رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منافسة إقليمية كبرى على توسعات تسلا الجديدة

تمتلك شركة «تسلا» الأمريكية العملاقة، حاليًا، ستة مصانع لإنتاج السيارات الكهربائية، وتعمل على بناء مصنع سابع فى المكسيك بولاية «نويفو ليون» الشمالية؛ كجزء من خطة الشركة الأولى لصناعة السيارات ذات التقنية المتطورة لتوسيع بصمتها العالمية. وما إن أعلن «إيلون ماسك»، مؤسس ومالك شركة تسلا موتورز، عن اعتزامه إنشاء مصنع جديد لها فى منطقة الشرق الأوسط، حتى احتدمت المنافسة بين العديد من الدول التى تتطلع للاستحواذ على هذا النوع المتقدم من الاستثمار، بأن يكون المصنع الجديد على أراضيها من خلال إبرام صفقة تقدم أكبر قدر من التسهيلات للشركة الرائدة، من أجل إغرائها باتخاذ قرارها فى هذا الصدد.

أولى الدول التى أعلنت عن اهتمامها بهذا الأمر ودخلت، فعليًا حلبة المنافسة من خلال تفاوض يجرى فى مراحله الأولى بينها وبين شركة «تسلا»، هى المملكة العربية السعودية. فبحسب كل من «رويترز» و«وول ستريت جورنال»، فإن السعودية بدأت مع الشركة تقديم عرض لإقامة مصنع لها فى المملكة، والرياض- كما جاء فى التقارير المنشورة- تحاول اجتذاب شركة تسلا عن طريق منحها حق شراء كميات معينة من المعادن والفلزات التى تحتاج إليها من دول عديدة تشمل جمهورية الكونغو الديمقراطية. جدير بالذكر أن هذا الاهتمام السعودى بتقنيات السيارات الكهربائية، لم يبدأ مع إعلان شركة تسلا موتورز عن التوسع فى منطقة الشرق الأوسط، فصندوق الثروة السيادى السعودى؛ أكبر مستثمر فى مجموعة لوسيد موتورز، إحدى شركات السيارات الكهربائية الأمريكية الناشئة التى تتطلع إلى تحدى هيمنة تسلا على قطاع إنتاج السيارات الكهربائية. شركة لوسيد، التى يقع مقرها الرئيسى فى «وادى السيليكون» الشهير، تقدم نفسها منذ ضخ الاستثمارات السعودية فيها؛ باعتبارها تستند إلى معرفة عميقة وخبرة استثنائية مكتسبة من مجالى التكنولوجيا وصناعة السيارات. ويقود هذا فريق محترف نحو مستقبل أكثر استدامة، بينما تستخدم تقنياتها الخاصة فى صناعة المركبات الكهربائية لتعيد ابتكار تصنيف فئة كل نوع من السيارات التى تبنيها.

وهناك، أيضًا، فى فلك الاهتمام السعودى؛ شركة «ترافيجورا» العملاقة لتجارة السلع الأولية لتنفيذ مشروع متعثر لمعادن الكوبالت والنحاس فى الكونغو الديمقراطية، هذا من شأنه أن يساعد المملكة فى تزويد مصنع تسلا موتورز المحتمل بإمدادات المواد الأولية المطلوبة. فشركة «ترافيجورا» تمثل كيانًا عالميًا رائدًا فى مجال تجارة المعادن والفلزات، وهى تعمل مع شركات التعدين والصهر والشركات المصنعة للمعادن المكررة والمؤسسات العامة المعنية بهذا المجال، فى العديد من بلدان العالم صاحبة الثروات الكبرى من تلك المواد. كما أن لـ«ترافيجورا» نشاطًا موازيًا لا يقل أهمية عن سابقه، بل هو أكثر ارتباطًا به، عبر الاستثمار فى محطات الخدمات اللوجستية متعددة القنوات، وتعمل على إقامة تحالفات استراتيجية والتفاوض بشأن إبرام اتفاقيات لشراء الطاقة، وتطوير الموانئ المتخصصة فى تكرير البترول وتسويقه ونقله إلى مختلف مناطق الطلب والاستهلاك. المثير للانتباه، أيضًا، أن «ترافيجورا» وضعت على موقعها التعريفى أنها فضلًا عن انخراطها فى تطوير سلاسل الإمداد التقليدية لإيجاد أسواق جديدة، إلا أن خبراتها فى هذا المجال موجهة هذه الفترة إلى نشاط «الطاقة المتغيرة»، وأنها بصدد إثبات وجودها وترسيخ مكانتها فى قطاع مصادر الطاقة المتجددة، الذى تعتبره الشركة العملاقة سريع التطور، تتجهز له عبر سلسلة جديدة من الارتباطات الاستراتيجية المستهدفة.

