رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى رحاب دولة الإخوان التكفيرية


بقلم ثروت الخرباوى

رحم الله أساتذتنا الذين كانوا يقولون: من نظر إلى الناس بعين الدعوة رحمهم، ومن نظر إليهم بعين الدعوى رجمهم، فانظر لحالك كيف تنظر للناس أقل لك من أنت، الداعية يحب كل الناس مهما اختلفوا عنه ومعه، يدرك أن الاختلاف طبيعة البشر،

ولا يزالون مختلفين، أما السياسى فهو الذى ينظر للناس بعين الدعوى، هو صاحب قضية، والقضية لها أطراف، وخصوم، ونزاع، الدعوى خصومة، والدعوة أمومة، ويوم أن تركت جماعة الإخوان الدعوة واحترفت الدعوى، انهال تكفيرها على رءوسنا .

التعبيرات والمصطلحات التى يستخدمها أفراد جماعة الإخوان منذ حقب تدل على أن التكفير تغلغل فى قلب الإخوان وسيطر عليه، وأذكر أننى عندما تركت الجماعة لاختلافى معها فى الرأى، باغتنى كثير من الإخوان بعبارات التكفير والتخوين حتى إن أحدهم قابلنى ذات يوم، وعندما تناقشنا فى اختلافى مع الجماعة قال لى: هل تظن نفسك مسلماً بعد أن خرجت من الجماعة ؟ وكان أن تجاهلته ولم أرد عليه، وقلت فى نفسى إن قوله يدل على غلواء التطرف وضيق الأفق، وانصرفت إلى حال سبيلى، ومع مرور الأيام إذا بهذه العبارة عينها تواجهنى كلما تحدثت مع أفراد من الجماعة، إلا أننى ولكى تكتمل دقة القول أقول إن بعض الإخوان كانت لديهم رحابة فكر، يرحبون بالاختلاف ولا يضيقون منه أو يكفرون صاحبه.

ولأننى تعودت على إعادة قراءة الكتب التى قرأتها من قبل، إذ إن المراحل الفكرية والذهنية التى يمر بها الإنسان تتغير وتتطور، وقد يجد الواحد منا فى كتاب قرأه منذ زمن أفكاراً لم ينتبه لها عند القراءة الأولى، فكان من البديهى أن أعيد بعد أن تركت الإخوان قراءة كتب رموز ومفكرى الحركة الإسلامية، فوقع فى يدى كتاب «من ملامح الحق» للشيخ الغزالى وكنت قد قرأته فى مرحلتى الجامعية، فرغت من قراءة الكتاب فى ساعات إلا أننى لم أفرغ من التفكير فيه لحد الآن، وكان مما أذهلنى فى الكتاب تلك الفقرة المؤلمة التى تؤكد أن للأنواع أصلاً، وللتكفير منبتاً.

يقول الشيخ محمد الغزالى فى كتابه (ولقد عجبت لخلاف وقع بين شباب الإخوان المسلمين أثاره بعضهم بتشاؤم، هو: هل نحن جماعة المسلمين أم جماعة من المسلمين ؟ والإجابة عن هذا السؤال لها نتائج ذات بال، بل نتائج ترتبط بها صيانة دماء وأموال! فإن الذين يحسبون أنفسهم جماعة المسلمين يرون مخالفة الأستاذ حسن الهضيبى ضرباً من مخالفة الله ورسوله، وطريقاً ممهدة إلى النار وبئس القرار! وقد كنت أسير مع زميلى الأستاذ سيد سابق قريباً من شعبة المنيل، فمرّ بنا اثنان من أولئك الشبان المفتونين وأبيا إلا إسماعنا رأيهما فينا وهو أننا من أهل جهنم! وصادف ذلك منا ساعة تبسط وضحك فمضينا فى طريقنا وقد سقط طنين الكلمة النابية على الثرى قبل أن يتماسك فى آذاننا… فمن المضحك أو المبكى أن يخطب الجمعة فى مسجد الروضة عقب فصلنا من المركز العام من يؤكد أن الولاء للقيادة يكفر السيئات، وأن الخروج عن الجماعة يمحق الفضائل، وأن الذين نابذوا القيادة (يقصد المرشد للجماعة) عادوا للجاهلية الأولى لأنهم خلعوا البيعة !! تغلغل هذا الضلال فى نفوس الناشئة حتى كتب بعضهم لأخ له من قبل يسأله: هل تظن نفسك مسلماً بعد ما خرجت من صفوف الجماعة ؟).

