رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"شهود النصر".. فنانون حاربوا فى أكتوبر يتحدثون عن «أعظم أيام التاريخ»

حرب أكتوبر
حرب أكتوبر

لا يزال الشعب المصرى يستلهم العبرة وآيات التضحية والبطولة من الأجيال التى عاصرت نصر أكتوبر، والتى لا يزال بعض أفرادها يعيش بيننا حتى الآن، ويحكى عما شهده من بطولات وتضحيات.

ومن هؤلاء فنانون شاركوا بالفعل فى حرب أكتوبر مجندين فى الجيش المصرى، ووضعوا أرواحهم على أكفهم فداءً للوطن، وبفضل تضحياتهم وتضحيات زملائهم عشنا، جميعًا، فرحة العبور والانتصار على العدو.

فى هذا الملف، نستمع إلى شريحة الفنانين ممن عاصروا نصر أكتوبر، ولا تزال ذكرياتهم مع هذا الحدث العظيم حاضرة فى أذهانهم بكل تفاصيلها ومعانيها الجليلة، ونستذكر، بكل إجلال وتقدير، من شاركوا فى أعظم الحروب وغادروا دنيانا.

أحمد بدير:زميلى استُشهد أمامى ووصيته كانت «لاعزاء قبل استرداد الأرض»

قال الفنان أحمد بدير إن انتصارات أكتوبر المجيدة لم تحدث بسهولة، خاصة بعد هزيمة ١٩٦٧ التى تسببت فى تدهور الحالة النفسية وسيطرة الإحباط الشديد على المصريين وقتها، مشيرًا إلى أن النصر كان يحتاج روحًا قوية واتحادًا وأن نكون يدًا واحدة، و«كان هذا سبب الانتصار العظيم الذى يجب أن يفتخر به كل المصريين مدى الحياة».

وأضاف: حرب ٦ أكتوبر توثيق لقوة الجيش المصرى الذى ثابر من أجل الحفاظ على أرض وطنه وحماية الشعب المصرى، لافتًا إلى أن الاحتفال بهذا الانتصار كل عام بمثابة تذكرة وتوعية للشباب الذين لم يعاصروا تلك الفترة، وتدريس على الصبر والمثابرة والاتحاد، كما أن الأبطال المقاتلين الذين ضحوا بأنفسهم وقتها فى سبيل الوطن وحماية الآخرين يستحقون الذكر فى كل وقت وكل حين.

وذكر أنه حتى الآن تُدرس حرب أكتوبر فى الأكاديميات العالمية كخطة وتنفيذ، مشيرًا إلى أنه لم تستطع الأعمال السينمائية توثيق حرب أكتوبر بالصورة الحقيقية التى تساوى قيمتها الكبيرة.

ووصف العبور وقتها بالمعجزة، مشددًا على أنه يجب تنفيذ عمل يتناول حرب أكتوبر بإمكانات تتساوى مع الأعمال العالمية.

ولفت إلى أنه فى وقت الحرب كان مجندًا فى إدارة التوجيه المعنوى «الشئون المعنوية حاليًا»، وكان معه زملاء من نفس دفعته فى الدراسة مثل الفنان الراحل محمود الجندى وأحمد عبدالوارث وعلاء الغيطانى وحسام على، وغيرهم.

وأشار إلى أنهم كانوا يشاركون فى تقديم العروض المسرحية فى الجيش، كنوع من الدعم والتحفيز لقيمة الوطن والأرض، ولكن هذا الأمر لم يكن فعالًا وقتها، لأنه لم يكن أحد يتصور أو يتخيل أنه سيصدر قرار بالحرب، موضحًا أنه عندما تم الانتصار العظيم انتشرت البهجة والفرحة بين الناس.

وتابع أنه وقتها تم تنفيذ برنامج يحمل اسم «صوت المعركة» وأشرف عليه الراحلان حمدى الكنيسى وأحمد أبوالسعود، لافتًا إلى أنه وزملاءه كانوا يتمنون قبل حرب أكتوبر أن يكونوا ضمن الجنود الذين سيعبرون، ويضعون علم مصر على أرض سيناء.

وعن المواقف الصعبة التى مر بها فى أثناء تلك الفترة، قال إن هناك مواقف صعبة عديدة مر بها وقتها، ولكن ما لا ينساه أبدًا، ولن يستطيع محوه من ذاكرته، هو رؤيته واقعة استشهاد أحد زملائه المقاتلين.

