رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تجليات تترات دراما رمضان

معرفناش مين اللى سماه التتر.. ولا ده حصل إمتى.. أكنه ومنذ أطل عمار الشريعى بذلك العنوان الخالد.. بابا عبده.. استقر أهل الدراما من المحيط إلى الخليج على أننا على موعد مع نوع جديد من الغناء اسمه تترات المسلسلات. 

خمسون سنة كاملة مضت هى عمر هذا النوع من الغناء، بدونه يصبح المسلسل بدون عنوان.. وصار له نجومه وصنّاعه الذين طوروا فيه حتى صار هدفًا لصناع الكاسيت، ومن بعدهم شركات السوشيال ومواقع التواصل.. صناعة كاملة بدأت فى ذات اللحظة التى قرر فيها نور الدمرداش ومحمد سالم استعارة الغناء من السينما إلى مسلسلاتهما التى بدأت خماسيات وسباعيات حتى وصلنا إلى الثلاثين حلقة وتوابعها.. رحلة طويلة من الغناء البديع الذى صاغه الأسطوات الكبار عبدالعظيم عويضة وعبدالعظيم عبدالحق والموجى وبليغ فى مرحلة التأسيس، ثم حدثت الطفرة التى استقرت به فنًا قائمًا بذاته له قواعد وأصول على يد أبناء جيل السبعينيات الشريعى وإبراهيم رجب ومنير الوسيمى وجمال سلامة.. وأكمل معهم عمر خيرت وياسر عبدالرحمن وفاروق الشرنوبى حتى وصلنا إلى أبناء الجيل الجديد عمرو إسماعيل وهشام نيازى ورحيم ووليد سعد ومحمود طلعت وشادى مؤنس.. مع خالد حماد والكمار وتامر كروان القادمين من عالم السينما. 

خمسون عامًا ليست وقتًا قصيرًا.. فهناك دول لم تكن موجودة من الأصل فى هذه السنوات.. لكنها مجرد لحظات عابرة فى عمر الإبداع المصرى الذى لا يتوقف نهره عن الجريان والخصوبة والطرح.. ولأننا لا نتوقف.. لا يمكنك أن تلاحظ بسهولة ذلك الكم الهائل من التغيرات التى تجرى فى ساحة الفنون ومنها فن الغناء الدرامى.. الغناء عبر المسلسلات.. تغيرت العناوين حتى وصلنا إلى الأغنيات التى تروج للمسلسل دون أن يكون لها أى صلة بمحتواه، فقط تشير إليه وإلى أبطاله ونجوم تفاصيله.. خمسون سنة من الإبداع لن نسترجعها هنا.. فقط نشير إلى أننا على أعتاب نهايات إحدى مراحل هذا الفن، وفى انتطار بدايات أخرى قد تذهب به بعيدًا عن عناوينه القديمة. 

الأبنودى يحييكم من دفاتر الغياب

كتب الخال عبدالرحمن الأبنودى عشرات الأغانى فى مسلسلات لا يمكن حصرها.. كان حاضرًا فى البدايات يرقب.. كان المجال غريبًا على شعراء كثيرين، لكنه لم يكن غريبًا عنه هو المفتون بالسيرة الهلالية والحكايات التى التقطها من أفواه الرواة فى مصر والسودان وتونس وغيرها من البلدان.. كانت بدايته فى مسرح العرايس.. يتحدث بلسانها... ومنها إلى مسرح العرايس فى التليفزيون كاتبًا ولاعبًا فى بعض الأحيان وأعجبته اللعبة فراح يمارسها مع سيد مكاوى ومع حروف الكلام.. وفى المسلسلات القصيرة وأشهرها شفيقة ومتولى ومنها إلى التليفزيون.. فى خماسياته وسباعياته ومسلسلاته.. الضحية.. الساقية.. وأخيرًا الفلاح.. وهو أول مسلسل درامى يمكن أن نقبض فيه على تجليات الخال كاملة غير منقوصة.. الفلاح تم إنتاجه عام ١٩٦٨ وضم العشرات من الأغانى التى لا تزال حاضرة بيننا بصوت محمد حمام ومن ألحان إبراهيم رجب ومن بينها أغنية.. والله لبكره يطلع النهار يا خال.. التى استعادها المصريون فى يناير ٢٠١٠ وغنوها فى حدث مختلف تمامًا عن دراما هزيمة يونيو.. ثم توالت الأعمال حتى وصل الخال إلى مرحلة أبوالعلا البشرى والنديم مع عمار الشريعى.. والتى لا تزال أغنياتهم بصوت الحجار نوعًا فريدًا من الغناء الراقى العذب... ثم راح الخال يفرد ضلوعه عبر ما يزيد على ٢٠٠ مسلسل.. من الصعيد إلى الدلتا.. من السويس إلى دمياط ومطروح لا ينافسه فى ذلك إلا صديقه ورفيق البدايات سيد حجاب.. وعندما رحل الخال.. ظن البعض أنه توقف عن الغناء وأنه غادر ملعبه بلا رجعة.. لكن صنّاع مسلسل عملة نادرة قرروا استعادته.. واستعادة صوته ومفرداته فى أحد مسلسلات ٢٠٢٣ وبصوت أحد رفاق تجربته.. محمد منير. 

