رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"عمولات غير مشروعة"| شبكات نصب تدعى قدرتها على استخراج أوراق إقامة الأجانب.. وخبراء: العقوبات رادعة

نصب
نصب

مع اندلاع النزاعات والحروب فى البلدان العربية، نزح العديد من الأشقاء العرب من المناطق المشتعلة إلى مصر، الملاذ الآمن لمن اضطرتهم الظروف إلى ترك ديارهم والتغرب عن أوطانهم.

وخلال سنوات قليلة استقبلت مصر الملايين من اللاجئين والضيوف من مختلف الدول، مع تسهيل إجراءات دخولهم إليها قدر الإمكان، لكن فى ظل أعدادهم الكبيرة استغل بعض معدومى الضمير ظروف اللاجئين للتربح منها وتحقيق المصالح من ورائها، تحت مزاعم مساعدتهم فى استكمال الأوراق المطلوبة للحصول على الموافقات الأمنية وتجديد الإقامة على الأراضى المصرية، مع إمدادهم بأوراق مزورة مقابل عمولات مالية كبيرة. 

وفى رحلة استغرقت أكثر من شهر، حققت «الدستور» فى عملية النصب على ضيوف مصر من اللاجئين العرب، وإيهامهم من قِبل شبكات السمسرة وتزوير الأوراق بقدرتهم على المساعدة فى استخلاص أوراق تجديد الإقامة للجنسيات العربية، كاشفة عن تورط عدد من المصريين وبعض العرب المقيمين بمصر فى عملية النصب على اللاجئين، مقابل الحصول على عمولات غير مشروعة.

 

سورى: أموالى أوشكت على النفاد.. ودفعت ٦٠٠ جنيه فى أوراق ومستندات مضروبة

تدهورت أحوال «علاء سير» فى سوريا، ولم يكن أحد يتخيل أن تصبح الأوضاع بهذا السوء، فشد الرحال إلى الخارج، وقدم إلى مصر قبل بضعة أشهر فقط.

أيام قليلة كانت تفصل «علاء» عن موعد تجديد إقامته داخل الأراضى المصرية، ولم يجد أمامه سوى الإسراع بالانتهاء من هذه الإجراءات حتى لا يتم ترحيله خارج البلاد.

سأل هنا وهناك عن كيفية تجديد الإقامة، فعرف أنه عليه تقديم عقد إيجار موثّق بالشهر العقارى، بالإضافة إلى إيصال كهرباء حديث، وكانت أزمته تتمثل فى أنه لم يكن لديه مسكن ثابت يقطن فيه.

وقال «علاء»، لـ«الدستور»: «منذ قدومى إلى مصر وحتى الآن أتخبط كثيرًا، سواء فى البحث عن سكن لائق لتأجيره أو عمل يومى ثابت، إلا أننى فشلت طوال الفترة الماضية فى تنظيم أوضاعى، وساءت حالتى لدرجة أن أموالى أوشكت على النفاد».

وأضاف: «كنت أبحث عن أى طريقة لتجديد الإقامة داخل مصر حتى أستقر وأبدأ فى استقدام أسرتى وإنقاذهم من مصير مجهول، وهنا التقيت أحد السماسرة الذى أكد لى أن بإمكانه مساعدتى فى تجديد إقامتى».

السمسار أخبر «علاء» بأنه سيجدد له الإقامة ويوفر له جميع الأوراق المطلوبة، من عقد إيجار سنوى وإيصال كهرباء، حتى يستطيع إتمام إجراءاته، وذلك مقابل الحصول على ٦٠٠ جنيه.

وتابع المقيم السورى: «بالكاد جمعت هذا المبلغ الذى طلبه السمسار، وبعد تسلم الأوراق منه توجهت بها إلى مصلحة الجوازات والهجرة والجنسية بالعباسية، وكانت صدمتى كبيرة عندما أخبرونى بأن عقد الإيجار مزور وغير سليم، وأدركت حينها أنه تم النصب علىّ».

واختتم بأنه حاول مرات عديدة أن يتواصل مع السمسار النصاب، الذى أنكر فعلته تمامًا، ورفض إعادة المبلغ الذى حصل عليه.

