رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انقلاب الجابون ومستقبل فرنسا فى إفريقيا.. ما دور فاجنر؟

الجابون
الجابون

صفعة جديدة تلقتها فرنسا بالانقلاب العسكري الذي وقع مؤخرًا في دولة الجابون ضد الرئيس علي بونجو، رجل باريس المخلص في ليبرافيل.

انقلاب الجابون هو ثامن الانقلابات التي شهدها في آخر عامين إقليم غرب ووسط إفريقيا، الذي يعتبره المحللون منطقة نفوذ خالصة للفرنسيين منذ عهد الاستعمار وإلى الآن، فرغم حصول كل الدول الإفريقية على استقلالها شكليًا، إلا أن علاقة التبعية بين المستعمرات والمحتل الفرنسي استمرت بصورة مقننة تحت اسم الاتفاقيات الثنائية.

القاسم المشترك بين كل هذه الانقلابات أنها وقعت في دول كانت تابعة إلى فرنسا تبعية شبه كاملة، كما أنها حظيت بتأييد شعبي كبير، بما يشير إلى رغبة تلك الشعوب في التخلص الكامل من التدخلات الفرنسية في بلادهم، واستغلال ونهب ثرواتهم.

بالعودة إلى الجابون نجد أن التأييد الشعبي الواسع للانقلاب العسكري هو تعبير عن الاستياء من نظام حكم عائلة بونجو، حليف فرنسا وذراعها في حكم الجابون، الذي استمر لمدة 56 عامًا منذ صعود "عمر بونجو" والد الرئيس المعزول إلى سدة الحكم عام 1967، وتوريث الحكم لنجله بعد وفاته عام 2009.

الجابون هي واحدة من أغنى الدول الإفريقية من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عائدات النفط وقلة عدد السكان نسبيًا. وبالرغم من ذلك لا يزال ثلث السكان يعيشون تحت خط الفقر.

وفقًا للبنك الدولي، فإن الجابون حققت نموًا اقتصاديًا قويًا خلال العقد الماضي، مدفوعًا بشكل رئيسي بإنتاج النفط والماغنيسيوم. وفي عام 2020 شكّل قطاع النفط 38.5% من الناتج المحلي الإجمالي، و70.5% من الصادرات، على الرغم من الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد، كما أن البلد الإفريقي الصغير يتمتع بوفرة في بعض الثروات الطبيعية الأخرى كاليورانيوم والأخشاب.

العلاقات الفرنسية الإفريقية

تعود العلاقات الفرنسية الإفريقية إلى فترة الاستعمار، حيث كانت فرنسا تسيطر على معظم مستعمرات القارة. وبعد الاستقلال، حافظت فرنسا على علاقات وثيقة مع العديد من الدول الإفريقية، وذلك من خلال المساعدات المالية والعسكرية والتعاون الاقتصادي. 

بعبارة أخرى، استمر النهب الفرنسي للثروات الأفريقية بعد الاستقلال تحت غطاء اتفاقيات التعاون الثنائي!

حافظت العلاقات الفرنسية بمستعمراتها القديمة على استقرارها من خلال دعم الحكومات الموالية، حتى اندلعت موجة الانقلابات العسكرية التي بدأت في مالي عام 2020 وكان آخرها في الجابون منذ أسبوع.

بدورها، أعربت فرنسا عن قلقها إزاء هذه الانقلابات، وراحت تدافع عن وكلائها من خلال الدعوة لضرورة احترام الديمقراطية وسيادة القانون، وحذرت من أن استمرار الانقلابات العسكرية قد يؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار في القارة.

كما اتخذت باريس عددًا من الإجراءات لحماية مصالحها ودعم وكلائها مثل تعليق المساعدات المالية والعسكرية لبعض الدول التي شهدت انقلابات. 

وعلى الرغم من هذه الجهود، إلا أن مستقبل العلاقات الفرنسية الإفريقية لا يزال ضبابيًا. المؤشرات تقول إن انقلاب الجابون لن يكون آخر الانقلابات ضد النفوذ الفرنسي في القارة.

ما يرجح استمرار حدوث الانقلابات العسكرية في إفريقيا وجود مجموعة من العوامل منها، ضعف المؤسسات الديمقراطية، غياب التداول السلمي للسلطة، تركيز السلطة في يد فرد أو مجموعة صغيرة، غياب سيادة القانون، وانتشار الفساد والبطالة بما يسهم في خلق حالة من الإحباط والاستياء بين الشباب، مما يجعلهم أكثر استعدادًا لدعم الانقلابات العسكرية.

