رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

على لسان "صائد الجواسيس".. بطولات من سجل أبناء سيناء في حرب أكتوبر

انتصارات أكتوبر
انتصارات أكتوبر

لا تزال حرب أكتوبر 1973م في جعبتها الكثير ليُروى حتى بعد مرور 50 عامًا على انتصارنا على العدو الإسرائيلي، ومهما حاورنا أبطال تلك المرحلة الصعبة أو حاولنا اكتشاف تسلسل تلك الأحداث لن نصل إلى نهاية لها، فكل من عاشها لديه رواية سواء كشاهد على تلك الأيام أو مشارك في كتابة سطورها، فكأن الشعب كله تكاتف ليعبر عن ثورة غضبه مما لحق به في نكسة 1967م، فأرادوا أن يردوا الصاع صاعين على وجه الإسرائيلين، حتى لا يستهينوا بقدرات مصر وجيشها وأهلها.

 

في السطور التالية لن نسرد لكم قصصًا عسكرية، إنما قصص شاهدة على الانتماء والوطنية الذي يجري في عروق أهالي سيناء، الذين كانت لهم بصمة عظيمة في تحقيق هذا الانتصار، فالأمر بالنسبة لهم كان واجبًا وطنيًا وليس فضلًا منهم، وتلك القصص يرويها الكاتب والخبير الاستراتيجي فؤاد حسين، الملقب بـ"قاهر وصائد الجواسيس"، لاكتشافه 46 قضية تجسس ضمت مصريين وأجانب، وكان مسئولاً عن إدارة مقاومة التجسس بالمخابرات، والتي سطرها خلال مجموعة المؤرخين 73، وهي مؤسسة مؤرخي مصر للثقافة (المجموعة 73 مؤرخين) المشهرة برقم 10257 لسنة 2016.

اللواء فؤاد حسين

"النمر الأسود" يدمر الإسرائيلين في العريش

بطلنا الأول هو الشيخ حسن علي خلف، الملقب بـ "النمر الأسمر"، والذي كان في سن الشباب عندما اجتاحت قوات الاحتلال الإسرائيلية أراضي سيناء، وكان يعيش في منطقة الجورة الجنوبية بمدينة الشيخ زويد، وشاهد بنفسه الجرائم البشعة التي ارتكبها الاحتلال ضد الأبرياء، وتلك مجازر أشعلت نار الغضب في داخله، ولكن والده، ومن أجل حمايته، قرر إرساله إلى بورسعيد عبر البحر.

 

ورغم ذلك لم ينسَ "حسن" ما شاهده، وما زالت الصور المروعة تراوده في أحلامه، وعندما وصل إلى الجانب الآخر من البحر، انضم إلى منظمة سيناء العربية التي شكلتها المخابرات الحربية، وخضع حسن لتدريبات قاسية، وعندما انتهى منها، توجه إلى سيناء ليبدأ مهمته الأولى خلف خطوط العدو.

 

كانت مهمته هي التجسس وتصوير المواقع الإسرائيلية في شمال سيناء، في مناطق مثل رمانة وبئر العبد والعريش، ونجح في مهمته ببراعة، وتوالت العمليات الناجحة التي قام بها، ولكن أهم إنجاز قام به كان ضرب قيادة القوات الإسرائيلية في العريش، حيث كانت تتواجد وكالة المخابرات ومبيت طياري الهليكوبتر، وكان المقر متمركزًا في مبنى محافظة سيناء القديمة بالعريش.

الشيخ حسن خلف

"الويمي" يكشف عبور "الدفرسوار"

بطلنا الثاني هو عودة صباح الويمي، أحد أبناء قبيلة الترابين، الذي لعب دورًا هامًا مع المخابرات الحربية، فقد تلقى معلومات تفيد بأن القوات الإسرائيلية تقوم بتدريبات سرية في سيناء، وكانت هذه المعلومات تشير إلى أنهم يستعدون لعبور مانع مائي بالقرب من سد الروافع في وسط سيناء، وكان الأمر غريبًا جدًا، كيف يقوم العدو بتدريبات مماثلة لتلك التي يقوم بها أبطالنا على قناة السويس؟.

 

ولم يتردد "الويمي" في التحرك فورًا، حيث التقط بعض الصور الفوتوغرافية لتلك المعدات الإسرائيلية الغامضة، وأرسلها إلى المخابرات الحربية المصرية، وكان يعلم أن هذه المعلومات قد تكون حاسمة في المستقبل.

 

وفي أكتوبر عام 1973، وبعد مرور عدة أشهر من الاستعدادات والتدريبات، قامت قواتنا المسلحة بالمغامرة الكبرى وعبرت قناة السويس بنجاح، وقبل حدوث ثغرة الدفرسوار الشهيرة، وصلت معلومة هامة من "الويمي" إلى المخابرات الحربية، وهي أن معدات العبور الإسرائيلية التي رصدها سابقًا تخرج الآن من المخازن وتتجه نحو قناة السويس، وكانت هذه المعلومة الأولى والصحيحة عن احتمالية عبور العدو لقناة السويس عبر الدفرسوار.

العبور عبر ثغرة الدفرسوار- أرشيفية

بطل الألغام يعطل العدو الإسرائيلي

ننتقل بعد ذلك إلى بطل آخر ينبض بالشجاعة والمغامرة في سيناء، وهو المجاهد موسى رويشد، الملقب بـ"مهندس الألغام"، وذلك لأنه كان متخصصًا في زرع الألغام في طرق مدرعات وعربات القوات الإسرائيلية، وبفضل مهاراته الفنية الرائعة، نجح في تنفيذ عمليات عديدة بنجاح، فكان يضع الألغام في أماكن متنوعة بالشكل الذي يصعب على القوات الإسرائيلية اكتشافها، فكان اختياره لتلك الأماكن الاستراتيجية تفاجئ العدو وتعطل تقدمه.