الكاتب السيناريست الشاعر مدحت العدل.. شاعر بالأساس.. وكان بإمكانه أن يكتب أغنيات مسلسله، فهو ليس غريبًا عن عالم السينما التى قدم من خلالها أجمل أغنياته فى أيس كريم فى جليم أو أمريكا شيكا بيكا مع عمرو دياب ومحمد فؤاد.. أو عن أغانى المسلسلات... لكنه وجد أن أحداث مسلسله الصعيدى، أو بالأصح الذى يتخذ من الصعيد جغرافيا للصراع الذى أراده حول ميراث البطلة وابنها فى مواجهة رجل عفى وقادر اختار له اسم عبدالجبار... عملة نادرة وبطلته نيللى كريم عندما تنتهى من مشاهدته هو ليس عملًا صعيديًا على الإطلاق وإن أراد له صانعوه ذلك.. هو عمل يناقش فكرة القهر.

ليل الباتع بين الشيخ والمريد

أحد أهم المكاسب التى قدمتها دراما رمضان هذا العام هو مقدمة مسلسل سره الباتع لشاعرها مصطفى إبراهيم وأغنية الترويج لمسلسل جعفر العمدة لشاعرها هشام الجخ.. وحتمًا تفرض المقارنة نفسها على الجميع بين ليل الأبنودى الذى لا يمثله قطعًا.. وقد كتبوه له على غير رغبته وفى غيابه.. وإن حسنت النوايا.. وبين شاعرين جديدين من أبناء الألفية الجديدة.. ما كتبه إبراهيم يكسب حتمًا حتى وإن جاء فى نفس الشكل الذى أسسه الرواد ومنهم الأبنودى. مصطفى إبراهيم اختيار موفق من خالد يوسف والشركة المنتجة.. فهو شاعر قادم من عالم الشعر.. لا يحترف الغناء ويقدم نفسه حاملًا القصيدة بتجلياتها الفردية دون الانزلاق إلى تنازلات سوق الغناء.. «إبراهيم» الذى عبرت عنه دواوينه المتمردة والذى حاول الدخول إلى عالم الغناء عبر حنجرة على الحجار فى تجربة صوفية وحيدة.. تعتمد السؤال ولا تبحث عن إجابات... وجد ما يشبهه ويشبه تجربته فى سيرة السلطان حامد من ناحية وفى حكاية الباحثين عن الحلم والكنز تلك التى أضافها خالد يوسف إلى روح وحكاية يوسف إدريس من ناحية أخرى.. فكرة الحلم والمقاومة فى مواجهة الاستهداف الغربى أو الخارجى لمصر المتعددة الحالمة القادرة هى جوهر القصيدة التى أراد لها مصطفى إبراهيم أن تكون حادة ومباشرة لا تقترب من التشكيل الجمالى ومفردات قصيدته الخاصة.. قرر بذكاء أن يستعير لغة أهل مكة.. من جيل الرواد.. ولأنها ملحمة.. مستمرة اختار أن يبدأ هو ملحمته من حيث انتهوا... لم يشأ أن يتخذ شكل الحكى الشعبى كما هو معتاد مع الهلالية.. أو على الزيبق.. مثلًا.. أو حتى شيخ العرب همام.. ربما لأن حامد لم يكن بطلًا شعبيًا من الأصل فى حكاية يوسف إدريس وهكذا أراد له خالد يوسف أيضًا.. شكل الكتابة الملحمية من خلال رباعيات متواترة هو الأقرب للمسلسل، وهذا ما فعله مصطفى إبراهيم مفضلًا عدم التجريب أو تقديم شكل كتابة جديد يشبه تجربته الشخصية.. ونجح فى ذلك تمامًا ليعلن عن إضافة حقيقية للغناء الدرامى تمد الخط الواصل من حداد وجاهين وعبدالرحيم منصور والأبنودى ونجم وحجاب ومجدى نجيب وجمال بخيت وإبراهيم عبدالفتاح إلى مصطفى إبراهيم.. وليله الذى لا يختلف كثيرًا عن الليل الذى حاول السابقون تفسيره. 

