رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عزيز نسين «2-2»

كما أوضحنا فى مقالنا السابق يعتبر عزيز نسين بحق أحد أهم كُتَّاب الأدب التركى فى النصف الثانى من القرن العشرين. وقد اخترنا الحديث عن «نسين» بمناسبة عودة العلاقات الدبلوماسية من جديد بين مصر وتركيا. ويرجع السر وراء هذا الاختيار للعديد من الأسباب، يأتى على رأسها بالقطع أن الأدب والفن هما بحق لغة عالمية، تؤثر وتتأثر، لغة حوار بين الشعوب، وعادةً ما تُصلِح ما أفسدته السياسة. ولا نبالغ إذا قلنا إن أدب عزيز نسين كان له صداه فى العالم العربى، بل وترك تأثيره على العديد من الكُتَّاب العرب؛ إذ اشتهر أدب عزيز نسين بأسلوب الكوميديا السوداء، ويرجع السر وراء ذلك إلى معارضة نسين كل أنظمة الحكم فى تركيا، واستخدام السخرية فى نقد النظام. كما ساعد انتماء عزيز نسين إلى اليسار العالمى على المزيد من المعرفة والشهرة فى أوساط كُتَّاب اليسار العربى، بل وحتى كُتَّاب اليسار فى إيران.

ولم يكتف نسين بنقد أنظمة الحكم فى تركيا، بل قام- وقبل قيام ثورة ١٩٥٢ فى مصر- بنقد النظام الملكى فى مصر، خاصةً الملك فاروق نفسه، وعدم قدرته على معالجة الأزمة الاجتماعية. كما هاجم نسين نظام الشاه فى إيران بعد الإطاحة بحكم مصدق وإلغاء تأميم شركات البترول لصالح الغرب.

وانضم عزيز نسين إلى حركة أدباء آسيا وإفريقيا، وحضر إلى مصر فى عام ١٩٦٦ للاشتراك فى اللجنة التحضيرية لمؤتمر أدباء آسيا وإفريقيا.

ويقدم أكمل الدين إحسان أوغلو فى كتابه «مختارات من القصة القصيرة التركية» سيرة حياة نسين، كما يقوم بترجمة ممتازة لقصة قصيرة لعزيز نسين هى «السلطان الذى تنتخبه الغربان». وتتسم هذه القصة بروح السخرية الحادة التى تُمَيِّز كتابات نسين، كما يوظف جيدًا التراث الأدبى، لا سيما حكايات ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، فى نسج قصته، التى يسخر فيها من الشعوب التى لا تنتخب هى حكامها، بينما تترك للغربان مهمة اختيار الحاكم. ويرمز هنا إلى جماعات أصحاب المصالح بالغربان، فى كوميديا سوداء تجعلك تضحك أحيانًا وتبكى أحيانًا، أو تضحك وتبكى معًا. وهنا يسخر نسين من الديمقراطية الزائفة ونظام الانتخابات الذى يسمح للغربان بانتخاب الحاكم! كما يسخر من الزعيم نفسه، ويرى أن كل زعيم يتوهم فى نفسه أنه الفاعل الوحيد للخير للناس. ويصل بنا نسين فى نهاية قصته القصيرة الشيقة والساخرة إلى فكرة أن تضخم دور مراكز القوى أو جماعات أصحاب المصالح يؤدى بالضرورة إلى القضاء على الحاكم، وبداية لعبة انتخابات جديدة لتأتى بحاكم جديد على هوى الغربان!