كما أن الصراعات الداخلية بين القبائل والطوائف تؤدي إلى زعزعة استقرار تلك الدول، مما يجعل احتمال وقوع الانقلابات العسكرية في أعلى معدلاته.

 

التنافس الدولي على إفريقيا

شهدت إفريقيا في السنوات الأخيرة نموًا اقتصاديًا كبيرًا، مما جعلها هدفًا للقوى الدولية الكبرى. وقد ظهرت في الآونة الأخيرة قوى جديدة مثل الصين وروسيا وتركيا، تنافس فرنسا على النفوذ في إفريقيا.

قدمت هذه القوى مساعدات مالية وعسكرية للدول الإفريقية، بهدف كسب ولائها. وقد أدى هذا التنافس إلى زيادة عدم الاستقرار في بعض الدول الإفريقية، حيث تسعى القوى الدولية الكبرى إلى دعم حلفائها في صراعاتهم الداخلية.

 

دور القوى الدولية في الانقلابات العسكرية

تلعب القوى الدولية الكبرى دورًا مهمًا في الانقلابات العسكرية في إفريقيا. فهذه القوى تدعم مجموعات معينة داخل الجيش في الدول الإفريقية، بهدف تحقيق مصالحها الخاصة.

وقد برز دور القوى الدولية الكبرى بشكل واضح في انقلابات إفريقيا في السنوات الأخيرة. روسيا والصين، على سبيل المثال، دعمتا الانقلابات في مالي وتشاد وغينيا. كما دعمت روسيا الانقلابات في بوركينا فاسو والنيجر.

وقد أدى تدخل القوى الدولية الكبرى في الانقلابات العسكرية في إفريقيا إلى زيادة عدم الاستقرار في القارة. فهذا التدخل يسهم في تأجيج الصراعات الداخلية والخارجية في الدول الإفريقية.

 

إفريقيا في السياسة الروسية

تتميز إفريقيا بثروات طبيعية هائلة، تقدر بحوالي 65% من إجمالي الثروات الموجودة على الكرة الأرضية. هذه الثروات يمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في رسم ملامح المستقبل. ربما كان هذا هو  السبب الرئيسي وراء اهتمام روسيا بإفريقيا منذ القرن الثامن عشر.

بدأت العلاقات بين روسيا وإفريقيا في ذلك القرن، عندما قام المستكشفون والعلماء الروس بزيارة مناطق مختلفة من القارة، بما في ذلك القاهرة والخرطوم. تطورت هذه العلاقات في القرن العشرين، عندما أرسلت روسيا مهامًا عسكرية إلى إفريقيا خلال الحرب العالمية الأولى.

كان ميلاد الاتحاد السوفيتي في عام 1922 نقطة تحول في العلاقات بين روسيا وإفريقيا. فقد ساند الاتحاد السوفيتي معظم ثورات التحرر للشعوب الإفريقية، من خلال تقديم المساعدات المادية والفنية والعسكرية. كان الهدف الروسي في ذلك الوقت هو مجابهة السيطرة الغربية على إفريقيا خلال الحرب الباردة.

امتد النفوذ الروسي في إفريقيا ليشمل دولًا مثل جنوب إفريقيا، زيمبابوي، وأنجولا، وموزمبيق. ومع ذلك، تراجع هذا النفوذ مع انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1990.

عادت روسيا إلى إفريقيا في السنوات الأخيرة، من خلال قوات عسكرية خاصة تسمى فاجنر. تهدف هذه القوات إلى مكافحة الإرهاب، وبناء علاقات اقتصادية وسياسية واسعة مع الدول الإفريقية.

دور "فاجنر" في انقلابات إفريقيا

لعبت مجموعة فاجنر دورًا مهمًا في الانقلابات العسكرية في إفريقيا في السنوات الأخيرة. فهذه المجموعة الروسية الخاصة تزود الدول الإفريقية بخدمات أمنية وعسكرية، بما في ذلك تدريب الجنود وتقديم الدعم في العمليات العسكرية.