والليل ما يجيب الليل.. 

وجايبلى مين المرة دى

غوازى راكبة ضهور الخيل

ولا الديابة ف توب قاضى

لوجاى طمعان ف مذلة

فيه ألف ليل قبلك ولا

رحاية يامه على الغلة

وع الأعادى اللى تجيلك

سرك قديم يا أم الأسرار

يعدوا روم ويعدوا تتار

قايدة لعداكى غيطان النار

قبل الزمن بزمن قبله

جى النور هنا وربط حبله 

على القلوب التى تقابله

ومشيوا فى ضل سبيلك. 

فهم مصطفى إبراهيم السر.. وفهم وليد سعد حدود حنجرة منير.. لكنه قرر أن يذهب بعيدًا، وأن يترجم السر فى شكل موسيقى مودرن ابتعد بشكل شاهينى عن روح الدراما الشعبية التى انتظرناها.. استعار الموزع الموسيقى «لوبز غربى» مع جملة موسيقية لا تطرب وتبتعد كثيرًا عن أى شكل ملحمى.. ربما ليبتعد عن أى تشابه قد يذكرنا بجمال سلامة فى جمهورية زفتى.. وربما لم يقرأ وليد سعد قصة إدريس ولم يسمع حكاية السلطان حامد.. التزاوج الذى صنعه خالد يوسف بين القديم والجديد.. وعبّر عنه مصطفى إبراهيم هرب منه وليد سعد ليقدم لنا لحنًا غربيًا يقترب من الدراما... لكنه يبتعد عن روح ما يتحدث عنه.. وكذلك منير الذى لم يكن صوت البطل لكنه كان صوت الراوى الذى يحكى من بعيد، فلم تكن هناك حاجة إلى التشخيص فى الغناء.. نحن لا نسمع حامد.. ولا ملحمته.. نحن نستمع إلى منير.. وهذا ما لا تحتاجه الدراما.. وإن كان جمهور منير فى حاجة شديدة إليه.

الهويس يعلن عن نفسه مع سعد وجعفر العمدة

جعفر العمدة لم يكن بطلًا شعبيًا.. لكن صار كذلك بعد أن منحه مهاب طارق ومحمد سامى كل ما يحتاجه من مشهيات ليصبح كذلك.. وجاء ذلك مبكرًا وقبل عرض الحلقات بأسابيع بأغنية ترويجية كتبها هشام الجخ الذى يلقبه الألتراس الخاص به بالهويس.. ولحنها وغناها أحمد سعد.. الجخ، وهو شاعر جنوبى لا يحبه أبناء تيار الحداثة ومثقفو وسط البلد... اختار منذ بداياته أن يكون بطلًا... هو ابن المسرح الذى تعود الصعود إليه منذ سنوات طويلة فى جامعة سوهاج حيث بدأ.. وعبر تحولات مسرحية واعية جاءت به من قصيدة الفصحى التقليدية إلى العامية البسيطة الممسرحة الأقرب إلى شباب بسيط يسمع الشعر ولا يحب القراءة إلى عالم الغناء الذى حاول عبور بوابته فى تجارب قليلة عبر صوت محمد الحلو وآخرين.. إلا أن فرصته الحقيقية جاءت عبر جعفر العمدة وصوت قادر وغير محدود وموسيقى تستفيد من تقنيات المهرجانات وإيقاعها الصاخب فى نفس الوقت. 