 

لم يمضِ وقت طويل حتى بدأت المخابرات العسكرية الإسرائيلية في سماع الشائعات عن هذا البطل الغامض، الذي يثير الرعب في صفوفهم، وبدأوا في البحث عنه في كل مكان، يأملون في القبض عليه وإقناعه بالكشف عن أسراره الفنية، ولكن كان مهندس الألغام بارعًا في تجنب الشبكة المحكمة للمخابرات الإسرائيلية.

البطل موسى الرويشد

الشيخ سمحان باعث القوة والأمل

قصتنا التالية هي عن الشيخ سمحان موسى مطير، الذي كان رمزًا من رموز جنوب سيناء، ورجلاً موقراً في أعين الأهالي، وكان يعتبر واحدًا من أبرز القادة الروحيين في المنطقة، فهو ابن قاضيهم الشرعي السابق ورجل متدين، وكان لديه خبرة واسعة ومعرفة عميقة بتضاريس سيناء، وكان له تعاون قوي مع الحكومة المصرية.

 

وعندما اجتاحت قوات الاحتلال الإسرائيلية سيناء، كان الشيخ سمحان حاضرًا في المنطقة، حيث بدأ فورًا في تقديم المساعدة للجنود المحتجزين من سيناء وتوفير مأوى للنازحين، ولم يكن هذا هو الحد الذي وصل إليه، بل تمكن من العبور إلى البر الغربي، حيث وصل إلى سفاجا على متن سفينة صغيرة.

 

وقدم نفسه للمخابرات الحربية المصرية، التي فتحت بدورها الأبواب للتعاون معه، وبدأ بإرسال رسائل هامة عبر إذاعة صوت العرب للقبائل في الجنوب، ليجمعهم ويوحد صفوفهم في مواجهة الاحتلال، فكانت رسائله تحمل روح الصمود والنصر، وكانت تنقل الأمل والتحدي إلى قلوب الجنوبيين.

الشيخ سمحان

هدهد سيناء يهدد الأمن الإسرائيلي

ننتقل بعد ذلك إلى بطل آخر قاد حركة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو شلاش خالد العرابي، المعروف بلقب "هدهد سيناء"، كان له تاريخ مليء بالشجاعة والتضحية، حيث أوقعت عملياته الجريئة المخابرات الإسرائيلية في حالة من الفوضى والارتباك، وأصبحت "الشين بيت"، جهاز الأمن الإسرائيلي، في حالة تأهب دائمة، وكانوا يعرفون تمامًا أن "شلاش" يشكل تهديدًا كبيرًا على أمنهم.

 

ولم يكن "شلاش" مجرد رمزًا، بل كان واقعًا حيًا يعيشه الجميع، فقد أعلنت المخابرات الإسرائيلية عن استعدادها لدفع آلاف الدولارات كمكافأة لمن يساعد في القبض عليه، سواء أكان حيًا أم ميتًا، وتم نشر قصته في كتاب "المخابرات السرية العربية"، كتاب كتبه الكاتب الإسرائيلي ياكوف كاروز، مما جعله مشهورًا ومعروفًا في الأوساط الاستخباراتية الإسرائيلية.

 

وفي المحاكمة التي أجريت له أمام المحاكم العسكرية الإسرائيلية، أكد المدعي العام العسكري "عوزي زاك" أن “شلاش” وشبكته كانوا من أخطر شبكات الجاسوسية التي تم الكشف عنها حتى ذلك الحين، وحُكم عليه بالسجن لمدة 39 عامًا.

 

ولم يستسلم "شلاش" للعدو، ففي عمليته الأخيرة، التي حملت رقم "64"، تسلل خلف خطوط العدو في ديسمبر عام 1968، وقد كانت معركة ملحمية مليئة بالشجاعة والصمود، ومواجهة بالأسلحة والقتال العنيف أدت إلى إصابته في الفك وقطع في اللسان.

 

وتعرض "شلاش" للتعذيب الوحشي على يد المخابرات الإسرائيلية، ولكن لم ينكسر رغم معاناته، بل أضاف هذا العذاب له حماسًا وقوة جديدة، فقد كان يعلم أنه يقاتل من أجل حريته وحق شعبه في العيش بكرامة.

شلاش خالد العرابي

فهيمة والفدائي

بطلنا الأخير هي سيدة بدوية امتازت بالشجاعة والمثابرة، وهي السيدة "فهمية"، التي كانت قصتها أنها حملت جهاز اللاسلكي المتنقل الذي يربطها بشبكة الاتصالات، حيث عملت في منظمة سيناء العربية، ولكن دورها يتجاوز حدود المكتب والملفات الورقية، فهي أيضًا ناقلة التموين للأفراد الذين يعملون خلف الخطوط، حيث تجول بين الجبال والوديان، تحمل على ظهرها مؤنهم وتضعها في متناول أيديهم، ولا تعرف الملل أو الخوف.

 

ولم يقتصر دورها على الخدمات المادية، بل تعدت حدود العمل الميداني، ففي لحظات الشدة والمحنة، قررت أن تكون رمزًا للتضحية والبطولة، حيث استضافت أحد الفدائيين في منزلها، وبنت له حفرة عميقة في الأرض، ثم غطتها بأكوام من الحطب لتخفيه وتحميه، وكانت تزوده بالطعام والشراب، وتنقل له المعلومات المهمة التي تساعد القوات المسلحة المصرية في مواجهة العدو.

نساء البدو- أرشيفية