت هذه اللجنة برئاسة اللواء مهندس عبد الفتاح عبد الله مساعد وزير الحربية وقتئذ، للاتفاق مع الوزارات علي أسلوب عملها خلال الحرب بالشكل الذي يضمن استمرار السيطرة وحسن الأداء واستمرار حركة العمل وحشد الجهود المادية والمعنوية لدعم المجهود الحربي طوال فترة الصراع المسلح.