هناك تركيا، هى الأخرى، دخلت على خط هذا التنافس، بغية تحقيق صفقة محتملة مع «تسلا موتورز»، بعد أن أُعلن عن أن هناك طلبًا من الرئيس التركى رجب أردوغان من الرئيس التنفيذى للشركة «إيلون ماسك»، كى يقوم الأخير ببناء مصنع للشركة فى تركيا، وفقًا لما أعلنته دائرة الاتصالات بالرئاسة التركية مؤخرًا، كما أفصحت أن إيلون ماسك يعتبر تركيا بالفعل ضمن أهم المرشحين لبناء مصنعه المقبل، نظرًا لسابق التعاون بين تسلا موتورز وعدد كبير من الموردين الأتراك. على هامش زيارة الرئيس التركى الأخيرة الولايات المتحدة لحضور «الدورة الـ٧٨» للجمعية العامة للأمم المتحدة، جرى لقاء بين الرئيس أردوغان وإيلون ماسك عُقد فيما يسمى بـ«البيت التركى»، وهو ناطحة سحاب تقع بالقرب من مبنى الأمم المتحدة. وخلال هذا اللقاء تعززت الخطوات التركية على مضمار المنافسة، خاصة بعد أن أكد الرئيس التركى اهتمام بلاده بالانفتاح على التعاون فى مجال الذكاء الاصطناعى ومشروع الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، الذى تعمل عليه شركة «سبيس إكس ستارلينك» التابعة لإيلون ماسك. وقد أعرب ماسك بالفعل عن أن «سبيس إكس» تتشارك الاهتمام مع الجانب التركى، وترغب فى العمل مع السلطات التركية للحصول على الترخيص اللازم لتقديم خدمة «ستارلينك» الفضائية فى تركيا، وفى هذا السياق وكدلالة على قدر التوافق الكبير بين الرجلين، حرص إيلون ماسك على إعلان موافقته حضور مهرجان «تكنوفست» التركى للفضاء والتكنولوجيا، الذى سيعقد فى أزمير نهاية شهر سبتمبر الجارى، عقب تلقيه دعوة من الرئيس التركى.

المنافسة شرسة ومحتدمة ولم تقف عند حد السعودية وتركيا، فهناك أخبار تُتداول لم تتكامل بعد عن دخول إسرائيل هى الأخرى على خط السعى للاستحواذ على المصنع الجديد على أراضيها. خاصة أن المسعى الإسرائيلى يأتى بجهد شخصى من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حيث تردد أنه قام بنفسه بإجراء اتصالات مع «إيلون ماسك» وتحدث معه بهذا الشأن، كما بدأت إسرائيل فى تحريك بعض الشخصيات ذات الارتباط بها داخل الولايات المتحدة، كى تقوم بجهود وساطة من أجل إتمام تلك الخطوة التى ترى إسرائيل أنها الأولى بالحصول عليها. وتراهن إسرائيل على قدراتها التكنولوجية التى تمتلك منها «بنية تحتية» متميزة، ستتعزز بلا شك فى حال تمكنت من نسج شراكة مهمة بهذا الوزن. وقد بدأ عدد من رجال الأعمال اليهود الأمريكيين بالفعل السير على هذا المضمار، من أجل تحقيق السبق فى اجتذاب هذا النوع المتطور من الاستثمار الذى يوصف بأنه «مضمار المستقبل» بلا منازع، خاصة أن جزءًا من السعى الإسرائيلى بدأ يعد محفظة استثمارية متكاملة، ربما لا تقف عند حد الاستثمار التقنى المتطور وحده، بل قد يشمل استثمارًا سياسيًا كبيرًا أيضًا عبر إدخال شركاء إقليميين على خط المشروع الذى من الممكن أن يمثل بداية لشراكات مقبلة، تعبر عن متغيرات وتفاعلات الإقليم الذى يدخله «إيلون ماسك» بمجموعة شركاته الكبرى بخطواته الأولى، التى ستطمح لاحقًا للمزيد دون شك.