رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعليم بالدروس الخصوصية!


فقدت المدارس دورها التعليمي منذ سنوات بعيدة، كما فقدت دورها التربوي للأسف، صار التلاميذ يعتمدون على الدروس الخصوصية اعتمادا كليا في استيعاب المواد التي صارت صعبة وممعنة في العلمية التي تحاول مواكبة العصر، تطورت الدروس الخصوصية أيضا كتطور المواد الدراسية نفسها، غير أنها تطورت شكليا لا جوهريا، كان المدرسون الخصوصيون يسعون إلى التلاميذ أو يجعلونهم يسعون إليهم، بعد تنظيمهم في مجموعات، فصار بعضهم يعمل بنظام الأونلاين، ويستقبل نقوده على المحفظة الإلكترونية! 
مدرس المدرسة هو مدرس البيت، لكنه خامل في المدرسة نشيط في البيت ناقص في المدرسة كامل في البيت، لا إدارة تراقبه في مدرسته ولا تفتيش يردعه، وقد تعود أن يعمل حسابا لملامة أولياء الأمور، لو شعروا بتقصيره، فوق عقاب المدير والناظر والموجه!
لا يتكلف ولي الأمر أجر المدرس الخصوصي لأولاده وحسب، لكنه يتكلف متطلباته أيضا، الكتب الخارجية التي زادت أثمانها كسائر الكتب، والأدوات التي كالأدوات المدرسية وربما أكثر، بالإضافة إلى أجر المواصلات لو كان التلميذ يذهب إلى حيث يقيم مدرسه، وهلم جرا من المصروفات التي لا تنتهي.. 
كثيرا ما يجتمع المدرسون في مكان واحد كبير، يسمونه سنتر، مكان مجهز كالمدرسة، ويعطون فيه الأولاد جميع موادهم الدراسية، المواد التي يهملون شرحها الوافي في المدارس الرسمية ليشرحوها في الخارج بالنقود التي تضاعف دخولهم الشهرية!
لا أريد اتهام المدرسين وحدهم بالفساد، بالرغم من جشع بعضهم الظاهر، وخلعهم الألقاب البراقة الخادعة على أنفسهم، لكنني أضم أولياء الأمور والتلاميذ إلى طابور الاضطراب والخلل؛ فأولياء الأمور يحرصون على الدروس الخصوصية أكثر من حرص المدرسين إذ يجدونها مدخل أولادهم إلى التفوق الذي سينصرهم على المتنافسين معهم (أعني التنافس مع الأسر نفسها من خلال الأبناء)، وكثيرون من التلاميذ يتخذون المدرسة مكانا للهو واللعب معولين على الدروس الخصوصية التي ستعوض زوغانهم من الحصص المقررة..
لقد حرمت وزارة التربية والتعليم مسألة الدروس الخصوصية في أحايين كثيرة، مستعينة بقيم الأديان، وجرمتها تجريما في أحايين أخرى، مستعينة بالأجهزة الأمنية، ولكنها فشلت في الحالتين؛ فشلت لأن الدروس الخصوصية صارت ثقافة سائدة، كما أنها، أي الوزارة، لا تقوم بواجبها في المدارس؛ فكيف تمنع، بالدين والأمن، ما لا تضلع به بالمسئولية والضمير؟!
تظل المشكلة معقدة إلى حد يحولها إلى معضلة، وآثارها الاجتماعية والاقتصادية مريرة للغاية، والخاسر هو معلم أضحى أقرب إلى تاجر، وطالب علم أضحى أقرب إلى آلة تدور بلا جدوى؛ فمن درس إلى درس بلا تركيز يجعله متفوقا ومؤهلا للانتقال إلى مراحل أعلى بحصائل ممتازة، بل الموضوع الجاد كالتسلية، ومن امتثال لطاعة المدرس في المدرسة إلى ثقة وهمية تناطح مدرسه في أثناء الدرس الخصوصي؛ لأنه يتلقى، بنقود أهله، تقوية تعليمية ليست جبرية كتعليم المدارس!