رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إنعاش الطبقة الوسطى

فى مواسم الهدم يلعب البعض على تعميق التناقضات داخل المجتمع الواحد.. بعض ما يحدث يبدو مثل فيلم قديم شاهدناه قبل ذلك.. الأحداث محروقة ومتوقعة ووعى المشاهد بالأحداث يمنع تكرار النهاية.. تحليل الأخبار التى يروجها الإرهابيون فى الخارج ويركزون على زوايا معينة فيها يؤكد هذا المخطط.. التقاط أحداث عادية وتحويلها لعناوين كبيرة للتناقض.. رغم أن الأحداث تحدث فى العالم كله.. على سبيل المثال فإن حادث إطلاق نار بين ضابط ومواطن فى مطروح يصلح جدًا للنفخ فى نار الفرقة.. رغم أن هذه الحوادث تحدث فى العالم كله من آن لآخر.. والقضاء هو الفيصل فيها.. حيث يعاقب المخطئ وينال المظلوم حقه.. تصعيد الحادثة نفسها والمبالغة فى الحديث فيها يكشف عن مخطط لتعميق التناقض بين المصريين.. بين البدو والحضر.. بين الشرطة والشعب.. بين المصريين وبعضهم البعض.. براعة الدولة فى التعامل مع هذه الأمور نابع من وعى عميق بمخططات التفرقة.. ويكشف أيضًا عن سيادة القانون وعدم التفرقة بين مصرى وآخر لأى سبب كان.. من الأخبار التى تهدف لإشعال نار الفرقة أيضًا التركيز على حادث تغيير مواطن أو مواطنة لديانتها الأصلية.. ودخولها فى دين آخر.. هذه الحالات موجودة فى مصر طوال الوقت وفى الاتجاهين.. وهى أمر يخص العلاقة بين العبد وربه.. لا يزيد دين عدد أتباعه مليارات عندما يعتنقه شخص جديد ولا يقل دين عدد أتباعه مليارات عندما يتركه شخص واحد.. لكن النفخ فى هذه الأخبار يجب أن يجعلنا ننتبه كمصريين وأن نرفع الراية الحمراء التى يرفعها المنقذون فى حالة الخطر.. هناك من يريد أن يلعب بنا.. هناك من تزعجه حالة الاستقرار التى تحظى بها مصر منذ سنوات.. لأن الاستقرار هو مقدمة الازدهار.. ومحاولات التفرقة كما نراها من مؤشرات الأخبار لا تقتصر على التفرقة بين البدو والحضر أو بين الشرطة والناس أو بين المسلم والمسيحى، لكن هناك محاولات دءوبة للتسخين الطبقى وإشعار الطبقة الوسطى بالمظلومية.. واعتبار سياسات إنصاف الفقراء وكفالة حقهم فى حياة آدمية هى سياسات موجهة ضد الطبقة الوسطى رغم أنها قد تكون طوق أمان لهذه الطبقة وكفالة لاستقرار المجتمع كله.. على وسائل التواصل وفى بعض المقالات تنتشر قصص مظلومية الطبقة الوسطى بهدف تسخينها.. على تويتر قرأت منشورًا لمواطنة تقول إن الطبقة الوسطى فى مصر كانت لها مواصفات حياة، منها أنها كانت تقضى شهرًا كاملًا فى المصيف! ولديها «شغالة أو أكثر» وتمتلك أكثر من سيارة!! وتمضى هذه المواطنة المجهولة فى البكاء على الفردوس المفقود للطبقة الوسطى التى فقدت هذه المميزات حاليًا!! ولست فى حاجة إلى القول إن هذه المواطنة كاذبة.. فقد نشأت فى أسرة وبها موظف كبير بدرجة وكيل مديرية وكانت والدتى ناظرة لمدرسة وسافرت الأسرة للخليج العربى للعمل.. وأظن أننا كنا فى قلب الطبقة الوسطى المصرية.. وكنا مثل آلاف الأسر نقضى أسبوعًا واحدًا فى المصيف فى سيدى بشر.. جنة الطبقة الوسطى فى الثمانينيات ونملك سيارة واحدة من طراز فيات ١٢٨ ولم يكن لدى الأسرة شغالة منذ الثمانينيات وظهور أزمة الأيدى العاملة.. وأسرتنا مثل ملايين الأسر كانت تملك الستر ولا تفكر سوى فى تعليم الأبناء كغاية سامية نذر لها ملايين المصريين حياتهم ضمن منظومة مطالب قوامها الستر والصحة والعيش الحلال.. أما ذلك المنشور الوهمى فيقتبس مظاهر حياة الأثرياء «وهم قلة فى أى مجتمع» وينسبها للطبقة الوسطى لإثارة موجات البكاء الطبقى والمظلومية الاجتماعية وتسخين طبقة هى عماد المجتمع ودفعها لهدم المعبد على رءوسها ورءوس الجميع.. ثم البكاء والندم حين لا ينفع الندم.. لا يعنى هذا أن الأمر كله مفتعل.. فصناعة الهدم تقوم على التقاط ما هو حقيقى وتضخيمه وتلوينه بالأسود فى حين أن أى مشكلة هى قابلة للحل.. يمكن القول إن الطبقة الوسطى فى حاجة لبعض الإنعاش والتقدير.. هناك تأثر لا شك فيه بالأوضاع الاقتصادية وتصدى الدولة للمشروعات العملاقة والتضخم الناتج عن الأزمة العالمية.. من الموضوعات الاجتماعية مثلًا موضوع المصيف.. وهو شكل الترفيه الوحيد تاريخيًا للطبقة الوسطى المصرية.. الطبقات الشعبية زحفت على مصايف الطبقة الوسطى فى ميامى وسيدى بشر والمندرة، والطبقات الثرية استأثرت بالساحل الشمالى فى معظمه.. مطلوب فنادق متوسطة فى مصايف مثل رأس البر والمنصورة الجديدة ودمياط الجديدة وحتى جمصة وبلطيم.. الطبقة الوسطى تهتم بالنظافة وليس بالفخامة.. لا مانع من أن نعطى الأولوية فى الحجز لحاملى الشهادات العليا.. هذا تمييز إيجابى لطبقة لا تجد لها مكانًا ويضيق صدرها بالشكوى.. هذه الفنادق يمكن أن تبنيها وزارة الإسكان أو المحافظات أو السياحة وتحمل اسم مصيف المصريين.. ليس مطلوبًا أن يمتلك المواطن عقارًا بالملايين حتى يهرب من حر الصيف.. الدولة أنهت استئثار فئات بعينها بالشواطئ فى العلمين.. ومطلوب تعميم هذه التجربة.. مطلوب سد الذرائع وإغلاق الأبواب أمام دعاة الفتنة وصناعة المظلومية.. فما زال أمام مصر الكثير لتنجزه.