رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى حضرة الملك محمد منير



ليلة فارقة في التاريخ الغنائي، عاشها عشاق الموسيقى والغناء وأبناء الملك محمد منير، منير عابر الأجيال والصوت المصري الواضح يشدو من على شاطئ جدة لترقص الأرواح من المحيط إلى الخليج.
جاءت السهرة التي نظمتها هيئة الترفيه السعودية مكتملة الأركان، فرقة موسيقية على أعلى مستوى من الاحتراف والتمكن وحضور بارز خطفه منير ثابت الموهبة، وجمهور راق استطاع فور انتهاء الحفلة الإفلات بغنيمته الثمينة بعد أن عاش سهرة لا يمكن تكرارها بمثل هذا الاكتمال. 
مشوار محمد منير الذي امتد أكثر من أربعين عاما يستحق الانتباه، هذا الفتى الأسواني الذي جاء إلينا كقطعة من طمي النيل منحوتة بمهارة فائقة، هو الذي ارتوى من ينابيع عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ، لكنه يرفض السير على ذات الخطى، يبحث عن موسيقاه الملونة الخاصة التي استلهمها من لون الحوائط البيضاء في أسوان ومن لون مياه النيل وصمت الحجارة، لذلك جاء مختلفا تمامًا وعلى يد الحاج أحمد منيب يحترف الغناء على السلم الخماسي ومن كلمات فؤاد حداد تنطلق الأغنية الأشهر في تاريخه الغنائي "الليلة يا سمره" تلك الأغنية التي رقصت لها قلوب جماهيره أو "المنايرة"، وهو اللقب الذي اختاروه لأنفسهم.
ربما كواليس صناعة أغنية "الليلة يا سمرا" بكل دراميتها هي التي صنعت لها الخلود، وهي التي كتبت لمنير مشواره الذي نحتفل به الآن، "الليلة يا سمرا" تم إبداعها بالكامل في معتقل الواحات في حبسة "1959 - 1964" عندما أراد ثلاثة سجناء أن يحتفلوا بعيد ميلاد زعيمهم القائد الشيوعي زكي مراد المحبوس معهم،  فيكتب السجين فؤاد حداد الكلمات ويلحنها السجين أحمد منيب ويغنيها السجين المطرب محمد حمام.
تولد الأسطورة من هنا، ثم يهديها صناعها للفتى الذي جاء من أسوان طالبا بكلية الفنون الجميلة ومنحازًا للتغيير باحثًا عن الجمال البديل والمختلف.
بعدها جرت مياه كثيرة في النهر، محطات مختلفة مع شعراء وموسيقيين من مختلف المدارس، هاني شنودة يلبي النداء مع منير عندما خلع آلة الأورج من ثباته الثقيل وصنع له حزامًا خفيفًا على كتفه، كمال الطويل بعمقه واحترافه يضع بصمته في "علي صوتك بالغنا" وصولًا إلى الشاب المتدفق الموهبة وجيه عزيز.
مشوار منير الذي تابعناه، هذا الأسبوع، على كورنيش جدة، جدير بالفرحة والاحتفال، لذلك كان من حق المايسترو هاني فرحات الذي قاد الحفل الأخير أن يقول صراحة بأن جزءًا كبيرًا من أحلامه قد تحقق هذه الليلة.
وبشكل تقني قال المايسترو فرحات عن الاحتفال إن هيئة الترفيه تقدم مشوار محمد منير بأوركسترا كاملة العدد، وإن التحضير قد استغرق شهرًا كاملًا لاختيار الموسيقيين بدقة هدفها تقديم كواليتي موسيقى لم يسبق تقديمه، يليق بتاريخ محمد منير.
جاءت ملامح وجه منير الهادئة في الاحتفال كي يطمئن عليه "المنايرة"، اجتهاده كي يغني كثيرًا وهو واقف قليلًا وهو جالس على الكرسي كان رسالة واشتباك مع جماهيره التي لن تنسى تلك السهرة الفارقة، هو شجر الليمون وهو الريشة في هوا.
أما عن المستشار ترك آل الشيخ وما بذله خلال الأشهر القليلة الماضية مع رموزنا الفنية فهو جهد مشكور ملفت للانتباه من سهرة الموجي إلى سهرة هاني شنودة وقبلهما عمرو دياب مرورًا بأسماء مهمة  تتقدمهم مي فاروق، كل هذا يدعونا لتقدير انحياز الشيخ ترك للقوة الناعمة المصرية، حيث قام بإعادة تصديرها للعالم في أبهى صورة وبجودة رائعة.
شكرا محمد منير.. شكرًا المايسترو هاني فرحات.. شكرا ترك آل الشيخ. 
عادت ليالي الفرحة والمتعة في زمن بخيل ضاق على أرواحنا حتى باتت السعادة في نوستالجيا الصبا والشباب، وأن نعناع الجنينة قادر على صناعة البهجة.