كانت بذرة التكفير إذن قد دخلت إلى الجماعة وقت أن اشتد الخلاف على البيعة للمرشد الثانى حسن الهضيبى، ثم نمت هذه البذرة واشتد عودها بعد أن أدخل سيد قطب فى الجماعة فكرة « الأمة الجاهلية والأمة المسلمة» ثم نزع الإسلام ممن يحكمون بغير ما أنزل الله، أو يقبلون الحاكمية لغير الله، وهو الفكر الذى وصفه الدكتور القرضاوى بالفكر «المتطرف» الخارج عن فقه أهل السنة والجماعة، ومن أسف فقد أصبح هذا الفكر هو المسيطر على الجماعة حالياً بعد أن تولى مقادير الجماعة تلاميذ سيد قطب «بديع وإخوانه»، وإذا انتقلنا من ذلك التكفير الذى تم إشهاره فى وجه الشيخ المجدد محمد الغزالى، وذلك التكفير الذى أشهره القطبيون فى وجه المسلمين، سنجد أن الصورة لم تتغير كثيراً عند بعض كبار شيوخ الإخوان، فما أسرع وأبأس الفتاوى التكفيرية التى خرجت من كبار شيوخ الإخوان، والتى ما زالت تؤدى دورها فى تضليل عقول الشباب الإخوانى الذى تعود على السمع والطاعة والثقة فى القيادة .

فالكاتب الإخوانى سعيد حوى صاحب التأثير الأكبر فى أفراد الجماعة يقول فى كتابه المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين: ( إننا فى هذا المدخل استقرأنا النصوص لنصل إلى مواصفات جماعة المسلمين، وبرهنا على أنها موجودة فى دعوة الأستاذ البنا ) والأمر الواضح من عبارات سعيد حوى أنه بحث عن مواصفات « جماعة المسلمين» وضع تحت « جماعة المسلمين» خطاً، فوجدها فى دعوة الأستاذ البنا !! وكأنه بهذا التحديد قد حسر وصف جماعة المسلمين عن الكل وأعطاه فقط لجماعة الأستاذ البنا !! .

الأستاذ سعيد حوى يرى أن جماعة المسلمين موجودة على سبيل الحصر داخل جماعة الأستاذ البنا، هى إذن ليست جماعة من المسلمين، ولكنها بحصر القول « جماعة المسلمين» ستجد مثل هذه الأفكار فى كتابات الأخ جمعة أمين عضو مكتب الإرشاد، وفى تصريحات الأخ محمود غزلان العنيفة التى تدل على أن الله قد نزع من قلبه الرفق، ليست هذه الأفكار مستغربة على هذا الكيان الإخوانى الجديد، فكلنا سمعنا وتعجبنا من تصريحات الأخ محمد بديع مرشد الإخوان والتى تدل على أنه رجل يعيش فى ذاته، أليس هو من تلاميذ الحاج مصطفى مشهور الذى كتب من قبل أن الديمقراطية كفر والعلمانية والليبرالية والاشتراكية شرك بالله، وكما قال بحصر اللفظ « إن هى إلا أسماء سميتموها أنتم وأباؤكم» والآن وقد تم إعلان قيام دولة الإخوان فى مصر فلم يبق إلا أن تعلموا أنكم الآن فى رحاب دولة الإخوان التكفيرية.