رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زوجتى ممثلة!

يبدو الموضوع خصوصيًا، لكنه عمومي بكل معنى الكلمة؛ فللرجال الذين يتزوجون نساء ينتمين إلى مهن معينة منظورة، وهم كثيرون طبعًا، مكان فسيح بيننا مهما يكن منفردًا، وجماعة منهم تعاني أشد المعاناة بسبب مهن الزوجات، وبالرغم من كل التطور المجتمعي الذي جرى، إلا أن التغير الإيجابي المنشود كان نسبيًا لا مطلقًا، وقد ساهمت عقليات رجعية في نقصانه، عقليات تحركها الموروثات المتزمتة البالية، ودعم المسألة رجال دين متشددون وأخلاقيون ديدنهم القياس الخاطئ..
زوجتي ممثلة، أقول أنا ويقول آخرون، وإن كنت أقولها بثقة وفخر فإن غيري لا يملكون نفس الثقة ولا الفخر؛ لأنهم متأثرون بالسمعة القديمة للمرأة التي مجالها التمثيل؛ فهي، في يقين جماعات من الناس، منفلتة تسهر ليلها في استديوهات التصوير بصحبة زملائها الرجال، وقد تكون، معاذ الله، من النوع الذي يقبل المشاهد الساخنة والتعرّي، وعلى ذلك فوضعها مشين، هذه أقاويل الناس التي تخيف زوج السيدة الممثلة، وقد يضاعف من خوفه أن يطلق الناس عليه ألقابًا مسيئة مثل "زوج الست"، وأن يعتقدوا أنه يستغل شهرتها ومكاسبها؛ فالوهم الراسخ أن التمثيل يجلب الغنى الفاحش، كما الشهرة الطاغية، لكل أهله!
متجاوزو الواقع سيجدونني مبالغًا هكذا؛ فهذه الخواطر عندهم نائمة، والحقيقة أنها مستيقظة عند كثيرين، وأنها تسبب لأعداد من الرجال المرتبطين بممثلات إزعاجًا وأرقًا كبيرين، كما تصيب الممثلات أنفسهن بالإزعاج والأرق؛ فأسماؤهن دائمًا على المحك!
لا يفهم الخلق، ولا أدري لماذا لا يفهمون، أن اشتغال المرأة بالتمثيل، وما إليه، كاشتغالها بأي مجال آخر، المشكلة في الفكرة البائسة المتدنية عن الأنثى بذاتها، وليست فيما تقوم به الأنثى، لا يفهمون أيضًا أن العاملات في مجال التمثيل بريئات الأعماق غالبًا، بل إن فنهن يمنحهن رهافة زائدة، وكل الحكاية أنهن يدعين اختلاف مهنتهن عن غيرها، ويجارين، لو شئن، متطلباتها اللافتة ما دامت حتمية، ولا فساد في أحوالهن على هذا النحو، أما السهر فلا يكون ملزمًا لو لم يوافق ظروف الممثلة، ولو فُرض وسهرت في مكان التصوير، بدون معية أمينة، فلا يجب أن نسيء الظن بمحيطها؛ فزملاؤها وزميلاتها هم أنفسهم قلاعها الحصينة، بحسب الطبائع، وأظن الأغلبية محترمين، وأما ما يخص الشهرة والمال فإن ممثلات رائعات عديدات لا ينلن شهرة عريضة ولا يحصدن مالًا وفيرًا.. إنما يذهب ذلك إلى نجمات الصف الأول عادة، ولا يعيبهن ولا أزواجهن طبعًا، فالحصاد من زرع طيب مشترك..
الممثلة ممثلة، في أول الأمر وآخره، تلعب أدوارًا منوعة، لا صلة لها بمعظمها أساسًا، وما عليها إلا أن تلعبها بإخلاص وتفانٍ؛ لأن هذا عملها الذي منه بصمتها الخاصة واستقلال عيشها إن أرادت.. الزوج عليه أن يكون ناضجًا وقويًا؛ فيكون سندًا لزوجته المبدعة، يمنحها الأمان والثقة، ويجعلها مُحبّة لنفسها ومهنتها بصدق.