ولفت إلى أن صديقه هذا حمّله وصية قبل نطقه الشهادة، وهى ألا يأخذ أحد من أهله عزاءه إلا بعد تحرير مصر من العدوان وهو ما حدث بالفعل، مضيفًا أنهم مروا بأيام صعبة لا يمكن وصفها بالكلمات، وهى فترة تجاوزت الخمسة أعوام قبل النصر العظيم. 

وشدد على أن إصرار الجيش المصرى على الانتصار كان السبب الرئيسى فى تحقيق العبور العظيم، مؤكدًا أن لحظة العبور ورفع العلم المصرى على أراضى سيناء لا تقارن بأى فرحة عاشها فى حياته، خاصة بعدما استطاع تحطيم كل جدران العدو واقتحام خط برليف الذى بناه الإسرائيليون، واسترداد الأرض المسلوبة غدرًا، ورفع علم بلادنا العظيمة التى تستحق التضحية من أجلها.

وهنأ أحمد بدير الشعب المصرى أجمع بتلك الانتصارات العظيمة، متمنيًا أن يسود السلام دائمًا ببلدنا الحبيبة مصر، وأن يبعد الله عنها الأعداء ومثيرى الفتنة ومروجى الشائعات، موجهًا الشكر للرئيس عبدالفتاح السيسى على مجهوده العظيم وتطويره الكبير فى أرض الوطن.

محمود الجندى.. ضابط القوات الجوية الذى ترك حلمه لأجل الوطن

الفنان الراحل محمود الجندى من أبرز الفنانين المشاركين فى حرب أكتوبر، إذ أدى فترة الخدمة العسكرية ضابطًا احتياطيًا فى الفترة من ١٩٦٧ لـ١٩٧٤.

وتحدث «الجندى» قبل وفاته عن ذكرياته عن حرب أكتوبر، لافتًا إلى أن الحرب كانت مفاجأة لجنود الجيش الذين لم يتوقعوا أن نحقق النصر، ولكن الجيش المصرى استطاع أن يعبر وفاجأ الجميع بعد حالة الإحباط التى سيطرت على الشعب المصرى منذ النكسة.

وذكر أنه لا يوجد أى عمل فنى استطاع أن يجسد ملحمة حرب أكتوبر، لأن ما حدث حينها لا يوصف، سواء أثناء الحرب أو بعد النصر العظيم.

وقال: «أنا قعدت ٧ سنين فى القوات المسلحة، المرحلة دى كانت أحسن فترة فى حياتى، رغم أنها كانت فى البداية فترة حرمان من حلم لأنى كنت متخرجًا فى معهد السينما سنة ٦٧ بكل أحلام إنى هطلع أكسر الدنيا، وأعمل الحاجة اللى بحبها، قامت الحرب فتركت حلمى ودخلت الجيش ظابط احتياطى فى الطيران».

وأضاف: «وقت حرب أكتوبر كنت فى القوات الجوية، ومكناش عارفين هنحارب ولا هنعمل إيه وكنا فى حالة يأس، الحرب كانت مفاجأة بالنسبة لنا إحنا كمان، كنت فى وقتها فى مطار فايد، وخلال وجودى فى القوات المسلحة لفيت على مطارات مصر كلها، وكنت المطار اللى بروح فيه أتعرف على الناس ونبقى لسه واكلين مع بعض، نطلع طلعة وتلاقينا راجعين من غير واحد فينا، اتعلمت وقتها إزاى أضغط على أعصابى وأكتم عواطفى فى سبيل حلم كبير عايزين نحققه، لأن الحزن وقتها مكنش هيعمل حاجة ومش هيعيد اللى راح، وإزاى الشخص يتجرأ على الحزن واليأس». وسبق وجسد الفنان الراحل محمود الجندى مشاهد هزيمة ١٩٦٧، داخل أحداث مسلسل «الشهد والدموع»، إذ ظهر كجندى عائد من الجيش يشعر بالهزيمة والخذلان ولا يطيق التحدث مع أحد، فضلًا عن إصابته بصدمة عصبية، بعد موت زميله فى الجيش.

أحمد فؤاد سليم: كنا متفائلين بالنصر ومتشوقين لساعة الصفر والتحرير 

قال الفنان أحمد فؤاد سليم إن حرب أكتوبر بدأت عمليًا منذ مساء يوم الخامس من أكتوبر فى غرفة العمليات الخاصة بالجيش المصرى، لكن دون أن يعلم أحد بموعدها.

