رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أكاذيب المركزية الإفريقية

يومًا بعد يوم تتضح خطورة دعوات المركزية الإفريقية أو «الأفروسنتريك» على حد المصطلح الأمريكى فى بلد المنشأ لهذه الحركة السامة والعنصرية والجاهلة أيضًا.. المركزية الإفريقية باختصار هى رد غير منطقى على عصور استعباد الأفارقة واستغلالهم من قبل الحضارة الغربية بالأساس، وهو ما أنتج رد فعل بدأ يتنامى منذ العشرينيات ويعبر عن نفسه فى افتراضات غير علمية تقول إن إفريقيا هى أصل الحضارة فى العالم كله وليس فى مصر فقط.. فوفقًا لهذه الهذيانات فقد سرقت أثينا الإغريقية حضارتها من الأفارقة السود والمسيح نفسه ليس أبيض البشرة ولا أشقر الشعر لكنه إفريقى بملامح زنجية، وكذلك قدماء المصريون الذين يهذى الأفارقة المركزيون حول كونهم أفارقة سود البشر هاجروا للجنوب بعد أن بنوا الحضارة الفرعونية وحل محلهم قوم آخرون! لا ينتمون للحضارة الفرعونية ولا يمتون لها بصلة!! للوهلة الأولى يبدو هذا الهذيان أهون من أن يؤخذ بجدية أو أن يرد عليه من الأساس.. خاصة أن هناك ادعاءات كثيرة حول الحضارة المصرية.. لكن نظرة فاحصة تؤكد أن هذه الدعوة الخبيثة وراءها أهداف أكبر من أن تكون مجرد تعويض للنقص أو لسنوات الاستغلال على يد الحضارة البيضاء.. وأول ملامح هذا الخبث أن أصحاب هذه الدعاوى وكلهم من المواطنين الأمريكيين من أصل أسود يحاولون الارتباط بمصر بأى طريقة كانت.. وقد حاولوا عقد مؤتمر لهم فى أسوان فى فبراير ٢٠٢٢ ليروجوا من خلاله هذا الهذيان.. لكن مصر رفضت عقد المؤتمر.. ثم حاول كيفن هارت وهو من أنشط مروجى هذه الأفكار عقد حفل له فى منطقة الأهرامات منذ شهور قليلة لكن مصر انتبهت لخطورة السماح لمروجى هذه الأكاذيب بالوجود على أرضها وربط صورتهم الذهنية بالآثار التى يدعون أن أجدادًا لهم بنوها ثم اختفوا منذ آلاف السنين.. فى الكواليس ثمة رائحة غير نظيفة تقول إن هناك من يدفع لترويج هذه الأكاذيب وإحياء فكرة ظهرت منذ العشرينيات من رقادها، وثمة معلومات تتحدث عن دولة شرق أوسطية رصدت مئة مليار دولار لترويج هذه الأكاذيب ومحاولة إعطائها الشكل العلمى.. أما الدافع فهو مواصلة الضغط على سكان هذه المنطقة من العالم التى تدفع ثمنًا فادحًا لوجود دولة زرعت فيها تعاديها شعوبها وتجد أنه من غير المنطقى أن تقبلها وسطها لذلك يتم عقاب المنطقة كلها وتفكيك دولها وتشريد شعوبها وتحويلها إلى شظايا سياسية وقومية ودينية.. ولا يمنع أبدًا أن تسلب هذه الشعوب حضارتها القديمة التى تعتز بها.. فيقال لأهل الشام إنهم ليسوا ورثة الحضارة الفينيقية القديمة.. ويقال لأهل مصر إنهم ليسوا أحفاد بناة الأهرامات التى يعتزون بها ويقال لأهل شمال إفريقيا إنهم خليط من أحفاد الرومان والعرب وإنهم ليسوا بناة الحضارة القديمة فى بلادهم.. والغريب أن هذه الحركة الجاهلة والعنصرية تستخدم حقائق التاريخ لتزييف التاريخ.. فالنقاء العرقى الكامل وهم كبير.. ولا يوجد شعب فى العالم لم تتداخل فيه الأعراق والأجناس والمهاجرون.. لكن الحضارة المصرية العريقة كانت بوتقة كبيرة صهرت كل الوافدين إليها فى سبيكة واحدة.. فرأينا الإسكندر المقدونى يدخل فى دين القدامى المصريين، ورأينا قبله مينا يوحد الجنوب والشمال ليصبحا دولة واحدة.. ورأينا شعبًا يحتفظ بسماته الحضارية عبر آلاف السنين.. فالكثير من عاداتنا حتى وقت قريب ورثناها من قدماء المصريين ومنها أربعين المتوفى وزيارة المقابر وسبوع المولود.. بل إن بعض الأضرحة الوهمية فى بعض قرانا ليست سوى امتداد لآلهة المصريين القدماء فى هذه القرى، كما أشار المفكر حسين أحمد أمين، فى كتابه دليل المسلم الحزين.. والمعنى أن الحضارة المصرية وسماتها انتقلت بتقاليدها وعاداتها وروحها من جيل إلى جيل عبر آلاف السنين.. بل إن اللغة المصرية القديمة ما زالت حية بعد أن تطورت للغة القبطية القديمة التى ما زالت الصلوات تتلى بها فى الكنائس.. وملامح ملايين المصريين تكاد تكون صورة طبق الأصل من صور الفراعنة المنقوشة على جدران المعابد.. وهى ملامح مختلفة تمامًا عن ملامح الزنوج الأفارقة من حيث شكل الوجه والأنف والجبهة ودرجة السمار.. فالمصرى أسمر بلون القمح، كما يقول فؤاد المهندس فى أغنيته الجميلة عن مصر.. ولا يجب أن نقع فى الفخ الذى ينصبه لنا الأفارقة الكذابون فننفى تنوعنا.. لأن هؤلاء يعيشون فى بلد مكون من مئات الأعراق واللغات والأديان ويفخرون بهذا.. نحن أيضًا سبيكة واحدة يغلب عليها معدن المصرى القديم الذى يسكن الدلتا والوادى ولا تكاد حياته تختلف عن حياة أجداده فى شىء.. ولكننا أيضًا متنوعون وفد علينا الإغريق والرومان والعرب والأتراك والأوروبيون فاستوعبناهم وصهرناهم فى سبيكتنا وصاروا هم يشبهوننا بأكثر مما نشبههم، ومن خلاصة هذا الاختلاط ظهرت السبيكة المصرية النفيسة والغالية التى استعصت على الغزاة فعلًا لا قولًا.. وستهزم أكاذيب الأفارقة المركزيين كما هزمت غيرهم الكثير والكثير.. وغدًا سنرى بإذن الله.