مساعد وزير الداخلية الأسبق: تهدد بتسلل متطرفين

عن التداعيات الأمنية لسلوك طرق غير مشروعة لتجديد الإقامة فى مصر، قال محمد نورالدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، إنه يجب تقنين وتشديد إجراءات مراجعة تصاريح الإقامة داخل مصر للجنسيات الأجنبية والعربية، للحفاظ على الأمن القومى للبلاد، خاصة بعد تزايد عدد اللاجئين وتسجيل معدلات غير مسبوقة.

وأضاف «نورالدين»: «العمل بالمثل هو مبدأ دولى يُعمل به فى كل دول العالم، وعلى السلطات ضرورة تطبيق هذا المبدأ خلال الفترة الحالية، التى تشهد زيادة كبيرة فى النزاعات والحروب الأهلية فى العديد من البلدان المجاورة، إذ إن المصريين المهاجرين إلى أى دولة، وإن كانت دولة عربية شقيقة، يتم التعامل بشكل رسمى، وتطبيق جميع الإجراءات القانونية معهم، أسوة بما يحدث مع باقى الجنسيات الأجنبية».

وواصل: «التهاون فى إجراءات وشروط الإقامة يخلف العديد من القضايا الأمنية، وسبق لى أن تعاملت مع العديد من القضايا فى هذا الشأن خلال فترة عملى، ويمكننى أن أقول إنها الأكثر تعقيدًا على الإطلاق، لأنها تتسبب فى وقوع عدد من الجرائم التى تهدد الأمن القومى».

واختتم مساعد وزير الداخلية الأسبق بالتشديد على أهمية تشديد الإجراءات القانونية لطالبى اللجوء والإقامة فى مصر لجميع الجنسيات الأخرى، تجنبًا لوقوع الجرائم أو انتشار الأوبئة والأمراض، ومنعًا لظاهرة التسول أو تسلل عناصر من تيارات إرهابية متطرفة حرصًا على الأمن القومى للبلاد.

يمنى:  أوهمنى بقدرته على تجديد إقامتى.. وأمدنى بـ«ورق مزور»

«بالتزامن مع تصاعد الأزمة فى الأراضى اليمنية نزحتُ إلى مصر، فهى تمثل نموذجًا للأمن والأمان فى منطقة الشرق الأوسط، ولم تكن أمامى دولة أخرى من الدول العربية الشقيقة غيرها».. بهذه الكلمات بدأ محمد أبومنى، يمنى الجنسية، الحديث عن أسباب قدومه إلى مصر.

وقال «أبومنى»: «كل شىء كان سهلًا فى البداية، إلا أن رحلتى مع إجراءات تجديد الإقامة خلال الأشهر الأولى من العام الجارى لم تكن كذلك على الإطلاق».

وأضاف: «لم أستطع تجديد الإقامة فى مصر بسبب عدم قدرتى على توفير الأوراق المطلوبة، كما أننى تعرضت للنصب من أحد السماسرة الذى أوهمنى بقدرته على إنهاء تجديد إقامتى خلال يومين فقط». وأشار إلى أنه تواصل بالفعل مع هذا السمسار الذى أكد قدرته على تقنين أوضاعى مقابل مبلغ مالى لم يتجاوز ١٠٠٠ جنيه، متابعًا: «ضحيت بالمال مقابل حصولى على الإقامة وتقنين أوضاعى داخل مصر، ولم أكن أعرف أن الورق مزور».

فى مصلحة الجوازات والهجرة والجنسية بالعباسية، علم «أبومنى» الحقيقة، وأدرك أنه تعامل مع نصاب، وذلك عندما رفض الضابط المعنى بتجديد الإقامة قبول الأوراق المقدمة، المتمثلة فى عقد إيجار وإيصال كهرباء حديث، وأخبره بأنها أوراق مزورة، رافضًا تجديد الإقامة له.