وأوضح: «كانت هناك اجتماعات عدة بين القادة، وتم الاستقرار على خطة تحطيم الساتر الترابى بخراطيم المياه وكان صاحب هذه الفكرة مهندس يعمل فى السد العالى».

وتابع: «نجحنا فى عبور مانع قناة السويس فى ٦ ساعات فقط، وخلال تلك الفترة كنت فى نهاية مشروع تدريبى للفرقة الثامنة، وكنت حكمدار أحد الأطقم، وأستقبل رديف الجيش من العساكر العائدين من ليبيا واليمن لتدريبهم»، مؤكدًا أن الجميع كانوا متفائلين خلال أيام المشروع التدريبى، وحتى قبل لحظة العبور، وشعر الجميع وقتها بأن استدعاءهم هذه المرة كان مختلفًا، وأن شيئًا ما كان سيحدث». 

وأكمل: «كان لدينا شعور ببدء العد التنازلى للحرب، وكان الجميع متشوقًا لساعة الصفر، وكنت شخصيًا متفائلًا بالنصر».

وعن ذكرياته يوم المعركة قال الفنان الكبير أحمد فؤاد سليم: «فى صباح يوم ٦ أكتوبر تلقيت إشارة من القائد الخاص بى، وجدته يقول لى بانفعال: (فين العساكر بتوعك؟)، وكانت المرة الأولى التى أراه فيها منفعلًا بهذا الشكل».

وأضاف: «كان لدىّ طاقم عمليات خاص على أعلى مستوى من العساكر المدربين، لكنى شعرت بالحرج لأن هناك أحد الجنود، ويدعى سيد راشد، رحمة الله عليه، وهو صديق شخصى لى من الإسكندرية، كنت قد أعطيته إجازة دون علم القائد لنقل زوجته من الإسكندرية لمكان تواجد أسرته، خاصة أنه كان يشعر بقرب الحرب من خلال الاستعدادات الكبيرة للجيش، فوافقت على ذلك بعد توسله، وتأكيده على أنه سيعود بعد ساعات معدودة، وهو ما وضعنى فى أزمة كبيرة».

واستطرد: «بعدما علم القائد بما فعلت قال لى: (يا أحمد.. لو سيد مجاش خلال ساعة أو ساعتين من دلوقتى حط نفسك فى السجن)».

وأشار الفنان الكبير إلى أن الجندى سيد عاد بالفعل فى الساعة الحادية عشرة، وأخذ مهمات القتال، لكنه استُشهد خلال العمليات بضربة من إحدى القنابل الانشطارية التى كانت تنفجر على ارتفاع وتصيب خوذ الجنود من الأعلى. وتابع: «استُشهد سيد فى العملية، وكان ذلك من أصعب المشاهد التى مرت علىّ، وبعد فترة وقبل انتهاء الحرب قابلت جنديًا آخر يسأل عن سيد، فسألته: (أنت تعرفه؟)، قال لى: (أنا أخو مراته وأختى حامل وعايز أبلغه الخبر)، فمهدت له الأمر وأخبرته بأن سيد استُشهد فى الحرب». 

وأشار الفنان الكبير أحمد فؤاد سليم إلى أن القيادة فى ذلك الوقت، وحفاظًا على الجبهة الداخلية فى أيام الحرب، كانت لا تُعلم أهالى الشهداء باستشهاد أبنائهم لعدم حدوث أى بلبلة.

وأكد أن فترة خدمته بالجيش المصرى وأثناء حرب أكتوبر تركت فى نفسه أشياءً لا تنسى، منها النظام والجدية والحكمة فى التعامل مع الأمور، منوهًا إلى أن جميع جنود الجيش المصرى تدربوا على الحرب بشكل صارم، ونفذوا الأوامر بحذافيرها للانتصار على العدو واستعادة الأرض.

حسن العدل:رسمت خرائط العبور قبل الحرب بأسبوع.. وأُصبت فى «معركة الدبابات»

كشف الفنان حسن العدل عن ذكرياته مع حرب أكتوبر المجيدة التى يمر على ذكراها ٥٠ عامًا، معبرًا عن فخره وسعادته بالمشاركة فيها وأمنيته بأن يتم إنتاج عمل درامى ضخم يعبر عن تلك الفترة المهمة فى تاريخ مصر.

