رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كتالوج نتنياهو

قبل أسبوع.. كان الإسرائيليون غاضبين، اليمين واليسار على حد سواء، قالوا إن الرد على صواريخ الجهاد الإسلامى لم يكن كافيًا، صرخوا فى القنوات وفى وسائل التواصل الاجتماعى، الاستطلاعات منحت الحكومة أرقامًا منخفضة، اتهموا رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بأنه ضعيف، ويخاف المواجهات، وأن الشىء الذى انتخبوه من أجله- وهو الأمن- قد فشل فى تحقيقه، المنحنى كان فى هبوط مستمر.. وفى اليسار كانوا سعداء، وقالوا لأنفسهم: قد نتخلص منه قريبًا.

بعد أسبوع.. استيقظنا جميعًا على عملية اغتيال رفيعة المستوى لثلاثة من القادة البارزين فى حركة الجهاد الإسلامى، الحديث قبلها بليلة كان عن تثبيت الهدنة، الجميع كان فى غفلة «الإسرائيليون والفلسطينيون»، حتى نتنياهو كان ينشر صور جولته فى «هايبر ماركت» ويتفقد أسعار الجبن والألبان والبقوليات، وكانت تصريحاته حول الجهود المبذولة للحفاظ على الأسعار. ذهبنا للنوم مع أسعار الجبن واستيقظنا فجرًا مع الاغتيالات.

لم يكن أحد يعرف، فقد أبقى العملية سرًا بينه وبين قادة الأجهزة الأمنية، حتى المجلس الوزارى المصغر لم يكن يعرف عنها، هو يعرف أن فى الكابينت يجلس متطرفون قد يضرون بالعملية فى أى مرحلة، لهذا استبعدهم.

منذ أن دخلت إسرائيل دورة انتخابات متواصلة فى عام ٢٠١٩، تم التعامل مع كل قرار أمنى مهم تتخذه الحكومة بشك بأنه يخدم غرضًا سياسيًا. إما أن الحكومة تتخذ إجراءات لأنها أرادت كسب نقاط سياسية، أو أنها لم تتحرك لخوفها من الفشل وإمكانية خسارة نقاط سياسية، هذا الوقت مختلف، ليس بإمكان أحد أن يقول إن نتنياهو يتصرف لدواعٍ سياسية. 

بعد العملية صفق له الجميع «اليمين واليسار»، لم يجرؤ أحد أن يقول إنه ذهب للاغتيالات ليحسن مكانته فى الاستطلاعات، أو ليُرضى شركاءه المتطرفين، الجميع وضع ألسنته داخل فمه، واستمر فى متابعة التصعيد.

رسائل نتنياهو للجهاد الإسلامى كانت حاسمة ومفهومة، تتعلق بالرد والردع، لكن رسائله لشركائه كانت أكثر حسمًا، هو قال لهم بوضوح: «أنا نتنياهو، أنا المسئول؛ أنا الذى أقود، وأقود فى الطريق الصحيح».

قبل شهرين كان الجميع يصرخ فى إسرائيل، كان هناك سؤال طرحه الكثيرون وحول العالم- من عامة الناس والقادة السياسيين- خلال الأشهر الثلاثة الأولى المضطربة من حكم هذه الحكومة، حيث طغت قضية الإصلاح القضائى على كل شىء آخر: ماذا حدث لنتنياهو؟ ماذا حدث لرئيس الوزراء الأطول حكمًا؟ ألم يعد قادرًا على حكم البلاد؟ وازداد الغضب بعد إقالة وزير الدفاع يوأف جالانت فى ٢٧ مارس بسبب رأيه فى الإصلاحات القضائية.

بعد أسابيع منذ ذلك الوقت، بدأ نتنياهو فى العودة إلى المسار الصحيح والعودة إلى نفسه، كانت البداية عندما أوقف تشريع الإصلاحات القضائية، وفى ١١ أبريل، أصدر قرارًا بمنع الزوار اليهود من الحرم الإبراهيمى حتى نهاية شهر رمضان، رغم معارضة شركائه اليمينيين وتهديداتهم بترك الائتلاف.

قبل شهرين كان هناك نتنياهو الذى قد يفعل أى شىء ليحافظ على نفسه، اليوم عاد نتنياهو الذى يناور، ويتلاعب، ويسدد ضربات، ويتصرف بحذر، ويرد فى الوقت المناسب والمكان المناسب.