هشام ابن قنا الذى عاش طفولته وشبابه فى سوهاج ومن بعدها فى أحياء القاهرة الشعبية يدرك تمامًا علاقة المصريين بفنون الموال.. وبكائيات الشكوى من الزمن وغدر الصحاب وتقلب الأحوال.. فى نفس الوقت الذى يحتاجون فيه إلى مشاهدة أنفسهم وهم أبطال يتغلبون على الجميع بمفردهم ودون حاجة إلى مساعدة.. ممن تعشموا فيهم وخذلوهم.. ومن لا يصدق ذلك عليه بأن يقرأ جيدًا مفردات الصبر فى غناء المصريين الذى كتبه الشعبيون والمجهولون عبر سنوات.. وهذا ما استعاده الجخ ببراعة وسيجه أحمد سعد بمقام موسيقى شعبى وإيقاعات موجوعة وراقصة فى آن واحد، فكانت الأغنية الأكثر قربًا إلى مشاهدى دراما هذا العام حتى وإن كانت مجرد أغنية من بين ثلاث عشرة أغنية ضمها المسلسل الأكثر شعبية هذا العام.. 

وأدينى لسه بتفرج

ده سيرك أسود وبتهرج

ودنيا مشيها أعرج

ونا صابر... 

على وشى سمار زنهار

وقلب أخضر لكن صبار

ومهما يطول المشوار

أنا قادر. 

لا عمرى طمعت فى اللى معاك

ووقت الشدة كنت وراك

ومش قصدى إنى كنت ملاك

وفاتح قلبى ع المكشوف

وبعشق موت ومش مكسوف

كلامى دوغرى مش ملفوف

ولا باهت... 

أنا صابر وصبرى شديد

ومهما بتخلف المواعيد

أنا بضحك عنيد وسعيد

وأقول.. هانت. 

استعادت الدراما هذا العام صوت محمد الحلو أحد أهم فرسان هذا النوع من الغناء لسنوات طويلة بعد غياب امتد لسبع سنوات كاملة.. وربما لم يشعر أحدنا بذلك.. لسطوة المسلسلات التى شارك الحلو فى أغنياتها وحضورها الممتد.. ليالى الحلمية.. زيزينيا.. أديب.. الوسية.. على سبيل المثال. 

محمد الحلو صوت درامى بطبعه.. هو لا يغنى.. ولا يمكنك أن تشعر بأى مجهود يبذله الرجل حينما يغنى.. هو يترقرق ببساطة وانسيابية تعودناها... ولذلك لم يبذل خالد عز من وجهة نظرى أى مجهود أيضًا وهو يلحن كلمات أمير طعيمة لمسلسل ضرب نار.. خالد عز صاحب تجربة مميزة فى عالم الأغنية الفردية وفى الدراما أيضًا، سواء مع أنغام أو مع مدحت صالح.. وعادة ما يذهب عز بعيدًا مما يجعله لا يشبه أحدًا من الأسطوات فى هذا العالم.. لكنه فى ضرب نار آثر ألا يفعل ذلك فاختار لغة تقليدية جدًا.. أجبرته عليها مفردات ما كتبه أمير طعيمة.. وصوت محمد الحلو المغرى بإيقاع قاعد وسلطنة لا حدود لها. 

اقترب عز مما سبق.. واستعار تجربته فى الغناء العاطفى لأنه وجد طعيمة وقد اختزل صراع الدراما فى البطل والبطلة.. وثالثهما.. اختار طعيمة الأسهل.. وكتب بلغة تقترب من المباشرة قصة حب.. مجرد قصة حب.. أزال تلك الزوائد التى وضعها ناصر عبدالرحمن لبطله الهارب من الثأر إلى الحب.. لكنه يسقط من جديد فى عالم بير السلم والممنوعات من الأدوية إلى السلاح ومواجهة تجار العملة والمخدرات.. فيما تهرب حبيبته من ماضيها وعالمها وحبيبها الذى لم يحمها إلى المال والبلطجى ليحميها.. لكنها أيضًا لم تجد الحماية لتعود إلى حبيبها مجددًا لكنه كان قد سقط.. فلم يستطع الهروب بها مجددًا فتسقط معه فى نفس اللحظة.. الدراما التى كتبها ناصر عبدالرحمن أكبر من قصة حب عادية يترك فيها الحبيب حبيبه، لكن طعيمة أراد لها أن تكون كذلك.. وعلى دربه سار خالد عز.. لكن نعومة اختياره لتنقلاته وصوت الحلو مررا تلك المباشرة إلى قلوبنا فاستحقا أن تعيش أغنيتهما معنا لما يقرب من الشهر ويزيد. 