عدد اللاجئين يتخطى٩ ملايين.. والسودانيون والسوريون فى المقدمة

تجاوز العدد الحالى للمهاجرين الدوليين الذين يعيشون فى مصر ٩ ملايين لاجئ، إذ يُقدر عددهم بـ٩٠١٢٥٨٢ مهاجرًا من ١٣٣ دولة، ما يعادل ٨.٧٪ من سكان مصر، وفق تقرير منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة. وفى يوليو الحالى، استقبلت مصر أكبر عدد من الفارين من السودان بنسبة ٤٠٪، تليها تشاد بنسبة ٢٨٪، ثم جنوب السودان بـ٢١٪، كما استقبلت إثيوبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى نسبة من اللاجئين.

وأشار التقرير إلى أن من بين ١٣٣ جنسية تستضيفها مصر تأتى الجنسية السودانية فى المقدمة بـ٤ ملايين، تليها السورية بـ١.٥ مليون، واليمنية بمليون، والليبية بمليون، وتشكل هذه الجنسيات الأربع ٨٠٪ من المهاجرين الدوليين المقيمين حاليًا فى البلاد.

محامٍ:  العقوبة بين 3 و10 سنوات وتصل إلى الإعدام

قالت سميرة هاشم، عضو اتحاد المحامين العرب، إن شروط الإقامة وتجديدها تُحدد وفق نوع الإقامة، سواء كانت سياحية أو دراسية أو للعمل.

وأضافت عضو اتحاد المحامين العرب: «التحايل على تجديد الإقامة يتساوى مع جريمة التزوير، كما أن العقوبة واحدة على المصرى وغير المصرى، طالما وقعت على الأراضى المصرية».

وأوضحت أنه وفق نص المادة «٢١٣» تصل العقوبة إلى السجن والسجن المشدد من ٣ حتى ١٠ سنوات، لكل من ساعد فى هذا الوهم، مع إمكانية أن يعاقب بالإعدام أو المؤبد، إذ يُصنف هذا الفعل بالإرهاب للمجتمع وأمنه القومى.

وشددت على أن الجهات الأمنية تؤدى عملها على أكمل وجه، وأن من يتحايل على القانون يضر بالأمن القومى والاقتصادى، محذرة من استخدام بعض العناصر الإرهابية الطرق غير المشروعة فى التحايل على تجديد أوراق الإقامة، وهو أمر خطير يؤثر على الاقتصاد والأمن، كما قد يؤثر على العلاقات بين الدول.

وعن التصدى للخارجين على القانون والمزورين، قالت إن هناك ضرورة لتوحيد البيانات بين الدول وبعضها البعض، لتستطيع أجهزة الأمن الاستعلام والبحث الجنائى عن كل مقيم أو لاجئ أو متجنس مقيم على أرضها.

سماسرة:  عندنا «إقامة مؤقتة وسياحية ودراسية».. والعقد بـ2500 جنيه

تواصلت «الدستور» مع عدد من الوسطاء الذين يدّعون قدرتهم على إنهاء أوراق الإقامة فى مصر.

البداية كانت مع وسيط زعمنا له أننا سوريّو الجنسية، وطلبنا منه الحصول على الورق اللازم لتجديد الإقامة فى مصر بعدما أوشك تصريح إقامتنا الحالى على الانتهاء، ثم دار حديث بيننا عن أى نوع من الإقامة نحتاج وأى الأنواع أفضل.

وقال الوسيط، الذى رفض الإفصاح عن هويته، إن هناك أنواعًا مختلفة من الإقامات، منها المؤقتة والسياحية والدراسية، وهى الإقامات الأكثر شيوعًا.

واقترح الوسيط أن نحصل على الإقامة المؤقتة، التى تمنح فترة سماح ٧ أيام إقامة فى مصر، على أن يبدأ هو فى إنجاز إجراءات الإقامة الطويلة بعد الحصول على هذه الإقامة المؤقتة.

اخترنا الإقامة السياحية التى تسمح بالمكوث فى مصر مدة ٦ أشهر، فى ظل إجراءاتها البسيطة التى من ضمن أوراقها توفير عقد إيجار وإيصال كهرباء.

