رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر بين الطاقة المتجددة.. والوقود الأحفورى

هل يمكن أن يشكل التوازن بين الطاقة المتجددة والوقود الأحفوري في مصر سابقة لتحولات الطاقة النظيفة الأخرى في جميع أنحاء العالم؟.
يجيب عن هذا التساؤل، جيسون ميتشل، المحرر أول في (إنفستمنت مونيتور)، الذي عاش على مدى السنوات الثلاث الماضية في إفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى، وكتب على نطاق واسع حول هذا الموضوع من منظور تلك القارة، حيث يؤكد أنه صحيح أن مصر  تعاني من مصاعب اقتصادية، أدت إلى ارتفاع التضخم السنوي، مما عكس ارتفاعًا في أسعار المواد الغذائية، بعدما تسبب الصراع في أوكرانيا في حدوث اضطرابات في الإمدادات، وهي أكبر مشتر للقمح في العالم، حيث تستورد 80٪ من احتياجاتها من منطقة البحر الأسود. 
لكن، على الرغم من هذه المشاكل الاقتصادية، تخطو مصر خطوات كبيرة في سياسة الطاقة.. ويمكن أن تدحض العقيدة القائلة بأن الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة يخوضان منافسة محصلتها صفر.. بل إنها تبرز كرائدة في تطوير الطاقة المتجددة مع تحسين قدرتها على إنتاج الغاز الطبيعي البحري في نفس الوقت.. وقد وجدت تآزرًا بين تطوير الغاز الطبيعي وانتقال الطاقة الخضراء، من خلال سوق تصدير الطاقة.. وفي حين ساعدت بيئة البلاد في تهيئة الظروف لهذا النجاح، فإن التوازن بين مصادر الطاقة المتجددة والوقود الأحفوري يمكن أن يساعد في وضع سابقة للبلدان والشركات في جميع أنحاء العالم.
تمتلك مصر وفرة من الأراضي والطقس المشمس وسرعة الرياح العالية، مما يجعلها موقعًا مثاليًا لمشاريع الطاقة المتجددة.. وتتمتع مصر برياح ممتازة على طول خليج السويس بمتوسط سرعة رياح تبلغ 10.5 م/ ثانية.. إنها دولة (حزام الشمس) مع ألفي إلى ثلاثة آلاف كيلو واط ساعة / م 2 سنويًا من الإشعاع الشمسي المباشر، وتشرق الشمس لمدة تتراوح بين تسع وإحدى عشرة ساعة في اليوم من الشمال إلى الجنوب، مع عدد قليل من الأيام الملبدة بالغيوم.
وتؤكد استراتيجية الحكومة المتكاملة للطاقة المستدامة لعام 2035 أهمية الطاقة المتجددة.. تريد مصر تحسين إمدادات الكهرباء المولدة من مصادر متجددة إلى 42٪ بحلول عام 2035.. ستوفر الطاقة الشمسية الكهروضوئية 21.3٪ من الطاقة، وستوفر الرياح 14٪، والطاقة الشمسية المركزة 5.5٪ والطاقة المائية 1.98٪، بينما توفر مصادر الطاقة التقليدية 57.33٪.
حاليًا.. يتم مراجعة هذه الخطة، ويمكن أن تشكل مصادر الطاقة المتجددة 33٪ من مزيج الطاقة بحلول عام 2025، و48٪ بحلول عام 2030، و55٪ بحلول عام 2035 و 61٪ بحلول عام 2040.. ومن المتوقع أن يقدم القطاع الخاص معظم هذه القدرة،. وبينما يعتبرها الخبراء متفائلة للغاية، فإن الأهداف الطموحة يمكن أن تساعد في تشجيع المزيد من التنمية.
في الوقت نفسه، تعمل مصر أيضًا على تطوير قدرتها البحرية من الغاز بسرعة.. في عام 2019، بفضل الإنتاج من رواسب الغاز الطبيعي البحرية الضخمة، حققت مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، وأصبحت مصدرًا صافيًا للطاقة في شكل غاز طبيعي مسال.. وكان أكبر اكتشاف للغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط ـ حقل ظهر قبالة ساحل بورسعيد ـ تديره شركة الطاقة الإيطالية متعددة الجنسيات إيني، وشركة إيجاس المملوكة للدولة المصرية.
وقد أدى فائض الكهرباء في مصر بدوره إلى تطوير الربط الكهربائي إلى أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.. في البداية، سيتم توليد معظم صادرات الكهرباء المباعة عبر الكابلات من الغاز الطبيعي، والذي يشار إليه عادة باسم (الغاز عن طريق الأسلاك).. ومع ذلك، فإن هذه الروابط تحفز المزيد من الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة في البلاد، بعد أن أنشأت البنية التحتية للنقل لسوق تصدير الكهرباء.. علاوة على ذلك، في مارس 2021، وقعت الحكومة المصرية اتفاقية مع مجموعة DEME البلجيكية، لإجراء دراسات جدوى حول إنتاج الهيدروجين الأخضر في خليج السويس.. وهي تخطط لتحلية مياه البحر بمساعدة الطاقة المتجددة في إنتاج الهيدروجين الأخضر.. ويُعد صعود مصر كقوة إقليمية في مجال الطاقة إنجازًا كبيرًا للبلاد.. ويمثل قطاع الطاقة بالفعل نحو 20% من ناتجها المحلي الإجمالي، ومن المرجح أن يكون دفعة مهمة للاقتصاد، 
ولم تنس مصر استخدام موقعها، كمضيف لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP 27)، في نوفمبر 2022 بشرم الشيخ، لإعطاء صوت أكبر لتلك البلدان ـ وخاصة الاقتصادات الرئيسية في إفريقيا ـ التي تسعى إلى دور أكبر للغاز الطبيعي في عملية انتقال الطاقة، حيث تمثل إفريقيا بأكملها 2٪ إلى 3٪ فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم من مصادر الطاقة والصناعة، وهي تقريباً نفس نسبة ألمانيا وأقل بكثير من الصين (27٪) والولايات المتحدة (15٪) والهند (7٪)، وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل القادة الأفارقة يضغطون من أجل انتقال (عادل)، حيث تقع مسئولية إزالة الكربون من الصناعات العالمية، على عاتق دول مثل الصين التي ساهمت في الضرر البيئي.
ويعتمد العديد من البلدان في إفريقيا على الوقود الأحفوري ـ وخاصة الغاز الطبيعي ـ في عمليات التصنيع والحد من الفقر.. وهذا يعني أن الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة في إفريقيا يمكن أن يكون أبطأ من أي مكان آخر في العالم، ويمكن أن يستفيد من خطة مصر للجمع بين الوقود الأحفوري في نظام طاقة يعطي الأولوية للاكتفاء الذاتي.
مصر في وضع فريد، لأنها تنعم بحقول الغاز الطبيعي الضخمة، وهي مناسبة للغاية لطاقة الرياح والطاقة الشمسية.. ليست كل البلدان محظوظة إلى هذا الحد، ولكنها تُظهر للاقتصادات الأخرى، كيف يمكن تطوير قطاع طاقة قائم على الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة المتجددة في نفس الوقت.. وسيؤدي ذلك بالطبع إلى ارتفاع انبعاثات الكربون، ولكن من قاعدة منخفضة للغاية.. وفي السياق الإفريقي، يجب أن تكون هناك مقايضة بين البصمة الكربونية للبلد والحد من الفقر، على الأقل في الأجلين القصير والمتوسط.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.