لما الطريق بيضل.. شمس النهار تحمى

ونتحرم م الضل.. نقطع حبال الود

تتبدل الرحمة.. يطرح مكانها الغل.. 

مش فارقة مين فينا اللى ساب

مش فارقة مين.. اتساب

نفس الألم نفس الوجع.. مقسوم على الأحباب.

ويبقى صوت حنان ماضى روحًا هائمة.. لا تعرف لماذا جاء بها صناع المسلسل.. فهى لا تغنى حوارًا مع البطل... الذى يمثله محمد الحلو.. كما أن صوت حنان الذى يشبه الكمان فى حدته ونعومته لم يتم توظيفه بما يسمح له بأن يكون شريكًا حقيقيًا لصوت الحلو.. حنان ماضى قطعًا صاحبة تجارب مهمة فى الغناء الدرامى، لكن معظم من تعاملوا مع صوتها بعد ياسر عبدالرحمن لم يحسنوا توظيف هذا الصوت النادر الذى يعطى وجوده، مجرد وجوده فى أى نغمة، مساحة غير محدودة من الراحة لقلب وروح من يستمع إليه.. ماضى والحلو.. فاكهة موسيقية نحتاجها طوال العام وليس فى رمضان فقط بشرط أن نضعهما فى جملة موسيقية مفيدة.

أيمن قمر.. واللى يزعل.. يتفلق 

يظل أيمن قمر فى ظنى أحد أهم الذين أضافوا إلى هذا العالم الساحر.. أيمن الذى بدأ المشوار بكتابة تقليدية فى مسلسل الوتد مع موسيقى محمود طلعت.. سرعان ما أعلن عن تمرده على مفردات من سبقوه مبشرًا بلغة خاصة قادمة من الشارع الجديد بكل ما فيه من تغيرات.. وسمحت له فرادة موضوعات يوسف معاطى وجرأة اختيارات يحيى الفخرانى وصوت مدحت صالح المرن وغرابة وخصوصية صوت هشام عباس أن يقدم عددًا من أغانى المسلسلات التى لا يمكن حذفها من تاريخ الدراما مثلما هو الحال فى سكة الهلالى ويتربى فى عزو.. قدرات أيمن وعلاقته الجيدة بفن السيناريو والمسرح سمحت له بأن يتجاوز الأشكال القديمة وأن يتمرد على لغتها المعتادة والابتعاد عن التصوير والاستعارات.. والمحسنات البديعية.. وسمحت له بالتنوع أيضًا عبر أصوات فضل شاكر ومسلم وإبراهيم الحكمى وغيرهم.. وباختصار صار أحد أسطوات جيل التسعينيات والألفية الجديدة فى عالم الدراما وأغنياته.. هذا العام كان من نصيبه أن يتلقف سيناريو إبراهيم عيسى والورشة المصاحبة له والتى قررت أن تضم عددًا من القضايا لا قضية واحدة لتلعب بها لعبة التمثيل.. ختان الإناث.. تمكين المرأة.. الميراث.. وغيرها مما حفل به مسلسل حضرة العمدة.. أيمن التقط الخيط.. وحلق بعيدًا.. ليأتى هو الآخر برسالة مؤداها أنه يجلد الجمهور الذى يحاول أن يكون له رأى فى كل هذه القضايا وغيرها... وأن يناقض رسالة أصحاب المسلسل الذين لا أظن أنهم مع من يرفضون حرية التعبير تحت شعار.. اللى يهرى يهرى يهرى.

إعجاب أيمن قمر بمفرداته الجديدة تمامًا ابتعد به عما يطرحه المسلسل إلا قليلًا. عندما قرر أن يصادر على الجميع وأن يعلن أن الدنيا ماشية.. والخير جاى.. حبة حبة..واللى يزعل يتفلق.. ربما تكون هذه طريقة إبراهيم عيسى فى مجابهة المختلفين معه أو مع أفكاره أو طريقة التعبير عنها.. ولا أعتقد أنها أفكار أيمن قمر التى يسخر منها.. الحد الفاصل بين السخرية كما هو الحال فى.. لا هى باظت ولا خربت ولا جابت جاز.. وبين اللى يزعل يتفلق بسيط جدًا.. هو مجرد شعرة.. لكن البون بين الرسالتين شاسع جدًا.. وربما تكون هذه هى الرسالة التى يقتنع بها أيضًا.. نحن هنا أمام مفردات بديعة فى لحن شيك وناضج ومبهج لوليد سعد وغناء مبهح بلا حدود لصوت لا حدود لتجلياته هو صوت مدحت صالح الذى يهضم أى جملة لحنية بطريقة مدهشة.. ليصل إلينا من أقرب الطرق. 