سألنا الوسيط عن تكلفة عقد الإيجار وإيصال الكهرباء المطلوبين، فقال إنه سيوصلنا بأحد العاملين فى مكتب سمسار للاتفاق على السعر.

بالتواصل مع السمسار، قال: «عقد الإيجار لوحده بتكون مدته سنة واحدة لشخص واحد بيتكلف ٩٠٠ جنيه، ولو هنخلص العقد بكل إجراءات الإقامة بيبقى ٢٥٠٠ جنيه، وطبعًا السعر ده بخلاف رسوم الإقامة، وبتسددها بإيدك عشان لو فيه غرامات أو رسوم أخرى».

وأفاد السمسار بأن عقد الإيجار يجب أن تكون معه فاتورة كهرباء بتاريخ حديث، تخص نفس العنوان المكتوب فى العقد، وبمجرد تسجيل العقد فى الشهر العقارى والانتهاء من إجراءات الجوازات، تصدر الإقامة السياحية ومدتها ٦ أشهر.

تواصلنا مع وسيط آخر عربى الجنسية، ادّعى قدرته على توفير جميع أنواع الإقامات لكل الجنسيات العربية التى ترغب فى دخول الأراضى المصرية، أو تجديد الإقامة.

زعمنا للوسيط أننا يمنيون، وأخبرناه بأن إقامتنا داخل مصر أوشكت مدتها على الانتهاء، فطلب أن يتأكد من هويتنا وجنسياتنا، على أن نحضر له صورة عقد إيجار وإيصال كهرباء، وأخبرناه بأننا نريد تمديد الإقامة السياحية لمدة ٦ أشهر، ولكن ليس لدينا عقد إيجار أو إيصال كهرباء.

بعدما اطمأن الوسيط من سلامة هويتنا قال إنه سيتواصل مع محامٍ لإنجاز كل هذه الإجراءات مقابل عمولة تبلغ ٨٠٠ جنيه، وذلك من أجل الحصول على عقد إيجار مدته عامان، والحصول على ورقة إثبات سكن مجانًا، ومن ثم استكمال إجراءات الإقامة فى إدارة الجوازات فى العباسية.

وادّعى الوسيط قدرته على إنهاء إجراءات الإقامة لكثير من الجنسيات التى تقطن فى منطقتى فيصل والهرم، قائلًا إن عمله مضمون ١٠٠٪، وإنه لا داعى للقلق أو الشك فى قانونية العقود، وإنها ستكون سليمة، وسيتم التوقيع على عقد الإيجار فى الشهر العقارى.

وقبيل إنهاء الاتفاق، سألنا الوسيط عن كيفية استخراج رخصة القيادة فى مصر، فزعم أن لديه رخص قيادة دولية سارية لا تزال فى فترة السماح بتكلفة ٢٥٠٠ جنيه، وهى قانونية ويمكن القيادة بها فى جميع محافظات مصر، واتفقنا على أن نتواصل معه مرة أخرى بعد تجهيز مبلغ العمولة.

تواصلنا مع وسيط ثالث يدعى «أبو يامن»، وادعينا أننا أجانب، وأننا نتواصل معه من خارج مصر.

وزعم الوسيط أنه يستطيع توفير أوراق الإقامة السياحية فقط، وإنهاء الإجراءات اللازمة، قائلًا: «هتحتاجوا عقد إيجار وإيصال كهربا وصور شخصية، وأول ما توصلوا على مصر ابعتولى صورة من الباسبور وملكوش دعوة بأى حاجة».

تحدثنا معه عن كيفية إصدار رخصة القيادة فى مصر، فقال إن لديه حلولًا لكل شىء، مضيفًا: «بكل سهولة تقدروا تسوقوا فى مصر، وأنا هقدر أجبلكم رخصة قيادة دولية، وتمكنكم من القيادة بكل سهولة». وقبيل إنهاء الاتفاق، قال إن مبلغ العمولة قابل للزيادة فى حال ارتفاع الأسعار، طالبًا من ٣٥ إلى ٤٥ دولارًا مقابل عقد الإيجار وإيصال الكهرباء وإنهاء إجراءات الإقامة السياحية.