رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى مئوية البطريرك 117

لا شك أن حبرية وعصر رعاية قداسة البابا شنودة الثالث للكنيسة المصرية وأتباعها في مصر وكل المسكونة كان فيها التأكيد بحماس ووضوح على اعتبار أن المؤسسة الدينية تعد واحدة من القوى الناعمة الرائعة بكل ما تبثه من رسائل روحية وقيمية ووطنية وإنسانية للرأى العام؛ بمشاركة فاعلة حتى تكون للدولة قوة تجسدها أفكار ومبادئ وأخلاق وقيم سامية وحضور ومشاركة الدول المتقدمة في بناء حضارة وصناعة مستقبل مزدهر ..
وفي هذا الصدد، أولى البطريرك 117 (قداسة البطريرك شنودة الثالث) قضية التعليم الكنسي أهمية كبرى، حتى إنه قام بنفسه بالتدريس في قاعات الإكليريكية والمعاهد الدينية، وعبر برامج زياراته لكنائسنا القبطية في كل الدنيا، ومن خلال اجتماعه الروحي الأسبوعي بالكاتدرائية المرقسية على مدى نصف قرن (1962– 2012).
ومعلوم أن مؤلفات قداسته قد تمت ترجمتها إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية واليونانية والهولندية والإريترية والأمهرية والسريانية والأرمنية والبلغارية وغيرها. 
يذكر أن في عهده تم تسجيل الألحان القبطية بالنوتة الموسيقية، وحفظ الألحان القبطية بنظام الديجيتال، وتسجيل الألحان القبطية بطريقة سمعية مرئية.
وكان قداسته أول بطريرك يحصل على عضوية نقابة الصحفيين، كما أنه قد حاضر بنقابات الصحفيين والمهندسين والأطباء.
وفي إطار دعمه الإعلام الروحي والتعليمي والتنويري، تأسست في عهده قنوات فضائية قبطية، وآلاف المواقع القبطية على شبكة الإنترنت.
ومنذ ثلاثة أعوام أعلن الكاتب والمفكر الدكتور طارق حجى، الانتهاء من تأليف كتاب بعنوان "بلا نظير" عن البابا شنودة الثالث.
وقال حجى، إن هناك أكثر من 100 لقاء جمعه مع البابا شنودة "خلال ثلاثة عقود"، فى دير الأنبا بشوى، وهو ما يسجلها الكتاب.
وأضاف المفكر: قلتُ له: حياةُ نظير جيد ما بين تخرجك فى صيف 1947 فى جامعة القاهرة بكلية الآداب، قسم تاريخ، ورهبنتك التى بدأت يوم 18 يوليو 1954، مسيرة تعكس طموحا كبيرا.
لقد كان الشاب نظير جيد عضو حزب الكتلة الوفدية سياسيًا بكل ما تعنيه الكلمة، ومكرم عبيد هو من أطلق عليه شاعر الكتلة، والأديبُ والشاعرُ والصحفى والأستاذُ نظير جيد كانت كل أنشطته مخضبة بالطموحِ، والطموح نقيض الرهبنة، فكيف ولماذا استقل الشابُ الطموحُ نظير جيد سيارة إلى المكان المعروف فى منتصف طريقِ القاهرة - الإسكندرية الصحراوى بالرست هاوس، ثم سار على قدميه فى الرمال لمسافة 12 كم، ودخل دير السريان فى خطوة فاصلة فى حياته، لا سيما وأنه قضى سنوات بعد هذا التاريخ متوحدًا فى مغارة فى البرية خارج الدير.
وتابع حجي: بمفردات أخرى، كيف فصل يوم 18 يوليو 1954 بين شخصين، الشاب الطموح نظير جيد الذى كان عمره يومها 31 عامًا، والراهب أنطونيوس السريانى المتجرد من الطموحِ حتى لو كان فى شكل رتب كنسية فهو لأكثر من 8 سنوات لم يكن حتى قمصا؟ ظل البابا شنودة كعادته الكريمة معى يتابع ما أقول حتى فرغت منه.
وأضاف مفكرنا الرائع: عندها قال قداسته: بوسعى أن أجيبك بنثر، ولكننى على يقين أن صديقى طارق حجى، الذى يحفظ آلاف القصائد ويقرأ الشعر من الذاكرة بطريقة عروضية فريدة سيؤثر أن أجيبه بقصيدة لى تتضمن سؤاله والإجابة عنه، وبلا تردد اخترت أن تكون إجابته بالشعر، فقرأ من ذاكرته قصيدته الرائعة هذه:-

سأهدم فى المخازن ثم أبنى.. وأجمع فضتى وأضم تبرى
وأغرس لى فراديسا كبارا.. بأثمار وأطيار وزهر
وأقطف وردة من كل غصن.. وأطرب مسمعى من كل طير
وأسعد بالحياة ومشتهاها.. وأنعم فى رفاهية وخير
وأبنى معبدا للمال ضخما.. أقدم فيه قربانى وشكرى
وماذا بعد هذا ليت شعرى؟.. سألقى الموت مهما طال عمرى
وهذا المال يا ويحى عليه.. سأترك كل أموالى لغيرى
وأفنى مثل مسكين فقير.. وأرقد مثله فى جوف قبر
ونسمة قبرة ستهب حولى.. ولا تفريق بين غنى وفقر
سأسكن فى قصور شاهقات.. وأحيا مثلما تشتاق نفسى
وأرقى مثلما أبغى وأعلو.. وتشرق فى سماء المجد شمسى.