رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى كازابلانكا.. لم تكن هناك كرة قدم

كانت مباراة الأهلى، أمس الأول، فرصة للخروج من حالة الاكتئاب والحزن التى حاصرتنى طوال نهار الأحد الذى بدأ بوفاة صديق ورفيق عزيز، لكن.. هذا هو الموت، لا يعرف أحبة، ولا أهلًا، ولا عزيزًا عليه.. وهذه هى الدنيا، لا أحزان تدوم، ولا أفراح تستمر، ولا أى شىء يبقى لأكثر من لحظاتٍ، ننتهى بعدها جميعنا، فلا يبقى شىء.

ورغم فرحة انتصار نادى الأهلى، وتتويجه بكأس أبطال إفريقيا للمرة الحادية عشرة، وما تضمنه الفوز من رد على ما حدث فى نهائى العام الماضى من تجاوزات ضد الفريق، أدت إلى فوز «الوداد» بالبطولة، وظهرت فى عبارة الكابتن محمود الخطيب التى قالها ليلتها لرئيس الاتحاد الإفريقى: «هذا ليس عدلًا»، وفى إلقاء عمرو السولية للميدالية الفضية قبل مغادرته أرض الملعب.

رغم الفرحة الكبيرة هذه، ويقينى القاطع قبل بداية المباراة من فوز الأهلى، واستحقاقه البطولة، لكن ما حدث منذ اللحظة الأولى كان مخيبًا للآمال والتوقعات، ومثيرًا للأسى والشفقة على حال كرة القدم فى القارة الإفريقية كلها، فلم تكن هناك فى كازابلانكا أى لمحة عن كرة القدم، بمتعتها، وإثارتها، وجمال تقلباتها، ومفاجآتها. 

لم أستطع الاستمتاع بالمباراة التى خرجت بصورة لا تليق بنهائى دورى الأبطال فى أى قارة، بل ولا تليق بدورى درجة ثانية فى أى «حتة» فى الكون.. فلم يكن هناك، فى ملعب «محمد الخامس» بمدينة كازابلانكا المغربية، أى شىء له علاقة بكرة القدم.. لاعبون متوترون، متشنجون، وعصبيون، وتحركات عشوائية غير منظمة أو مفهومة.. «مطرح ما الكورة تروح كلنا وراها»، وشخص إثيوبى معه صفارة ينسى استخدامها فى معظم الأحيان، وزجاجات مياه وقنابل دخانية فى كل مكان.. باختصار، لم يكن هناك أى شىء.. لا لاعبون، ولا مهارات، ولا مدربون، ولا خطط، ولا تحكيم، ولا جمهور.. لا شىء مطلقًا سوى كرة «مسكينة» يتم إلقاؤها على الأرض، ومجموعة من «الزومبى الغاضبين» يجرون وراءها هنا وهناك، معصوبى الأعين، ويتحركون بلا رؤية ولا هدف، يتبادلون الضرب أحيانًا، والسب أحيانًا، وتقطيع الهدوم أحيانًا، والجرى وراء الحكم وشده من ملابسه أحيانًا، ثم فيما بين كل هذا، يقفون فى فاصلٍ طويل، انتظارًا لتطاير الأدخنة التى تحجب الرؤية فى الملعب معظم الوقت.

ما علاقة كل هذا بكرة القدم؟! الحقيقة أننى لا أعرف، ولا أرى أى رابط بين هذه الحالة «المزرية» التى استمرت أكثر من ساعتين «بسبب التوقفات الكثيرة»، وبين اللعبة التى نشاهدها فى دول وعوالم أخرى غير تلك التى نعيش فيها.

ولك أن تلاحظ، مثلًا، كم الفرص التى أضاعها لاعبو «الوداد»، لمجرد أن الكرة خبطت فى لاعب دون أن يراها، أو يستعد لها، أو يعرف كيف يستقبلها، ومنها فرص مؤكدة فى قلب منطقة الجزاء، وأن الهدف الوحيد جاء من كرة تكررت ثلاث مرات، بنفس السيناريو، ولعبها نفس اللاعب، بنفس الطريقة، وفى نفس الزاوية، منها مرتان وصلت إلى يد الشناوى، ودخلت الثالثة، «أضعفها»، المرمى بعد اصطدامها بالأرض.. فماذا يعنى هذا سوى أنها «حظوظ» لا أكثر ولا أقل، لا اللاعب رقم «١٤» الذى لعب الركلة ثلاث مرات يعرف ما يفعل، ولا حارس المرمى يعرف كيف يتصدى، ولا عموم اللاعبين الواقفين فيما بينهما لديهم فكرة عما ينبغى أن يحدث.

ولك أن تستعيد مشهد حكم المباراة، وهو يترك هجوم الأهلى على وشك إحراز هدف «لم يتم بالطبع»، ويجرى فى الاتجاه المعاكس، ليرى لاعب «الوداد» المصاب فى نصف الملعب الآخر، ثم يتذكر فجأة أن هناك كرة، وفريقين ما زالا يواصلان اللعب، لأنه لم يطلق أى صافرة عندما خطف اللاعب «الواقع» نظره، وجرى ناحيته، فعاد ليظهر الكارت الأصفر فى وجه أحد لاعبى الأهلى، لأنه شده من قميصه.. وغيرها الكثير والكثير من المشاهد التى كان يبدو عليه التردد فيها فى اتخاذ القرار، فكان يتخذ قرارًا فى منطقة، بينما تكون الكرة قد تحركت إلى منطقة أخرى بعيدة تمامًا.

أما عن فرص الأهلى المؤكدة، فحدث ولا حرج.. خصوصًا فرصة محمد شريف التى انفرد فيها تمامًا بحارس المرمى فى الدقيقة ٩٠، لكنه لم يعرف ماذا يفعل، فخبطت رجلاه فى بعضهما، وخبطت الكرة فيه، ثم خبطت فى الحارس، وعادت إليه ليفعل بها أى شىء سوى إحراز هدف، كان بإمكانه أن ينهى المباراة.

وأما عن الجمهور، فلك أن تلاحظ كمية زجاجات المياه التى ألقيت على لاعبى الأهلى، عندما ذهبوا للاحتفال بهدف التعادل مع جمهورهم، وأن تحسب عدد الدقائق التى توقف خلالها اللعب بسبب قنابل الدخان، وغيرها الكثير والكثير من الأحداث التى لا أعرف كيف استوعبتها ٩٠ دقيقة يفترض أنها زمن المباراة.

أخيرًا.. لا أعرف من صاحب تلك العبارة السمجة التى ظل مذيع المباراة يعيدها ويزيدها، والتى كررها من بعده محللو المباراة فى الاستديو أكثر من مرة «النهائيات تُكسب ولا تُلعب».. هذه العبارة القبيحة التى يمكنها أن تحول متعة كرة القدم إلى كابوس مزعج يشبه تمامًا ما شاهدناه مساء أمس الأول الأحد، فى استاد محمد الخامس بكازابلانكا.

الحقيقة أنه رغم فوز الأهلى، وفرحة البطولة الحادية عشرة «وكل حاجة»، لكن للأسف لم تكن هناك أى كرة قدم فى تلك الليلة البائسة.