وقد زعم بعض المراقبين أن مجموعة فاجنر تلعب دورًا في التخطيط والتنفيذ للانقلابات العسكرية في إفريقيا. فهذه المجموعة لديها علاقات وثيقة مع القوى السياسية والعسكرية في بعض الدول الإفريقية، وقد تم اتهامها بتقديم الدعم للانقلابات في كل من:

  • مالي: في عام 2021، أطاح انقلاب عسكري بحكومة الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، الذي كان يتمتع بعلاقات قوية مع فرنسا. زعم بعض المراقبين أن مجموعة فاجنر لعبت دورًا في دعم هذا الانقلاب.
  • تشاد: في عام 2021، أطاح انقلاب عسكري برجل فرنسا الرئيس إدريس ديبي، وبحسب تقارير غربية فإن فاجنر وقفت وراء هذا الانقلاب.
  • غينيا: في عام 2021، دعمت فاجنر الانقلاب العسكري ضد الرئيس ألفا كوندي، الذي كان يتمتع بعلاقات وثيقة مع فرنسا. 
  • السودان: دعمت قوات فاجنر قوات الدعم السريع، التي يقودها محمد حمدان دقلو "حميدتي" - شريكهم في عمليات التنقيب عن الذهب – في الانقلاب على مجلس السيادة، وتشارك المجموعة في المعارك الدائرة حاليًا بجميع أنحاء السودان بين الجيش والمتمردين.

أنشطة "فاجنر" في إفريقيا:

  • تدريب الجنود: تقدم مجموعة فاجنر تدريبًا عسكريًا للقوات الانقلابية في عدد من الدول الإفريقية، التي تخطط موسكو لانتزاعها من مجال النفوذ الغربي مثل "مالي وتشاد وغينيا".
  • تقديم الدعم في العمليات العسكرية: تقدم مجموعة فاجنر الدعم في العمليات العسكرية للحكومات في عدد من الدول الإفريقية، بما في ذلك مالي وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى.
  • توفير الحماية للشخصيات البارزة: تتولى المجموعة حماية الشخصيات البارزة في عدد من الدول الإفريقية، مثل الرئيس المالي باكو ساركويزي.

طبيعة الأنشطة التي تنفذها فاجنر في العديد من الدول تشير إلى أنها باتت قوة عسكرية مهمة في إفريقيا، ستسهم بالقطع في صياغة السياسة الإفريقية وتؤثر على منظومة العلاقات الدولية في القارة السمراء التي باتت مطمعًا للقوى الدولية في إطار التنافس المحموم على الثروات والنفوذ العالمي، وهو ما يوضح – إلى حد ما - أهداف روسيا من وراء زرع فاجنر في إفريقيا ومنها:

  • المصالح الاقتصادية: تتمتع العديد من الدول الإفريقية بثروات طبيعية كبيرة، بما في ذلك النفط والغاز والمعادن الثمينة. تسعى روسيا إلى الحصول على نفوذ في هذه الدول من أجل الوصول إلى هذه الموارد، أو على الأقل لمنع وصولها إلى خصومها الغربيين.
  • النفوذ السياسي: تسعى روسيا إلى تعزيز نفوذها في إفريقيا، وتمثل الدول الإفريقية الغاضبة من الوجود الغربي فرصة لتحقيق هذا الهدف. فعلى طريقة دعم الاتحاد السوفييتي لحركات التحرر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ضد الاستعمار التقليدي، تحاول موسكو حاليًا تقديم الدعم للحركات المناهضة للتدخلات الغربية وسياسات النهب المنظم لثرواتهم.
  • السياسة الخارجية: تسعى روسيا إلى تحدّي النفوذ الغربي في إفريقيا، وقد تنظر إلى الدول الإفريقية كنقطة انطلاق لتحقيق هذا الهدف. وقد تسعى روسيا إلى تقويض العلاقات بين الدول الإفريقية والغرب من خلال دعم الحركات الاحتجاجية والمتمردة ضد النفوذ الغربي في الدول الإفريقية.

لماذا عادت روسيا تبحث عن أفريقيا؟

هناك عدة أسباب وراء عودة روسيا إلى إفريقيا، منها:

  • الاهتمام بالثروات الطبيعية الإفريقية: تتمتع إفريقيا بثروات طبيعية هائلة، مثل النفط والغاز والمعادن الثمينة. تسعى روسيا إلى الحصول على حصة من هذه الموارد، من خلال عقود مع الحكومات أو الشركات الخاصة.
  • الرغبة في تعزيز النفوذ الروسي في إفريقيا: تسعى روسيا إلى إعادة بناء نفوذها في إفريقيا، الذي تراجع مع انهيار الاتحاد السوفيتي. ترى روسيا أن إفريقيا منطقة مهمة لتحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية.
  • المنافسة مع القوى الغربية: تسعى روسيا إلى منافسة القوى الغربية، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في إفريقيا. ترى روسيا أن إفريقيا منطقة استراتيجية مهمة، ولا تريد أن تتركها للقوى الغربية.