وقال إنه شارك فى العديد من الأنشطة المدرسية، وقدم الكثير من المسرحيات الوطنية أثناء دراسته بالمدرسة إلى أن تم تجنيده عام ١٩٧٢ وتوزيعه بعد ذلك، حيث كان يتم توزيع الجنود حسب المؤهلات الدراسية ونوعية الأسلحة التى يستخدمونها أثناء فترة التجنيد.

وأوضح أن مركز التدريب الخاص به كان فى محافظة بنى سويف وظل هناك لمدة ٣ أشهر وكان وقتها يقدم مسرحيات وطنية ويرسم لوحات فنية تحث على الوطنية، ثم انتقل إلى مدرسة المدفعية والتحق بعد ذلك بكتيبة ٣٦ فهد صاعقة وتدرب على استخدام الصواريخ الموليسكا.

وأضاف: «تم تشكيل كتيبة ٦٥٤ نمر التى تحتوى على سيارات تحمل الصواريخ، ثم تم تشكيل كتيبة أخرى بوادى الملاك فى الصحراء، وكان التدريب هناك على إصابة الأهداف بالصواريخ ووصل عدد الصواريخ التى نتدرب عليها إلى ١٠٠٠ صاروخ، كما تم إعداد مشاريع حرب برفقة كتائب أخرى للتدريب على الحرب».

وتابع: «قبل الحرب بأسبوع كنت أرسم خرائط أماكن العبور ومناطق تمركز الجنود وقبل الحرب بأربعة أيام عُقد اجتماع لقيادات الفرق، وطُلب منى تعليق الخرائط فى الأماكن المحددة لها وكان تمركزنا وقتها فى الرداد المركزى على قناة السويس، وبدأنا الاستعدادات للعبور والذى كان معجزة من الله عز وجل».

وقال إنه لم يكن أحد يعلم بموعد الحرب فى يوم ٦ أكتوبر، مضيفًا: «تفاجأنا بالأوامر بأننا سنعبر، وشعرت وقتها بقشعريرة كبيرة وكانت هناك استعدادات فى صمت رهيب رغم أننا كنا نجهز للحرب، ثم فوجئنا بالطيران المصرى بدأ فى الهجوم».

وأشار إلى أنه فى ظهر يوم ٦ أكتوبر بدأ العبور وكان سلاح المهندسين قد تمكن من فتح الممرات فى خط بارليف بالمياه، لعبور الجنود والدبابات ولم يشعر أحد بثقل المعدات التى يحملها، وكانت هناك روح جميلة تسود المكان، ولم أستطع نسيان جميع تفاصيل العبور وشعور الانتصار حتى الآن».

وأضاف: «بعد العبور والنصر بأربعة أيام، وبالتحديد يوم ١٠ أكتوبر، وقعت معركة الدبابات وفوجئنا وقت الاستطلاع بقدوم عدد هائل من الدبابات وبدأنا اشتباكات عنيفة معها أدت إلى إصاباتى أثناء جلوسى داخل العربة المصفحة واستشهاد قائد السيارة».

وتابع: «لم أستوعب الأمر حين استعدت وعيى فى المستشفى، وفوجئت وقتها بعدد كبير من المصابين، وكان هناك اهتمام كبير من الطاقم الطبى بجميع المصابين».

وأشار إلى أنه علم باستشهاد سائق السيارة بعد مرور ٣ أشهر وعودته إلى الكتيبة وشعر وقتها بحزن شديد، خاصة أن جميع الجنود جمعتهم ذكريات عديدة وقت الاستعداد للحرب، وكان الجميع أكثر من إخوة.

لطفى لبيب: أتمنى صناعة عمل سينمائى يتناول كل تفاصيل النصر العظيم

أكد الفنان لطفى لبيب أنه ينتظر يوم ٦ أكتوبر من كل عام للاحتفال بذكرى النصر العظيم الذى حققه رجال شرفاء ومحبون للوطن عام ١٩٧٣.

وقال إن الشعب المصرى عاش سعادة غامرة وفرحة بالنصر العظيم، وبما حققه آلاف الجنود من الجيش المصرى من بطولات فى معركة وصفها بالقوية والمليئة بالتفاصيل، التى تظهر حجم الحب الموجود فى قلوب المواطنين لأرض مصر العظيمة.

وتمنى صناعة عمل سينمائى ضخم يتناول كل تفاصيل هذا النصر العظيم، الذى كان بمثابة بداية نجاح كبيرة لبلادنا، لافتًا إلى أن جيش مصر يحمل العديد من القصص البطولية التى حدثت طوال سنوات الحرب، وتظهر حجم الشجاعة الكبيرة لدى جنودنا.