رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صناعة السياحة فى مهرجان العلمين

أيام قليلة وينطلق مهرجان العلمين السياحى كأحدث مهرجان سياحى يتم إطلاقه فى الشرق الأوسط.. المهرجان ليس هو الأحدث فقط، ولكن مدينة العلمين، أيضًا، هى أحدث وأكبر مدينة يتم إطلاقها على شواطئ البحر المتوسط، الذى يجمع أوروبا وإفريقيا على شاطئيه.. المختصون فى البناء يقولون إنها أحدث مدن الجيل الرابع، والمعنى أن كثيرًا من مرافقها يُدار بالذكاء الاصطناعى.. قد لا يصدق العالم أن العلمين كانت حتى أربع سنوات فقط حقل ألغام كبيرًا.. الألغام زرعها الجيش البريطانى بقيادة مونتجمرى ليوقف تقدم جيوش الألمان القادمة من ليبيا بقيادة روميل، الذى كان يحمل لقب «ثعلب الصحراء».. انتهت الحرب وترك المنتصرون والمهزومون خلفهم آلاف الألغام فى صحراء العلمين، وتركوا، أيضًا، جثث ضحايا المعارك من الجانبين.. لسنوات طويلة كانت مصر عاجزة عن تطهير حقل العلمين من الألغام، وكانت الصحافة تنشر قصصًا عن أهالى العلمين الذين يتعرضون لحوادث انفجار ألغام بين حين وآخر.. كان الأمر يحتاج إلى ثورة فى حجم ثورة ٣٠ يونيو، وإلى فكر جديد فى التنمية مثل فكر الرئيس عبدالفتاح السيسى.. طهرت القوات المسلحة المنطقة من الألغام باستخدام أحدث المعدات، وبدأت معركة البناء بهدف التنمية والإضافة للثروة المصرية لا بأى هدف آخر.. أحد أهداف بناء العلمين أن تكون امتدادًا لعروس المتوسط التى تألقت فى الماضى وعدد سكانها ٢٠٠ ألف، وما زلنا نطلب منها أن تتألق وعدد سكانها ٨ ملايين.. وهو طلب مستحيل كما نرى.. قامت العلمين كأول مدينة متكاملة تضم الوحدات السكنية والجامعات والمراكز والبنوك والمساجد والكنائس، وتنقل الساحل الشمالى كله عشرات السنوات للأمام.. بناء أى مدينة يرتبط بأهداف عمرانية واقتصادية وسياحية وصناعية، ومن يتخيل عكس ذلك فهو واهم أو مضلل.. الذين يقولون إننا بنينا المدن الجديدة لأسباب مظهرية يعانون من نسبة ذكاء محدودة أو يتعمدون التضليل، مدينة مثل العلمين تعنى أرباحًا كبيرة لصناعات البناء والتطوير العقارى والسياحة والفنادق والجامعات الخاصة، وكل ما يرتبط بها من خدمات وصناعات.. ما يدعو إلى التفاؤل هو الإحساس بأن كل الأمور مخططة بدقة وتسير بأعلى معدل من الاحترافية.. أقوى الأدلة على ذلك هو مهرجان العلمين الذى يستعد للانطلاق.. هذا المهرجان استغرق العمل فيه شهورًا طويلة لكن لم يتم الإعلان عنه سوى قبل قليل من إطلاقه وبعد اكتمال كل التفاصيل.. أحد أدوار المهرجان هو الترويج للمدينة.. إذا أردت أن تجعل مدينة سياحية مشهورة اخلق لها مهرجانًا.. أنا وأنت والملايين نتحدث كل عام عن مهرجان «كان».. مهرجان السينما الذى جعل اسم المدينة الصغيرة على كل لسان ولعقود متتالية.. فى كل عام يشد الآلاف رحالهم للمدينة الصغيرة على شاطئ المتوسط ويملأون الفنادق والبيوت والغرف كى يتابعوا فعاليات مهرجان كان.. دون أدنى غرور، فإن العلمين كمدينة حديثة تفوق المدينة الفرنسية من حيث الحجم والمساحة والخدمات... إلخ.. إنها باختصار النسخة الأحدث، ولا يعنى هذا أى مقارنة بين الحدثين فى كلتا المدينتين.. فهذا موضوع وهذا موضوع آخر تمامًا.. لكن الفكر الذى يقف أمام مهرجان العلمين فكر ناضج واحترافى وفاهم، ولا بد من توجيه التحية له.. إن إطلاق الفعاليات الخاصة هو أفضل وسيلة للترويج السياحى والاقتصادى والسياسى أيضًا.. إن إخوتنا فى دبى مثلًا يطلقون منذ أعوام أسابيع دبى للتسوق لترويج اسم هذا البلد الجميل.. والإخوة فى السعودية يطلقون موسم الرياض وأيام جدة... إلخ، وهذا شىء جميل.. ونحن فى مصر نعود لما كنا نفعله منذ الخمسينيات حين كانت حفلات أضواء المدينة تجوب المدن المصرية، والأوبرا والمسرح القومى يزدهران بالعروض، ومهرجان القاهرة ينافس أكبر مهرجانات السينما هو وعشرات المهرجانات الأخرى.. لقد توقف كل ذلك وتراجع منذ ٢٠١١ واختطاف البلد من جماعة الإرهاب ثم الحرب التى شنوها على المصريين بعد ٣٠ يونيو.. والآن يعود كل شىء إلى سابق عهده وأفضل مهما حاولوا تصوير العكس.. نحن نسير للأمام وسنواصل السير للأمام مهما حاولوا إيقافنا.. هذا عهد مصر مع نفسها وعهد أبنائها معها.