رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكاية وطن على ضفاف "القنال"

الزمن أغسطس 2014 تلقيت دعوة حضور انطلاق مشروع تطوير وتوسيعة حفر قناة السويس ضمن الوفود الشعبية والتنفيذية، المكان أشبه بالصحراء وعمال علي قدم وساق وآلات حفر متنوعة وتكنولوجيا منتشرة في ربوع المكان، الكل يمتثل لقرار الرئيس عبدالفتاح السيسي الانتهاء من المشروع خلال عام.. كان في استقبال الجمهور الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس، والمهندس كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية والمشرف علي المشروع أن ذاك، يشرح ويجيب عن الأسئلة التي تدور في خلد المصريين عن أهمية المشروع والتكلفة والمدة الزمنية، في تلك اللحظة عدت بالذاكرة إلي حصة التاريخ في المرحلة الإبتدائية ودرس "حفر قناة السويس".. مدرس التاريخ يحكي لنا حكاية قناة تم حفرها بـ"السخرة".. هكذا قال لنا المعلم، ولأول مرة كنا نستمع لهذا المصطلح، غير أنه أخبرنا أن أكثر من مليون عامل ساهموا في عملية الحفر، استشهد منهم نحو 120ألف عامل أثناء عملية الحفر نتيجة الجوع والعطش وانتشار الأمراض، هذا بخلاف المعاملة القاسية والسيئة من القائمين علي عملية الحفر من الشركة الفرنسية برئاسة "دي ليسبس" الذي أقنع محمد سعيد باشا عام 1854 أن يحصل علي موافقة الباب العالي بحصوله علي امتياز حفر قناة السويس، وحق امتياز 99 عامًا، كما استغرقت عملية الحفر 10 سنوات (18590 1869)، ولايزال عالقا في ذهني صورة العمال المصريين أثناء عملية الحفر وكيف كانت ملامحهم يكسوها التعب والإرهاق، ثم أعود مرة أخري إلي صورة العمال 2014 وكيف تغير كل شيء، الشركة الهندسية المصرية المزوده بكل الأجهزة والمعدات الحديثة هي بديل لشركة "دي ليسبس"، ويمضي عام ويحين موعد الافتتاح 6 أغسطس 2015 بحضور المصريين وضيوف من كل أنحاء الدنيا.. التحدي الأكبر كان الانتهاء في المدة الزمنية المحدده وقد حدث، بنفس المقاييس والمعايير المحدده للتفريعة الجديدة للقناة جديدة (من علامة كم 61 إلى علامة كم 95 ترقيم قناة) بطول 35 كم، بالإضافة إلى توسيع وتعميق تفريعات البحيرات المرة والبلاح بطول 37 كم؛ ليصبح الطول الإجمالي للمشروع كممر ملاحي مزدوج 72 كم (من علامة كم 50 إلى علامة كم 122 ترقيم قناة). 
حكايات الوطن لاتنتهي، قناة السويس من أجمل الحكايات التي نرويها للأجيال القادمة، التفريعة الجديدة بناها المصريون بحر مالهم، 64 مليار جنيه هي سندات المصريين، تم جمعهم في أسبوعين، فالمصري حين يستدعي لمهمة وطنية تجده في الميدان قبل الأوان جاهز مستعد يشارك الدولة في مشروعاتها القومية. 
نعود بالتاريخ إلي مشهد من حكايات الوطن تحديدًا عام 1950 حاولت الشركة الفرنسية تمديد حق الامتياز 50 عامًا، استمر التفاوض حتي يوليو عام 1956 ينطلق صوت المذياع مدويًا بصوت الرئيس عبدالناصر "تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية، وينتقل إلى الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات".. لقد تحررت قناة السويس من الهيمنة وأصبحت ملكًا للمصريين خالصة، إدراة وتشغيلًا.
هنا "القنال"- كما يحب أن ينطقها البعض- الاحتلال الاسرائيلي 67 امتد للضفة الشرقية لقناة السويس، وبات خط باريف حصنا منيعا كما كان مخططا له، هذا لم يستعص علي المصريين، كان التوقيت الجديد في حياة قناة السويس السادس من أكتوبر الساعة 2 الضهر سنة 1973، تحقق النصر والعبور وتحرير الضفة الشرقية للقناة.
قناة السويس لها كل يوم حكاية مع الوطن، إذ تعد مصدر الدخل الأول من ميزانية الدولة المصرية، واللي عنده قناة وشريان حياة يربط العالم بممر ملاحي عالمي، كل الدنيا تعرف قدره وقيمته.
حكاية جديدة متجددة علي ضفاف القناة، مشروعات قومية تحقق تنمية مستدامة للوطن، تنمية كاملة، يشتمل المحور علي مركز للتجارة العالمية ومركز للتصنيع والتجميع ولوجستيات النقل البحري، فضلا عن أن شرق التفريعة مشروع متكامل يضم (المدينة المليونية- المنطقة الصناعية- ميناء شرق التفريعة)، غير أن توطين التكنولوجيا ساهم في جذب استثمارت جديدة وتعاون مع شركات عالمية في مجال الطاقة الجديدة المتجددة، وجار الانتهاء من أهم وأضخم مشروع لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ولايفوتنا أن بداية القطار السريع وانطلاقه من أول نقطة علي محور القناة،، حكاياتك لا تنتهي يا قناتي.
بين حين وآخر، ومن عام لعام نتذكر حكايات الوطن، ونروي للأجيال القادمة عن ملحمة عبور وانتصار، وملحمة بناء وازدهار.. وحكاياتك يا مصر لا تنتهي علي مر التاريخ.