الكلام ده عايز أقوله.. واللى يزعل يتفلق

همنا بتزيد حموله.. كل ما الواحد قلق 

أى خير بالصبر ييجى.. مش زرار 

دوس. يتدلق. 

اللى يهرى يهرى يهرى

واللى يفتى يفتى يفتى

بس بكره هتبقى فل

على حسب معرفتى.

المهرجانات.. والشيخ ياسين.. وأبناء الدوم 

منذ سنوات ليست قليلة قرر هشام نزيه، وهو أحد أهم صانعى الموسيقى فى السينما أن يجرب استخدام الموسيقى الصوفية فى مسلسل الوصايا السبع.. وبعدها لجأ موسيقى قادم من عالم السينما أيضًا فى توظيف نص تراثى للشيخ أحمد برين مع صوت المنشد وائل الفشنى، ورغم أنهم شوهوا النص التراثى لعدم فهم كلمات النص إلا أنهم بتتر واحة الغروب لفتوا الأنظار إلى كنز التراث الشعبى الذى استثمره عمرو إسماعيل بشكل جيد فى تتر الكبير.. وهذا العام كان من الطبيعى أن نجد أكثر من شكل للاقتراب من هذا العالم بنفس القدر الذى اقترب فيه صناع الدراما من موسيقى المهرجانات.. توظيف المديح النبوى والتراث الشعبى جاء عبر أكثر من مسلسل من بينها المداح لحمادة هلال، وستهم مع الشيخ ياسين الذى أتوا به شحمًا ولحمًا دون أن يكون لوجوده أى مبرر درامى... وفجاجة المسلسل وضياع فكرته وأفورة روجينا.. كل هذه العوامل ضيعت فرصة الاستفادة من نصوص وموسيقى التهامى باستثناء موسيقى التتر وأغنيته التى لا أجد أى رابط أو علاقة بينها وبين المسلسل، ولكن يظل التعامل معها بشكل فردى باعتبارها مجرد أغنية من أجمل ما سمعنا فى رمضان.. لغة أغنيات الشيخ وصوته الذى تم تضفيره مع إيقاعات حديثه وموسيقى جديدة تقترب من روح الفولكلور ولا تغرق فيه تجربة مبهرة تحتاج إلى تكرارها سواء فى دراما تستدعيها أو من خلال عمل منفرد... نفس الأمر يتجلى فى الاستعانة بأغانى المهرجانات التى حشرها البعض للدلالة على سياق شعبى كما هو الحال فى مسلسل بابا المجال.. وبأصوات بعضها جيد مثل محمد شاهين تعدى ذلك إلى الاستعانة بحودة بندق ومن على شاكلته باعتبارهم ملحنين.. ونفس الأمر فى مسلسل الأجهر الذى مارس عمرو سعد من خلاله الغناء باللهجة السواحيلى على إيقاعات المهرجانات وهى لهجة منتشرة فى عدد من دول الجنوب الإفريقى مثل كينيا وتنزانيا وموزمبيق.. ولها مطربون مدهشون.. سعد يغنى على طريقة أحمد زكى فى أفلامه.. ولكن بلا مبرر سوى الاستعانة بإيقاع خماسى وأطفال وسمر ولهجة غريبة.. على كل حال قدم الأجهر صوتًا جديدًا وجميلًا من أبناء مسابقة الدوم، هو ابن الإسكندرية إبراهيم صبرى وأعده أحد مكاسب الغناء الرمضانى الذى سيكون ل حضور طيب فى الأعوام المقبلة. 

بقى أن أشير إلى عدد من المسلسلات اختارت الموسيقى الخالصة عنوانًا لها.. وبعدها كان موفقًا ومدهشًا وإضافة حقيقية مثلما هو الحال فى موسيقى سوق الكانتو.. وتحت الوصاية.. وبقى أن أؤكد.. أن هذا العالم الذى يقترب من عامه الخمسين.. يحتاج منا إلى دراسة جادة وحقيقية.. فهو كنز لو تعلمون عظيم.